هذا الإتقان والتنظيم الشمولي ليس فقط فيما نراه ونشاهده من نعم وآيات حولنا فوق هذا الكوكب الأرضي، الذي نعيش عليه وكما أشرت إليه سابقاً.. بل إن هذا الإتقان والتنظيم بعيد كل البعد عن الفوضوية والعبث ومنطق التأويل القائم على الخرافات والأساطير، إنه الإتقان المحاط بالقدرة الإلهية على معطيات الحاضر واستشراق المستقبل والمتمثل في العالم الآخر الغيبي، ولذا عندما نتأمل هذه الآية الكريمة من قوله تعالى "قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره كلا لما يقض ما أمره" الآيات من 17 – 23 سورة عبس. تجد هذا الإتقان والتنظيم في المسيرة الإنسانية طوراً بعد طور، ومرحلة بعد مرحلة، ومسيرة بعد مسيرة، نجدها أولاً في مرحلة التكوين والخلق من قوله تعالى من نطفة خلقه فقدره، ثم ثانياً في مرحلة الخروج إلى الحياة والانتقال فيها من مرحلة الطفولة إلى مرحلة التكليف والشباب، وحيث يبدأ الكدح والسعي في سبل الحياة ودروبها ومعايشها وأرزاقها، وكذلك أفعال الإنسان فيها وأعماله من خير وشر وإيمان وكفر من قوله تعالى "ثم السبيل يسره"، ثم المرحلة الثالثة ما قبل الأخيرة وهي الموت الذي هو سبيل الأحياء وقدرهم والقبور مستقر لهذه الأجساد التي يصيبها الموت ويهلكها وتصير بداخلها تراباً من قوله تعالى "ثم أماته فأقبره"، وعبر عنها في آية أخرى من القرآن الكريم بالأجداث وهي أيضاً مستقر لهذه الأجساد البشرية التي يكون مصيرها الموت والخروج من الحياة، ثم تأتي المرحلة الأخيرة والرابعة وهي مرحلة البعث والنشور من قوله تعالى "ثم إذا شاء أنشره"، وهو هنا يوم القيامة واليوم الآخر والذي يقوم الناس فيه جميعاً لرب العالمين، وتوضع فيه الموازين، وتعرض الصحف، وتنشر الكتب، وتوفى الأعمال والأجور، ومقادير الثواب والعقاب، وتعرض الجنات والنيران، وهو الذي أشار إليه سبحانه وتعالى في آية أخرى بقوله "إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ" الآيات 30 – 31 سورة الزمر وقوله تعالى أيضاً "ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ" الآيات 15 – 16 سورة المؤمنون، وقوله أيضاً سبحانه وتعالى "كلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ 0لْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ 0لْقِيَٰمَةِ ۖ " الآية 185 سورة آل عمران. ولطالما كانت هذه المسألة من أشد المسائل التي حيرت الإنسانية عبر القرون والأزمان والدهور في السؤال عن كينونة هذا العالم الآخر (يوم القيامة) يوم البعث والنشور، وهو سؤال كل إنسان ولد فوق هذه الأرض حول ما بعد هذه الحياة، وما بعد هذا الموت ولطالما كان هذا السؤال يؤرق الفكر البشري داخل كينونته الإنسانية وهو سؤال المؤمنين والملحدين والوجوديين والحكماء والفلاسفة والمفكرين، والذين حاولوا بكل ما أوتوا من ذكاء فطري الوصول إلى هذه الحقيقة الكبرى وآفاقها العينية، مع أن هذه الإجابة نجدها واضحة جلية أجابنا عليها سبحانه وتعالى رب العالمين في قصة الرجل الصالح واسمه عزير عندنا نحن المسلمين وعند اليهود يعتبرونه نبياً من أنبياء بني إسرائيل، ويقولون أيضا انه ابن الله حسب زعمهم كما ذكر القرآن الكريم وهو الذي أماته الله مائة عام ثم بعثة قال تعالى "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ" الآية 259 سورة البقرة. الشرق القطرية