إعداد حسين خلف موسى** مستشار سياسي مصري تقوم الدبلوماسية في عصرنا الحاضر بدور مميز وهام في نطاق العلاقات وتدعيمها، ومعالجة كافة الشؤون التي تهتم مختلف الدول. وعن طريقها يمكن التوفيق بين المصالح المتعارضة ووجهات النظر المتباينة، ويتيسر حل المشكلات وتسوية الخلافات وإشاعة الود والتفاهم بين الدول وبوساطتها تستطيع كل دولة أن توطد مركزها وتعزز نفوذها في مواجهة الدول الأخرى. وأخيرا تستطيع تدعيم السلم وتجنب الحرب. إضافة إلى ذلك يتمثل عمل الدبلوماسية بمراقبة مجريات الأمور والحوادث وبحماية مصالح الدولة وبالمفاوضة في كل ما يهمها. من هنا يمكن تعريف الدبلوماسية بأنها فن تمثيل الحكومة ومصالح البلاد لدى الحكومات وفي البلاد الأجنبية، والعمل على ألا تنتهك حقوق ومصالح وهيبة الوطن في الخارج، وإدارة الشؤون الدولية وتولي و متابعة المفاوضات السياسية. فالدبلوماسية إذاً علم وفن في ذات الوقت كما يقول في ذلك فوديريه “أن الدبلوماسية علم يجب تعلم قواعده، وهي فن يتعين الوقوف على أسراره” .. الدبلوماسية والحرب : الحرب والدبلوماسية صنوان لا يفترقان، فكل حرب يسبقها ويتخللها ويتلوها دبلوماسية، وقد يحقق الجنود نتائج باهرة في ميادين القتال، وتخذلهم الدبلوماسية فلا يرقى مستواها لمستوى الأداء القتالي، وقد تنتصر الدبلوماسية وحدها دون إطلاق رصاصة واحدة، إلا أن الحرب وحدها لا تحقق أهدافها دون دبلوماسية مناسبة، ومثل العمليات الحربية فإن العمل الدبلوماسي يشتمل على دراسة أرض العمليات والعدو ومقارنة القوات والأسلحة (أو مقارنة نقاط القوة والضعف في إمكانيات القوة الشاملة)، وبحث مجال المجهود الرئيسي، وتقدير الموقف وإعداد الخطط والبدائل المختلفة.. الخ. وتاريخ البشرية زاخر بالمواقف التي اختلط فيها العمل الدبلوماسي بالحرب، ولكنني أريد أن أختار هذه المرة لقطة مكثفة للحرب العالمية الأولى في منطقة جغرافية محددة وهى الشرق الأوسط، ربما كنقطة انطلاق لموضوع الحرب والدبلوماسية في القرن العشرين، وخاصة في هذه المنطقة. .. مثال : كانت الحرب العالمية الأولى بداية لمشاكل كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، ورغم المؤلفات العديدة التي تناولت هذه الفترة، فإن مناطق شاسعة منها لا تزال غارقة في الغموض والظلام. لقد دخل العرب هذه الحرب إلى جانب الحلفاء، على أمل أن يتحرروا من الهيمنة التركية، وقدمت الثورة العربية مساعدات ذات قيمة كبيرة ساهمت بشكل فعال في النصر النهائي للحلفاء، ولا شك أن العرب في اختيارهم جانب الحلفاء قد أثبتوا مقدرتهم على قراءة الواقع السياسي بشكل جيد، فقد كانوا بلا شك في الجانب المنتصر، إلا أن الاستفادة من التحرك السياسي والعسكري العربي لم تكن على مستوى القراءة الأولى نفسه، لقد دخل العرب الحرب إلى جانب الحلفاء، وكسب الحلفاء الحرب، وعندما جاء وقت تقسيم غنائم النصر، فوجئ العرب بأنهم قسم من هذه الغنائم! ….