صدر حديثا عن دار أروقة للدراسات والترجمة والنشر، كتاب جديد بعنوان لطفى الخولي سيجار الماركسية والتمرد 1999-1928 للكاتبة الصحفية زينب عبدالرزّاق نائب رئيس تحرير جريدة الاهرام، وذلك بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال52. وتقول زينب عبد الرزاق: أعتقد أنّ (لطفى الخولى) يستحق إعادة اكتشافه، وبصفة خاصة للجيل الجديد من الشباب الذين لم يُعاصروا الأحداث التى كانت بمثابة (مسرح الواقع) الذى انطلق منه وعبّر عنه ، سواء فى كتاباته السياسية ، أو فى إبداعه الأدبى. فحياة المفكر لطفى الخولى حافلة بمادة درامية، تصلح لعمل إبداعى (سينمائى أو تليفزيونى) سواء فيما يتعلق بقصة الحب الفريدة والنادرة التى جمعتْ بينه وبين السيدة زوجته ليليان أرقش، التى ناصرته ووقفتْ بجانبه فى كل الصعوبات التى واجهته بالاعتقال أوبالتضييق عليه فى عمله الصحفى. وتنشر الكاتبة لأول مرة الرسائل المتبادلة بين لطفي الخولي من معتقل الفيوم إلى زوجته ،رسائل متبادلة شديدة الصدق والواقعية والحب..تحمل كثيرا من المعاني الإنسانية الرائعة، وتكشف جانبا هاما في حياة لطفي الخولي. أما أهم زاوية فى تلك الدراما الإنسانية فهى : العلاقة التى تراوحتْ بين الشد والجذب مع الرئيس عبدالناصر، ثمّ مع الرئيس السادات، علاقة دار فيها الصراع النفسى (غير المنظور) بين طرف أول يُمثل قمة سلطة الحكم، والطرف الثانى يُمثل (ضمير المثقف والأديب) وكان الصراع حول من يكسب جولة الاقتناع برأى الآخر. وفى حياة الخولى، شدّتنى زاوية ثانية هى أنه مُصنف ضمن تيار اليسار المصرى ومع ذلك اعتبره معظم الماركسيين أنّ ماركسيته مشكوكٌ فيها، بسبب قربه من محمد حسنين هيكل ممثل السلطة الناصرية التى تنازلتْ عن مبادىء الاشتراكية العلمية الي شعار الاشتراكية العربية والخولى الذى (ربما) لا يعرفه جيل الشباب هو: عاش فى الفترة من (27أوت 1929- 5 فيفري1999 )وهو المفكر، السياسى، المحامى، الثورجى، الكاتب، المسرحى المتألق، وهو شخصية دولية والمحلية، وصاحب المواقف السياسية، وصديق الرؤساء، والمدافع عن الحرية، والمثقف اليسارى الذى لا يعرف التعصب الفكرى ، والمؤمن بالرأي والرأي الآخر. وهو مؤسس مجلة الطليعة ورئيس تحريرها، والمشرف على صفحة الحوار القومى بمؤسسة الأهرام، وصاحب عمود"الرأى السياسى" بالأهرام، والباحث باستمرار عن الجديد ، سواء فى مجال السياسة أو فى مجال الأدب ، أو فى مجال الثقافة (بشكل عام) وهو محامى العمال، المدافع عنهم بكل إخلاص لدرجة أنّ عمال الاتحاد العام لنقابات عمال الأحذية المصرى، أقاموا حفلة على نفقتهم الخاصة على مسرح الأزبكية احتفالا بخروجه من السجن فى نهاية الخمسينيات من القرن العشرين ، وبعودته للكفاح من أجلهم. ويشهد تاريخه النضالى أنه خاض عشرات المعارك السياسية فى كل العهود، ودخل السجن في الحقبة الملكية وفى عهد الجمهورية بعد يوليو1952 اثنتى عشرة مرة، وتم تحديد إقامته العديد من المرات، فهو لم يُهادن أى حاكم فى موقف يتطلب قولة الحق، ودافع دائمًا عن آرائه ومعتقداته بكل ما لديه من قوة المناضل، صاحب الفكر الاشتراكي.. ولم ينحنِ لأحد، ولم يكن أبدًا مثل الذين يخافون المواجهة. ولم يكتف الخولى بدور الكاتب والمفكر المُدافع عن القضية الفلسطينية ، بل كان له دور فاعل فى النضال من أجلها ، كما ساهم بالكتابة عن تحرير الجزائر واليمن، ومغزى ذلك أنه تفاعل مع حركات التحرر الوطنى، وكان أمينًا للجنة الوطنية