أحداث المسجد الأقصى المبارك، واقتحامه من المستوطنين الإسرائيليين في عيد الفطر المبارك، وما أعقبه من انتفاضة شاملة بين الفلسطينيين، ككل، داخل الأراضي المحتلة، والضفة الغربية، وغزة، متعاقبين، بدءًا من القدس، ثم الداخل الإسرائيلي- كانت نتيجة مباشرة، وعملية، لما تمارسه حكومة اليمين الإسرائيلي من اقتلاع قسري مجرم قانونا للمقدسيين العرب في حي "الشيخ جراح" بالقدس الشرقية، في إطار ما تَعود عليه نيتانياهو، زعيم اليمين المتطرف، للحفاظ علي استمرارية حكمه، باستخدام المستوطنين، وسلاح التخويف للإسرائيليين من الفلسطينيين، وكذلك استخدام سلاح معروف لدي اليمين، ولدي الشعبويين منذ قديم الأزل. حيث ذهب رئيس الوزراء المنتهية ولايته إلي أقصي نقطة في المدينة القديمة، وفي عمقها، (القدس الشرقية) لتهويدها، وضمها قسرا وعدوانا، وهي التي تضرب في أعماق التاريخ (أكثر من 60 قرنا)، وإذا كان المسلمون تهفو قلوبهم، وباستمرار، إلي مسجدهم الأقصى، فهو حرم شريف تُشد إليه الرحال، وهو أول قبلة للمسلمين، وما يجب أن تعرفه إسرائيل، ومن خلفها كل القوي الغربية التي أنشأتها، أن أمورها لن تستقيم في الشرق الأوسط دون الاعتراف بحق العرب والمسلمين في القدس الشرقية، وحكمها، والسيادة عليها، متزامنا مع قيام الدولة الفلسطينية المرتقبة، التي ماطل اليمين الإسرائيلي في قيامها منذ الاتفاق عليها معهم، وحكوماتهم، عقب "أوسلو"، واعتراف الفلسطينيين بهم، وبدولتهم، ثم ما أعقبه من مصرع إسحاق رابين، وتصدع السلام "الفلسطيني- الإسرائيلي"، ثم دخلنا في زمن "الانتفاضة" الفلسطينية، التي لم تتوقف من يومها حتى الآن، كما دخلت إسرائيل في الأزمات السياسية المستعصية، التي أوصلت أقصي اليمين (نيتانياهو، ومن هم علي شاكلته)، الذين أصبحوا أمل إسرائيل في الاستمرار بالمنطقة. إن القدس الشرقية لها وضع أكثر من خاص، ودقيق، لا يصلح حوله التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو بين الحكومات عموما، أو العرب المسلمين من جانب، والإسرائيليين والغرب من جانب آخر، لأن القدس لا تخص أفرادا، بل تخص مليارات المسلمين في كل أنحاء العالم، والمنطقة العربية، وبالتالي، فإن إسرائيل يجب أن تسلم بحقوقهم فورا، بل أن تسارع، بإرادتها الحرة، بالخروج منها مباشرة، فلا حياة لها في المنطقة إذا كانت تعرف مصلحتها، وإذا كانت تظن أنها أصبحت قوة حقيقية في المنطقة العربية، وأن هذا الحرم المقدس تحت إمرتها، أو سيادتها، فإن ذلك سيسبب لها أضرارا لا تستطيع أن تتحملها في قادم الأيام، وهناك الكثيرون من العقلاء بين الإسرائيليين واليهود, في كل أنحاء العالم, يعرفون هذه الحقيقة الناصعة, التي لا تحتمل حتى المناقشة إلا بين الذين لا يريدون السلام والتعايش حقا بين الأديان السماوية (الإسلام والمسيحية واليهودية)، و أعتقد أن ما حدث، أخيرا، في القدس الشرقية، كان لعبة للداخل الإسرائيلي، لجأ إليها "اليمين" المأزوم، بل المُهدد بمحاكمة رئيسه، فور خروجه من الحكومة الراهنة، كما انتهزته حركة "حماس" في قطاع غزة لتثبت وجودها في مسار أثبت وجوده سلميا، ولم يكن في حاجة إلي صواريخها العشوائية، والمضطربة، التي أعطت اليمين الإسرائيلي والمتطرفين مبررا لبعض خطواتهم، وعدوانيتهم المُجرمة علي المدنيين، والأطفال، وهدم البيوت علي رءوس أصحابها، في حركة "بربرية" إسرائيلية لا يلجأ إليها إلا الطغاة، والجبابرة، وكشفت بعضا من تهافت المجتمع الدولي، وحكومة بايدن بأمريكا، بتشدقهما بحقوق الإنسان، لكنها عموما أعطت إشارة للعالم بأن حياة الفلسطيني مهمة كإنسان، مثلها مثل حياة الإفريقي في الولاياتالمتحدة تماما، وكشفت "الأبارتيد" الإسرائيلي الجديد، الذي يظهر كطفح علي جلد العالم في الربع الأول من القرن الحادي العشرين، كاشفا ديمقراطيتهم المزيفة، والتمييز العنصري بين العربي واليهودي في إسرائيل. عموما، الأحداث الجارية في فلسطين كشفت عن أهمية القضية الفلسطينية، وأنها نقطة ارتكاز للشرق الأوسط، وأن الفلسطينيين المدنيين لقنوا نيتانياهو واليمين المتطرف درسا لن يُنسي، سيكون له ما بعده، ومنذ أن احتفل نيتانياهو، المنتهية ولايته، مع العسكريين الإسرائيليين، بعد أن فشل في الانتخابات 4 مرات في الحصول علي أغلبية مريحة للحكم منفردا، وقال لهم: أسلم لكم الدولة وقد أصبحت قوة عالمية، وليست إقليمية، بعد أن لقن إيران درسا تفهمه جيدا، ليس بالكلام، كما تعود الإيرانيون، وليس علي حساب العرب، كما يفعل، كذلك، الإيرانيون في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، ولكن بضرب المفاعل النووي "نطنز" (سيبرانيًا)، وضربْ وتصفية سفنهم في الخليج، ومقتل "أبو القنبلة النووية المرتقبة إيرانيا"، في إطار خدماته للولايات المتحدة في تفاوضها مع إيران، من خلال اختراقه القوي الداخل الإيراني، ومعرفته ما يحدث هناك- فإن كلامه (نيتانياهو) قد يكون صحيحا، إلي حد كبير، إذا أضفت إليه أن محيطه العربي اتجه للتطبيع معه، لكن المفاجأة، التي لم يتوقعها نيتانياهو، جاءت من الحق الفلسطيني، ومن قلب القدس الشرقية، والتي كشفت له عن أن الاحتلال له ثمن، ويجب أن يدفع باستحقاقاته، وقد يكون ذلك مخيفا، لأنه أسقط، بالفعل، هيبة الدولة، وألقي بظلاله حول معني "القوة العالمية"، بل إن "القوة الإقليمية" نفسها أصبحت سرابا، لكن ما يهمنا هنا هو أن يتعلم الفلسطينيون أن قوتهم في حقهم ستؤدي إلي انتصارهم، والاعتراف بدولتهم المرتقبة، وأنهم يجب أن يتخلصوا من الانقسام، وأن يتجهوا إلي اختيار جيد وجديد، وانتخابات لممثليهم، وألا يقعوا فريسة للتيارات المتطرفة، مرة أخري، وألا تكون سياستهم رد فعل فقط، وإنما عمل إيجابي، ومستمر، لإقامة الدولة، حيث إن فلسطينيي الداخل الإسرائيلي يقتربون من ثلث الدولة، وقرارهم أصبح مؤثرا في مصير تل أبيب، بل إن الحكومة الجديدة تحتاج إلي دعمهم، واعترافهم.