نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن مشكلة الخصوبة في دول شمال أوروبا، حيث تواجه البلدان الإسكندنافية، بحسب الوكالة، تراجعا لافتا في معدلات الخصوبة بعدما تصدرت طويلا قائمة البلدان الأوروبية في هذا المجال، ما يهدد نموذجها الاجتماعي الذي يقوم على التضامن بين الأجيال وفق التقرير. ولم تفلت السويد من ظاهرة تراجع معدل الخصوبة، ولكنها لا تزال تسجل معدل خصوبة مرتفعا نسبيا على المستوى الأوروبي، إذ تحتل المرتبة الثانية خلف فرنسا مع 1.85 طفل لكل امرأة سنة 2016، ويبدو أن سياستها التقليدية المنفتحة على المهاجرين، تساعد على ارتفاع معدل الخصوبة، نظرا لأن أبناء المهاجرين عادة ما ينجبون عدد أطفال فوق المعدل العام، وهي ظاهرة تتناقل عبر الأجيال، والمثال على منطقة أنيبي الصغيرة في جنوب البلاد وتسجل نسبة 2.6 طفل لكل امرأة في السنوات الأخيرة، وتعد من بين الأكثر دينامية في البلاد كنتيجة لانفتاحها قبل عقدين. ويوضح المسؤول في البلدية غوستافسون، أن أنيبي استقبلت حوالي 225 إريتريا في مطلع التسعينات وبعدها استضافت لاجئين من البلقان، وأن سنة 1994 سجلت رقما قياسيا على صعيد النمو السكاني في المنطقة، ولكن هذه المساهمة السكانية من الأقليات الأجنبية تثير أيضا، مخاوف البعض. فقد أثار وزير العدل النرويجي السابق المنتمي إلى اليمين الشعبوي يبر ويلي أموندسن ردود فعل كثيرة في بلاده، مع توصيته بتقليص المخصصات العائلية المقدمة للأهالي بعد إنجاب الطفل الثالث، بهدف لجم المهاجرين الصوماليين الذين ينجبون بمعدلات أكبر من النرويجيين الأصليين، على حد تعبيره. من جهتها نبهت رئيسة الحكومة النروجية إيرنا سولبرغ إلى أن بلادها ستواجه مشاكل مع هذا النموذج الاجتماعي خلال العقود المقبلة، نظرا لأن عدد الشباب الذين يتحملون هذا العبء سينخفض وقالت "النروج بحاجة لمزيد من الأطفال. لا أظن أن عليّ إنجاز رسم توضيحي". كما تشهد فنلندا أو إيسلندا نفس الظاهرة مع تراجع معدل الخصوبة إلى أدنى مستوياته التاريخية في 2017 إذ كان يراوح بين 1.49 طفل و1.71 لكل امرأة، بينما كانت هذه المعدلات، قبل بضع سنوات، تقارب المستوى المطلوب، أي 2.1 طفل، لضمان تجدد الأجيال. يرى عالم الاجتماع في جامعة أوسلو تروده لابيغورد أن تراجع معدل الخصوبة في البلدان الإسكندنافية بدأ في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية في 2008، ولكنه يلاحظ، أيضا، أنه بالرغم من أن أزمة 2008، أصبحت من الماضي، إلا أن معدل الخصوبة مستمر في التراجع. من كوبنهاغن إلى رأس الشمال، ومن هلسنكي إلى ريكيافيك، يرصد أخصائيو علم السكان ظاهرتين ثابتتين هما تراجع أعداد العائلات الكبيرة، وارتفاع متوسط عمر النساء اللواتي يحملن للمرة الأولى، ويصعب تقديم تفسير وحيد لهذه الظاهرة، غير أن المخاوف الاقتصادية والارتفاع الكبير في أسعار السكن هي بلا شك من العوامل المؤثرة على هذا الصعيد. تشير التوقعات إلى ان استمرار الظاهرة، على المدى الطويل، يعني انحسار عدد الأشخاص العاملين في هذه المجتمعات، لضمان تمويل المساعدات الاجتماعية السخية بما يشمل خصوصا إجازات الأمومة والأبوة التي تصل إلى 480 يوما مثلا في السويد، وهي قضية تدفع بالمختصين لتخيل واقتراح الحلول، وفقا لظروف كل بلد.