شرع أمس، الأحد، بالمحكمة العسكرية بمدينة البليدة، في جولة ثانية من المحاكمة المثيرة للقائدين الأسبقين لجهاز المخابرات الفريق محمد مدين واللواء بشير طرطاق، والسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، بعد قبول المحكمة العسكرية طعناً في إدانة سابقة، كانت قد أصدرتها في حقهم في 25 ديسمبر الماضي، بالسجن لمدة 15 سنة. ويلاحق القضاء العسكري الشخصيات الأربع، بتهمة التآمر على أمن الدولة ومحاولة المساس بسيادة قيادة عسكرية وسلطتها. وضُمّ إلى هذه القضية أيضاً وزير الدفاع السابق خالد نزار، ونجله لطفي نزار، وشريك ثالث لهما هو فريد بلحمدين، على خلفية اجتماع عُقد في نهاية مارس الماضي، بعد اندلاع مظاهرات الحراك الشعبي في فبراير، بهدف تشكيل هيئة رئاسية انتقالية اقترح لرئاستها الرئيس السابق ليامين زروال، وإقالة قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي توفي في ديسمبر الماضي، وإعلان حالة الطوارئ. وذكر، الأستاذ خالد بورايو، محامي الدفاع في قضية “التآمر من أجل المساس بسلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة” التي استأنفت الأحد بالمحكمة العسكرية بالبليدة أن المتهمين بوتفليقة سعيد ومدين محمد وحنون لويزة حضروا للمحاكمة ماعدا طرطاق عثمان. وقال المتحدث أن المحاكمة “تمت في ظروف عادية بحضور جميع المتهمين ما عدا عثمان طرطاق”، مشيرا إلى ان “ما ننتظره هو التطبيق الصارم للقانون”. ولفت إلى أنه تم “في الصبيحة الاستماع لمحمد مدين الذي ذكر بنضاله وما قام به من أجل البلاد والذي أكد أنه قاد أول حملة ضد الفساد”. وأشار الى أنه سيتم في الجلسة المسائية الإستماع لسعيد بوتفليقة و لويزة حنون وستتواصل الجلسة إلى اليوم الإثنين. وذكر الأستاذ بورايو أنه تم خلال جلسة اليوم استشارة رئيس المجلس الدستوري السابق الذي “نفى إحداث مؤامرة بخصوص المساس بسلطة الجيش والدولة”، مضيفا “أنه لا يمكن أن تكيف القضية على أنها مؤامرة أو اعتداء على نظام الحكم”. وذكر أن “اللجوء إلى المجلس الدستوري ينفي الطابع الجزائي للقاء”، الذي جمع المتهمين. وكان القضاء العسكري قد أمر، في الخامس ماي الماضي، باعتقال السعيد بوتفليقة، والقائدين السابقين لجهاز المخابرات محمد مدين وعثمان بشير طرطاق، فيما أُوقِفَت زعيمة حزب العمال اليساري في التاسع من الشهر نفسه. وفي 30 مارس الماضي، كشف قائد الجيش، الراحل الفريق أحمد قايد صالح، عن اجتماع سري عقد في 28 مارس الماضي جمع مدين وطرطاق والسعيد بوتفليقة ولويزة حنون، قال إنه للتآمر وإعلان حالة طوارئ في البلاد، وإنزال الجيش إلى الشارع. وفي الثاني أفريل، أقرّ الرئيس السابق ليامين زروال في بيان نشره، باجتماعه في 30 مارس الماضي في الضاحية الشرقية للعاصمة بمديري المخابرات السابقين، اللذين نقلا إليه مقترح السعيد بوتفليقة بإنشاء هيئة رئاسية تتولى تسيير المرحلة الانتقالية، لكن زروال رفض المقترح، وكشف ذلك للرأي العام. وكان مدين قد أقر، خلال المحاكمة، بعقد سلسلة اجتماعات سرية نهاية مارس، الماضي عشية استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من منصبه، لتشكيل هيئة رئاسية تقودها شخصية توافقية تحل محله، وذكر أنها كانت تهدف إلى إيجاد حل للأزمة في البلاد، بعد اندلاع مظاهرات الحراك الشعبي في 22 فبراير الماضي، وجرت مناقشة إمكانية التفاهم مع الرئيس السابق ليامين زروال أو رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس لترؤس هيئة رئاسية انتقالية مؤقتة تقود البلاد. وأقرّ وزير الدفاع السابق خالد نزار، المتهم أيضاً، وهو في حالة فرار، أن ذلك الاجتماع المثير للجدل كان يستهدف السعي إلى إقالة رئيس أركان الجيش، بسبب أن وجوده سيعرقل تنفيذ الخطة وإعلان حالة الطوارئ للتحكم في الوضع وإعادة الهدوء إلى الشارع ووقف المظاهرات. وأصدر القضاء العسكري في 25 ديسمبر، حكماً