وهكذا اكتشف العرب أن أراضى سورياوالعراق مثلًا لم تكن أراضى محررة من الاحتلال التركي، وإنما أراضٍ محتلة بواسطة قوات الغرب، تدار من خلال إدارة عسكرية، وفى الوقت نفسه كان وعد بلفور قد تم التصديق عليه في لندن، وتم تكليف الإدارة العسكرية المذكورة بتنفيذه على الفور، وانفجرت في فلسطين المقاومة الشعبية، إلا أن القوات الإنجليزية تعاملت معها بقسوة، حتى قبل أن يتم تقنين الوضع الإنجليزي بواسطة عصبة الأمم فيما بعد، عندما أعلنت بريطانيا: «قبولها قرار عصبة الأمم بتنفيذ وعد بلفور في فلسطين»…. ثم التقى وزيرا خارجية بريطانياوفرنسا لتخطيط توزيع الغنائم فيما بينهما في الشرق الأوسط، فيما عرف تاريخيّا باتفاقية سايكس/بيكو، كان العمل الدبلوماسي يجرى على قدم وساق لرسم خريطة الشرق الأوسط والحيلولة دون ظهور كتلة سياسية متماسكة في هذه المنطقة، بينما قادة الفكر والسياسة العرب يتفرجون على التحولات الدولية وقد توقفت عقولهم عن متابعة الأحداث والاستعداد لتطوراتها، وكأنما توقف الجهد الدبلوماسي على مجرد اتخاذ قرار دخول الحرب في صف الحلفاء، وانتهى الجهد العسكري بانتهاء الحرب لصالح الحلفاء، وربما ظن القادة آنذاك أن ثمار الحرب سوف تأتيهم على طبق من الفضة، أو كانت ثقتهم أكبر مما ينبغي في أخلاقيات السياسة الدولية، وتصريحات قادة الغرب حول السلام الذي حل أخيرًا على الدنيا ونهاية الحروب وحق تقرير المصير.. الخ. وهكذا تقدمت الحضارة – كما يقولون – كي تمر بعصاها السحرية على الشرق الأوسط، وطوت البشرية صفحة الحرب العالمية الأولى التي كان نصيب العرب فيها التقسيم والاستعمار وزرع الوجود الصهيوني، وتجربة سلاح الجو كوسيلة للسيطرة على الشعوب، تحرر العرب من مستعمر واحد ضعيف كانوا على وشك التخلص منه نهائيّا، بل إن تركيا قبل الحرب العالمية الأولى كانت قد فقدت السيطرة الفعلية فى منطقة الشرق الأوسط، ووقع العرب في براثن الاستعمار الغربي لتبدأ مرحلة جديدة من الكفاح، وقد زادت التحديات أمامهم، بينما ركب الحضارة يسبقهم بمسافات شاسعة. وهكذا قادهم الخطأ في الدبلوماسية إلى خطأ في الحرب، وفى الحالتين لم تكن حساباتهم على مستوى إمكانياتهم، ولم تكن توقعاتهم على مستوى تخطيطهم، لقد دخلوا الحرب مع الحلفاء بدون خطة للسلام، فخسروا الاثنين: الحرب والسلام، ومعهما الاستقلال والكرامة. ..الدبلوماسية بديلة للحرب هي جملة لا تقال على إطلاقها فهي ليست في المطلق صحيحة وليست صحيحة في كلتا الحالات لان الدبلوماسية والحرب يسيرون بطريقة متوازية مثال : قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 هو قرار أصدرته الأممالمتحدة بتاريخ يوم الخميس 17 مارس 2011 كجزء من رد الفعل الدولي على ثورة 17 فبراير الذي يَقتضي فرض عدة عقوبات على حكومة القذافي الليبية تتضمن حظر الطيران فوق ليبيا وتنظيم هجمات مُسلحة ضد قوات القذافي الجوية لمنعها من التحليق في الأجواء الليبية وإعاقة حركتها شاركت عدة دول غربية بتطبيق هذا القرار من أبرزها فرنساوبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية، لكن بالرغم من ذلك فقد أبرزت بعض الدول الأخرى اعتراضًا عليه، من أبرزها روسيا التي اعترض رئيس وزرائها فلاديمير بوتين بحدة شديدة على قرار مجلس الأمن وألمانيا التي أبدى وزير خارجيتها قلقًا إزاءه هو الآخر، إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي انتقد هذا التدخل العسكري ووجه قرار مجلس الأمن رقم 1973 ببعض الشكوك والمَخاوف الأخرى من أطراف مختلفة بشأن الأهداف الخفية من ورائه، ولذا فقد