دخلت القاموس السياسي في العقود الأخيرة مصطلحات جديدة خاصة بإحداث اختراقات في بعض الملفات السياسية الصعبة من خلال خطوات أو أحداث أنهت القطيعة بين طرفين متخاصمين ومهدت السبيل أمام بدء الحوار والتفاوض بينهما. هذا ما حدث في عام 1971 حينما ذاب الجليد بين واشنطنوالصين الماوية على خلفية زيارة أول وفد رياضي أمريكي في لعبة تنس الطاولة إلى بكين، وهي الزيارة التي فتحت الأبواب أمام ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسينغر لزيارة الصين بعد 3 أشهر موفداً من رئيسه ريتشارد نيكسون هذا التطور المفاجئ أطلق عليه دبلوماسية «البينغ بونغ». ثم كرت السبحة فظهر مصطلح «دبلوماسية الحافلات» عام 1999 في إشارة إلى قيام رئيس الوزراء الهندي الأسبق أتال بيهاري فاجباي بمحاولة كسر الجليد بين بلاده وباكستان بتسيير خط منتظم للحافلات عبر أراضي مقاطعة كشمير المتنازع عليها. كما ظهر في عام 2013 مصطلح «دبلوماسية التنس» للإشارة إلى أن تليين واشنطن موقفها من دخول حكم إيراني للمشاركة في دورة «فلاشينغ ميدوز» لكرة المضرب، قفزا على نظام العقوبات الأمريكي ضد طهران ما هو إلا خطوة دبلوماسية هدفها فتح كوة في جدار العلاقات الأمريكية الإيرانية المتأزمة منذ 1979. عدا ما سبق، تكرر مصطلح «دبلوماسية الجنائز» كلما توفي زعيم بلد وشارك في جنازته رؤساء بين دولهم ما صنع الحداد، على أمل أن يُحدث تجمعهم تحت سقف واحد وفي مناسبة حزينة اختراقاً في علاقاتهم الشخصية وبما ينعكس إيجاباً على علاقات دولهم. اليوم، ومع انتشار وباء «كورونا كوفيد 19»، الذي أجل الحديث والانشغال بملفات سياسية واقتصادية ساخنة، يتوقع البعض دخول مصطلح جديد إلى القاموس السياسي هو مصطلح «دبلوماسية كورونا» أو «دبلوماسية الأوبئة»، كناية عن أن الوباء المخيم على العالم بأسرة ربما يساهم في تقريب الأطراف المتنازعة، وبالتالي حلحلة بعض الملفات الجامدة. ومع أنه من المبكر الحديث عن مثل هذا المصطلح، كون الصورة غير واضحة تماماً، إلا أن هناك ثمة أمثلة بسيطة قد تؤيد الزعم السابق. فمثلاً الحرب الليبية التي فشل كبار الوسطاء في التوصل إلى هدنة بشانها نجحت «كورونا» في إيقافها (وإن بصفة مؤقتة) مما أعطى بصيصاً من الأمل للشعب الليبي المنكوب في تهيئة أجواء للحوار بين بنغازي وطرابلس. على أن الأهم من كل هذا هو ما سيصبح عليه شكل العلاقات الدولية والنظام العالمي بعد الانتهاء من «كورونا» وتداعياتها المؤلمة. ذلك أن التاريخ يعلمنا أن ما من حدث عالمي كبير إلا ويتبعه تغيير كبير في نسق العلاقات وأنماطها بين مكونات المجتمع الدولي، دولاً ومنظمات. حدث ذلك بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحدث أيضاً بعد حرب السويس وانهيار الاتحاد السوفييتي وأحداث الحادي عشر من سبتمبر. وما يمر به العالم اليوم يمكن وصفه بالحرب العالمية (رغم أن أحد طرفيها كائن مجهري خفي)، التي ستليها تغييرات كبيرة على مستوى علاقات الدول الكبرى والمتوسطة بعضها ببعض، وارتباطاتها من جهة أخرى بالتكتلات التي تحظى بعضويتها. وأول ما يمكن التنبؤ به هو أن العلاقات الأمريكيةالصينية المأزومة أصلاً على خلفية تنافسهما الاقتصادي والاستراتيجي سوف تزداد تأزماً، خصوصاً وأن البلدين دخلتا حرباً كلامية حول المتسبب في ظهور وانتشار «كورونا» عبر إلقاء كل طرف اللوم على الآخر. كما وأن الوباء كشف عن هشاشة مبدأ التكافل والتعاضد والشراكة بين دول الاتحاد الأوروبي حينما تركت الأخيرة عضواً مؤسساً مثل إيطاليا تصارع الأزمة بمفردها إلى حد لجوئها لطلب المساعدة من الصين. وهذا قد يؤدي إلى تزايد النزعة القومية داخل دول الاتحاد ويهدد وحدة التكتل. من جانب آخر يمكن القول إن الكثير من المبادئ والهياكل التي تعمل وفقها منظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية ستتغير، فمثلاً لن تقدم هذه المنظمات مساعدتها مستقبلاً إلا وفق شروط جديدة على رأسها التزام الدول المتلقية بالشفافية وفتح أبوابها للتقصي والتحقيق، والالتزام الدقيق بقواعد الصحة العامة وأساليب الإنفاق الرشيد، وكبح جماح المستهترين والمتطرفين في عاداتهم بقوة القانون. والحال أن «كورونا» قد يؤدي بنا إلى نظام عالمي جديد، مع تفسيرات جديدة لمصطلحات مثل العولمة، ودور الدولة، والأمن، والحدود، وواجبات الفرد والمجتمع، والشراكة الإستراتيجية، والتعاون الدولي. وقد يتزامن كل هذا مع انغلاق بعض الدول على نفسها وتركيز اهتمامها على شؤونها الداخلية بعد تجربتها المرة مع الوباء. البيان الإماراتية