بالسجن لمدة 15 سنة في حق مدين وطرطاق والسعيد بوتفليقة ولويزة حنون، وكذا ثلاثة متهمين في حالة فرار، هم خالد نزار ونجله ومدير شركة صيدلة فريد بلحمدين. وجرت المحاكمة خلال أربعة أيام، ووصفت هيئة الدفاع عن المتهمين الأربعة المحاكمة السابقة ب”غير العادلة”. وقال المحامي خالد للصحافيين حينها إن “هذه المحاكمة شخصية ولا تتوافر فيها ظروف المحاكمة العادلة، والقناعة التي توصل إليها مجموع المحامين في القضية، وعددهم 20 محامياً، أنها مجرد حسابات شخصية”، بين قائد الجيش حينها قايد صالح والمتهمين الأربعة، ويعتقد أن ذلك الاجتماع لم يكن له أي طابع تآمري، لكونها جرت بين أشخاص في إقامة مدنية تابعة لرئاسة الجمهورية، حيث إن بوتفليقة لا يزال رئيساً للبلاد، وشقيقه السعيد مستشاراً له، وطرطاق مسؤولاً أمنياً. أما الفريق محمد مدين (متقاعد)، فقد استُشير بحكم خبرة وتجربة في مسائل تخصّ البلاد. لكن جلسة المحاكمة التي عقدت أمس، تأتي في ظرف سياسي مغاير تماماً، في ظل وجود رئيس منتخب هو عبد المجيد تبون، وبعد رحيل قائد الجيش الفريق الذي توفي فجأةً نهاية ديسمبر الماضي، ومع تراجع زخم الحراك الشعبي الذي كان يطالب بمحاكمتهم مقارنةً مع السابق، ووجود ضغوط سياسية للإفراج عن أمينة حزب العمال لويزة حنون، لكن تصريحات سابقة لقائد الجيش الجديد اللواء السعيد شنقريحة بشأن التمسك بالمحاسبة تُبقي للمحكمة إسناداً كبيراً لإدانة جديدة للمتهمين، خاصة أن أي تراجع في محاسبتهم قد يؤلب الرأي العام على السلطة السياسية الجديدة. وكان سعيد بوتفليقة (62 سنة) مستشار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تحول إلى الرجل القوي الفعلي في القصر الرئاسي دون سلطات دستورية، خاصة بعد تدهور صحة شقيقه. وازدادت قوته أكثر، إلى درجة اعتباره "رئيسا ثانيا" بعد إصابة الرئيس بوتفليقة بجلطة دماغية في 2013 شلّت حركته وأفقدته القدرة على الكلام. وترى هيئة الدفاع أن الملف “فارغ”، وطالبت بمحاكمة عامة، عكس ما حدث في المحاكمة الأولى، حيث لم يسمح إلا للمحامين وأسر المتهمين بالدخول إلى المحكمة العسكرية، بينما تم منع وسائل الاعلام من التغطية. وقال فاروق قسنطيني محامي الجنرال توفيق: "لم يتم السماح للناس بحضور الجلسة وسيكتشفون أن القضية لا أساس لها. فلا يوجد ما يدين (المتهمين) لا من الناحية الاخلاقية ولا من الناحية الجنائية". وبالنسبة للعديد من المراقبين فإن سعيد بوتفليقة ومن معه هم في الحقيقة الطرف الخاسر من صراع طويل خلال حكم بوتفليقة، بين جهاز الاستخبارات وبين رئاسة الأركان. ومن جهته قال ميلود براهيمي محامي سعيد بوتفليقة والجنرال توفيق، إن "الملف فارغ تماما"، وأضاف أن "التهم ليست من صلاحيات المحكمة العسكرية كما أنها لا تعتمد على أي شيء". واعترفت حنون القريبة من سعيد بوتفليقة، بأنها شاركت في اجتماع مع سعيد بوتفليقة والجنرال توفيق في 27 مارس، غداة مطالبة رئيس أركان الجيش علنا باستقالة بوتفليقة. لكنها "رفضت اعتبار ذلك مؤامرة ضد الدولة"، بحسب محاميها. وقال المحامي بوجمعة غشير إن "موكلتي لم تفعل شيئا سوى انها استجابت لدعوة من مستشار الرئيس ضمن منصبها كرئيسة حزب. هذه ليست جريمة". ويأمل المحامون في أن تتغير "المعطيات" بوفاة قايد صالح، وأوضح قسنطيني: "توفي من كان في نظرنا وراء المتابعة القضائية"، داعيا إلى "الرجوع إلى حقيقة الملف ونصوص القانون للتأكد من أن الاتهامات لا أساس لها". ..وقفة تضامنية مع حنون قرب المحكمة العسكرية ونظم مناضلون في حزب العمال ونشطاء سياسيون وقفة تضامنية في مدينة البليدة، على مقربة من المحكمة العسكرية، للمطالبة بإطلاق سراح الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون. وشارك في الوقفة قيادات في أحزاب البديل الديمقراطي ورابطة حقوق الإنسان، ورفعوا صورا لحنون ولافتات تطالب بإطلاق صراحها باعتبارها سجينة سياسية.