تكررت تصريحات البيت الأبيض ووزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ عدة مرات بأن الهجمات التي يُنظمها القرار لن تهدف إلى احتلال ليبيا أو استعمارها، وإنما ستكتفي بحماية المدنيين وصد قوات القذافي، بينما لن يَتدخل المجتمع الدولي في قضية تغيير النظام الحاكم أو خلع معمر القذافي من الحُكم أدى هذا القرار إلى تفاوض الحرب في ليبيا . .. صميم العلاقة بين الدبلوماسية والحرب عرف توماس هوبز : الحرب بأنها الوحش الوهمي ويقصد بها الدول وركز توماس على نظرية الحرب الشاملة : وبالتالي تكون الدبلوماسية أداة تابعة للحرب وتعد لها حيث تستخدم لتقنين عملية الاستسلام دون قيد أو شرط .. وليس هناك مفاوضات وان كانت تكون تافهة وشكلية لان الهدف هو إجبار الخصم بينما عرفها von clauswis بأنها : عمل من أعمال العنف نسعى من خلاله على إجبار الخصم على شروطنا ويركز هنا على نظرية الحرب المحدودة وهى استخدام مجهود حربي بقدر معين ,,, ثم يتم اللجوء بعدها التفاوض ثم الوصول إلى تسوية … .. نماذج تطبيقية -نموذج رقم 1 على صعيد الشرق الأوسط تابعت الصحف تحليلاتها في صفحات الرأي للخطوات المقبلة التي ستقدم عليها الدول الغربية وإسرائيل اثر نشر التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي أشارت فيه إلى وجود أدلة على أن إيران قامت بأنشطة لتطوير سلاح نووي من خلال برنامجها الذي تؤكد إيران على سلمية أهدافه.في هذا الصدد تقول الاندبندنت في مقالها التحريري إن الدبلوماسية وليس الحرب هي الأسلوب الذي ينبغي إتباعه لمواجهة إيران.لم يقدم تقرير الوكالة كلمة حاسمة بخصوص طبيعة البرنامج النووي الإيراني. الصحيفة تشير إلى أن تقرير الوكالة بدد ما تبقى من شكوك حول سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية. الوكالة الدولية للطاقة الذرية “حريصة على إلا تقول أن طهران تقوم حاليا ببناء سلاح، أو أنها سوف تبدأ في القيام بذلك في المستقبل القريب”.وتضيف الصحيفة “لكنه يقدم دليلا لا يدحض على نماذج الكمبيوتر والعمل على أجهزة تفجير استخدامها الوحيد المتخيل هو تطوير رأس حربي نووي”. وبعد أن تستطرد الصحيفة في أن العقوبات بأنواعها لن تجدي نفعا في علاج الأزمة، بل أن العقوبات الخانقة قد ترتقي إلى فعل من أفعال الحرب، تقول انه لا جدال في الخطر الذي تشكله إيران النووية. وترى الاندبندنت أن إيران النووية ستشكل تهديدا لإسرائيل، وتزيد من قدرة طهران على ابتزاز جيرانها، كما أن من المؤكد أن يفجر ذلك سباق تسلح نووي في المنطقة تقوده المملكة العربية السعودية.إلا انه على الجانب الآخر فان العواقب الناتجة عن قصف المنشآت النووية الإيرانية لا تقل تدميرا عن امتلاك إيران لسلاح نووي وذلك طبقا للدراسات الحربية التي أجريت حسبما توضح الصحيفة……وتخلص الصحيفة إلى أن الحل الوحيد لحل هذه الأزمة هو السبيل الدبلوماسي. وتقول الصحيفة أن إيران يجب أن تقنع نفسها بسبيل من السبل أن مصلحتها تكمن في عدم تطوير أسلحة نووية. وتضيف أن هذا الحل قد برهن على جدواه سابقا في كل من الأرجنتين والبرازيل وجنوب إفريقيا أبان حكم الفصل العنصري .. التفاوض من مركز قوه “نموذج تطبيقي “: أعلن المرشحان الديمقراطيان للرئاسة الأميركية باراك اوباما، وهيلاري كلينتون، عن نيتهما التفاوض مع إيران من دون شروط مسبقة في حال الوصول إلى البيت الأبيض. والسؤال هو: التفاوض على ماذا؟ فهل صراعات منطقة الشرق الأوسط هي نتيجة أزمة في العلاقات الإيرانية الأميركية، وحسب، أم أنها أزمة رغبة في التمدد، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية من قبل إيران، ومنذ أكثر من عشرين عاما؟ هل أزمة واشنطنطهران، نتيجة غياب الحوار الأميركي الإيراني، أم أن من أسبابها سعي إيران لزعزعة استقرار المنطقة؟ إيران تحتل جزرا إماراتية في الخليج العربي، وأعوانها يمزقون بيروت، ويريدون إعادة المحتل السوري لها، تحت الوصاية الإيرانية. وطهران تحتل قلب العراق وأطرافه، وتفعل العجب العجاب هناك، من خلال رجال لها في السلطة. وطهران هي العمود الفقري لقوة حماس المالية، التي شقت الصف الفلسطيني، بل أصبحت إيران تتحدث باسم القضية الفلسطينية، التي كان السيد هاشمي رافسنجاني، إلى وقت قريب، يسعى إلى إدخالها لقاموس ملالي الثورة الإسلامية ليستطيع شحن الرأي العام الإيراني تجاه العداء مع أميركا، وهو الأمر الذي يستغله الإيرانيون اليوم للعب على ورقة الشارع العربي، وتجنيد الانتحاريين والمتعاطفين. وإيران هي التي تتدخل في كل انتخابات العالم العربي، بضخ الأموال الطائلة لفرض واقع مخالف لطبيعة تلك الدول، وأبرز حالة كانت انتخابات مملكة البحرين، ويكفي تصريحات مستشار المرشد الإيراني الأعلى حيال البحرين ودول الخليج. طهران أدمنت زرع أعوانها في العالم العربي تحت كل الذرائع. هل هذا كل شيء؟ بالطبع لا! فإيران تحتضن بعضا من قيادات القاعدة، وتزعزع علاقات باكستان وأفغانستان. وأكثر من هذا وذاك، بل والأخطر، أن إيران تحرك وتدير النزعة الطائفية في العالم العربي، وهو الأمر الذي يمنح صراعات المنطقة الغطاء الديني، بشكل جعل المنطقة كلها تغرق في بحر من الدماء القاتمة. هل انتهت القائمة؟ بالطبع لا! فإيران اليوم تسعى إلى امتلاك السلاح النووي، وهي تتأهب لالتهام العراق كاملا، بمعاونة إحدى أدواتها وهي سورية، مما سيمنح إيران قوة إضافية للسيطرة على المنطقة من خلال أعوانها في العراق وسورية، حيث بيدها نفط فارس، والعراق. فهل هناك أسوأ من كل ذلك؟ والغريب أنه في الوقت الذي تبذل فيه جهود دولية لبناء تحالف دولي ضد سعي إيران لتملك السلاح النووي، يأتي الديمقراطيون للتلويح بالجزرة لطهران، وبالتالي لا بد أن إيران ستقرأ الرسالة على أنها دعوة لها لتعزيز موقعها على الأرض، في المنطقة، حتى وصول الديمقراطيين للحكم، وبالتالي تستطيع إيران أن تفاوض واشنطن من موقع قوة. ما تستحقه إيران هو وقفة حازمة من أجل الحد من تدخلاتها واعتداءاتها على الدول العربية، وعدم زعزعة الاستقرار بالمنطقة، أيا كان الثمن، لا مكافأتها بتفاوض غير مشروط. ..التفاوض مع طهران، والإعلان عنه الآن، ليس إلا رسالة خاطئة للنظام الإيراني، ومؤشرا على إطالة أمد الأزمات في منطقتنا، وبلا شك أنها تنبئ بمستقبل مقلق في حال وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، حاملين معهم هذا العبث السياسي. ..تعليق : وهنا تكون الأداة العسكرية والدبلوماسية أداتان شريكتان عن طريق التفاوض والتساوم والمقابل للوصول إلى حل وسط.