لدعم الانتفاضة الفلسطينية، وعضوًا بارزًا فى وفد مصر بمؤتمر (مدريد للسلام). وفي مجال الكتابة تنقل الخولى بين الفكر والصحافة ، وبين الإبداع، فكتب سيناريو فيلم القاهرة 30 المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ القاهرة الجديدة ، إضافة إلى فيلمه الأهم "العصفور"، وكتب مسرحيات القضية، وقهوة المماليك، والأرانب، وكوميديا (رأس المال) التى لم تُكتمل. كما كتب مجموعة قصصية بعنوان المجانين لا يركبون القطار، إلى جانب الكتب السياسية المهمة، مثل كتابه عن الانتفاضة الفلسطينية. وكان الخولى من أشد المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد، وكان من مستشارى الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات وانضمّ إلى الوفد المصرى المشارك فى عملية السلام بعد مناقشات طويلة مع عمرو موسى وياسر عرفات، ثم شارك فى إعلان كوبنهاجن، وهو الموقف الذى أثار الانتقاد له ، وأدخله فى معارك عاصفة، مع خصومه السياسيين. الكتاب يضم شهادة له عن العصر والسياسة ودهاليزها والأدب والفن والسينما والمسرح، والحب والأسرة، وعن أفكاره ورؤاه وتصوراته فى السياسة والأدب والحياة..وعن القضية الفلسطينية ومستقبلها، وعبدالناصر والسادات وقضية مصطفى أمين وهيكل، ومخابرات صلاح نصر.. وكذلك رأيه عن إعلان كوبنهاجن والعاصفة التى أثارها هذا الإعلان ضد لطفى الخولى. تضيف زينب عبد الرزّاق: أعلم أنّ البعض يتفق، والبعض الآخر يختلف مع لطفى الخولى ، فكريًا أو سياسيًا، ولكن الجميع- كما أعتقد – متفقون على أنه لم يتعامل مع أحد بمنطق الصغار ، فقد كان دائمًا كبيرًا وجسورًا فى تصرفاته وكلماته وعلمه. وبعد اعلان كوبنهاجن للسلام في يناير 1997، تعرّض الكاتب الكبير لطفي الخولي لحملة ضارية ضده لانضمامه إلي الوفد المصري المشارك في عملية السلام ، وبإلحاح من صديقه عمرو موسي وزير الخارجية آنذاك، ومشاركته في إعلان كوبنهاجن ، الكتاب يضم كواليس جديدة.. أديب نوبل نجيب محفوظ في رثاء لطفي الخولي في 18 فيفري 1999 في جريدة الأهرام ، قال : إنّ ماتعرض له لطفي الخولي من هجوم ضارٍ بسبب تغيير رأيه ، لا يشابه بأي شكل من الأشكال ما قابلني به ، حيثُ كان مختلفًا معي في الرأي ، ولكنه كان يناقشني في حوارنا بالحجة والبرهان ، بينما من هاجموه لم يستخدموا إلاّ القذف والسباب ، ولكن لطفي الخولي لم يكن يأبه لذلك طالما أنه مقتنع بما يفعل وبما يقول .. لقد كان لطفي الخولي شخصية فذة متعددة العطاء ، فإلي جانب نشاطه السياسي كان له بصمة في الحياة الثقافية بما كتبه في المسرح وفي القصة القصيرة. كانت القضية الفلسطينية كانت (نقطة ضعف لطفي الخولي) وفي أحد الأيام سأل لطفي الخولي فيصل الحسيني عما يقوم به فكان الرد البليغ هو((عندما تذهب لزيارة سجين .. فإنك تذهب لزيارة السجين لا السجان)). وعن الجانب الخفى والمسكوت عنه فى الثقافة والإعلام، أنّ الخولى كتب مسرحية أثارتْ العديد من المناقشات، وكتب عنها الكثيرون من النقاد ، هى (مسرحية القضية) وكانت (حكاية أقفل الشباك ولاّ أفتحه) كتعبير عن حيرة الإنسان فى تعامله مع نظام الحكم ، ومع القضاء ومع التعقيدات البيروقراطية، وجسّدتْ المسرحية حيرة وقلق المواطن الذي لا يعرف أين تبدأ حقوقه وأين تنتهي.. وبالتالي تغلّب عليه الإحساس بأنه مواطن يعيش (علي هامش الحياة) ،الكتاب قراءة في أهم كتاباته السياسية ،وأعماله الإبداعية في القصة القصيرة والمسرح والسينما.