عينت أول أمس، وزيرة الثقافة مليكة بن دوردة الدكتور والناقد محمد بوكراس، مديرا جديدا للمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، خلفا للأستاذة فوزية عكاك، التي أنهيت مهامها مؤخرا، بمرسوم رئاسي. كشف محمد بوكراس خلال تعينه على رأس المعهد العالي لمهن فنون العرض، أن وزارة الثقافة تعمل من خلال إستراتجيتها على تغيير أوضاع المعهد، خاصة بعد سلسلة من الإضرابات قام بها الطلبة، مشيرا أنه سيعمل وفق هذه الإستراتجية من أجل إعادة المعهد إلى مكانته الحقيقية، كمركز إشعاع بيداغوجي، من خلال مجموعة من الأفكار التي سيحاول تجسيدها، بدايتها تكون بإعادة ترميم مبنى المعهد الذي يتعرض للكثير من الإهتراء ، بالإضافة إلى عمل على مراجعة برامج الدراسة، وتحيينها، لمواكبة تطوراته في مجالي المسرح والسينما، مشيرا إلى ضرورة فتح تخصصات فنية وتقنية جديدة. ويراهن بوكراس على توأمة معهد برج الكيفان مع عدة هيئات مسرحية وسينمائية وإعلامية مثل المركز الجزائري لتطوير السينما، والمركز الوطني للسينما والسمعي البصري، والمسارح الجهوية، والمؤسسة الوطنية للتلفزيون، فضلاً عن إعادة تفعيل الاتفاقية مع المسرح الوطني الجزائري ومؤسسات أخرى. من جهة أخرى، رحب عدد من الفنانين والمخرجين والطلاب وكذا النقاد، بهذا التنصيب، الذي يرونه أمرا إيجابيا لتطوير مجال التكوين في أقدم معهد في الجزائر. .. معهد برج الكيفان مسار ومسيرة نقل معهد الفنون إلى ضاحية برج الكيفان سنة 1965، وجرى استبدال تسمية المدرسة الوطنية للفنون الدرامية بالمعهد الوطني للفنون الدرامية، الذي تخرّجت منه أول دفعة ضمّت: محمد آدار، أحمد بن عيسى، زياني شريف عياد، سعيد بن سالمة، زهير بوزرار، الراحلة صونيا وغيرهم، علما أنّ الانضمام إلى المعهد لم يكن مشروطاً بمستوى دراسي معين، وشهد تركيزاً على ضمّ أبناء الشهداء، وكان ختام التكوين مشفوعاً بشهادة نهاية الدراسة كشهادة تقنية في الوظيف العمومي وليس كشهادة علمية. وفي سنة 1968، وبشكل متسارع جرى تغيير تسمية المعهد الوطني للفنون الدرامية، إلى المعهد الوطني للتنشيط الثقافي والرقص الكوريغرافي، وتمّ استقدام التقني الروسي نيكولاي ساشا، إضافة إلى المصمم البلغاري جورج أبرانشاف ومواطنته لودميلا رانسكوفا، فضلاً عن مرافقين فرنسيين على آلة البيانو، لتكوين منشطين وراقصين جرى إشراكهم في إحياء المهرجان الثقافي الإفريقي الذي احتضنته الجزائر في صيف عام 1969. ..نظام جديد ومحاذير بالجملة اعتباراً من السنة الجامعية 2015-2016، منحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رخصة التدريس بنظام الألمدي لمعهد برج الكيفان، وصار المعهد يقع تحت مسؤولية وزارة التعليم العالي من حيث البرامج البيداغوجية، ووزارة الثقافة من حيث التسيير والمالية، لكن بعد انقضاء خمس سنوات، وتخرّج أولى دفعات النظام الجديد، لا تزال التساؤلات حول نوعية التكوين الحالي وقدرته على إنتاج صنّاع حقيقيين لمهن مسرحية وسينمائية قادرة على التموقع والإبداع، وعلى صعيد جمالي تقني، أسهم خريجو معهد برج الكيفان في ضخ دماء جديدة على مستوى المسارح بفضل اجتهادهم في استحداث طرائق وتقنيات، وسمحت جدية البحث في كسر هيمنة الكلاسيكيات، وتقديم رؤى ركحية جديدة استلهمت مسارح اللامعقول والبيو ميكانيكا والواقعية، على نحو أخرج تقمص الشخوص من الأداء الخارجي إلى الداخلي وبناء روح الدور، بفعل جماليات تصميم الإخراج والسينوغرافيا والمعالجة الدرامية لخريجي وأساتذة المعهد، أمثال: مالك العقون، أحمد خودي، أحمد رزاق، محمد شرشال، فوزي بن براهيم، محمد إسلام عباس، عبد الرحمان زعبوبي، حليم رحموني، حمزة بن جاب الله، عبد الغني شنتوف، مراد بوشهير وقوافل من المبدعين. ما تقدّم، أنتج مسرحيات صنعت الحدث داخل الجزائر وتونس وفرنسا وبلجيكا والأردن مثل: التمرين 2001، الملك أوبو 2003، علماء الطبيعة 2006، الحكواتي 2007، لو كنت فلسطينياً 2009، طرشاقة 2016 وما بقات هدرة 2017 ومونودرام كاليغولا وغيرها. في المقابل، تأثّر معهد برج الكيفان بحزمة نقائص، كعدم تصوير عدد معتبر من العروض والورشات، وعدم طبع مذكرات التخرج، عدا توثيق أعمال الراحل عبد الحليم رايس وبعض المذكرات الأخرى في بلد لا يزال يفتقد إلى مجلات مسرحية متخصصة، وضآلة المساحات المخصصة للمسرح في الوسائط الإعلامية الوطنية، هذه الخطوة انتقدها رواد المعهد واعتبروها سببًا في سلب هوية المعهد، خصوصاً بعد تغييب تخصصات مسرحية حيوية بوزن الإخراج والسينوغرافيا والنقد، وسط حضور السينما. واللافت أنّ معهد برج الكيفان – وبلسان فاعليه – يعاني ومنذ وقت طويل من مشاكل بيداغوجية متراكمة أثرّت على المسار المهني لخريجيه، وهي نقطة لم تعاني منها مدرسة الفنون الجميلة التي يتمتع طلبتها بكافة الحقوق، من اعتراف بالشهادة لدى الوظيف العمومي، ومعادلة الشهادة لدى وزارة التعليم العالي، تماماً مثل المعهد العالي للموسيقى الذي تمكّنت إدارته من تسوية الشهادات ومعادلتها، فضلاً عن الاعتراف بها من قبل الوظيف العمومي. انتهاءً، معهد برج الكيفان الذي قام بتخريج آلاف الكوادر بين 1964 و2018، وهو معطى يراه الفاعلون قليلاً في مجتمع يستوعب 42 مليون نسمة، يبقى دوره محورياً في استنهاض فعل مسرحي تكويني مستمرّ في الزمن يرتفع بوضعية الثقافة والمثقف في مسالك التنمية.