مع تحسن وتيرة التطور التكنولوجي وانخفاض أسعار الطاقة المتجددة، يأمل الكثير من الدول النامية في التحول إلى الطاقة النظيفة، وتتنافس الصينوالولاياتالمتحدة، على وجه الخصوص، على السيطرة على أسواق تلك الدول، لكن لكلا البلدين قراءات وتقديرات بعيدة كل البعد عن الحقيقة، وتعكس تلك التقديرات المغلوطة مدى صعوبة التحول إلى الطاقة المتجددة. ويعتمد تبني الطاقة النظيفة على نطاق واسع في الدول النامية إلى حد كبير على تحديث البنية التحتية لنقل تلك الطاقة، وهو موضوع شائك ومعقد، وقد تم تجاهلها لفترة طويلة، كما تم تجاهل توليد الطاقة المستدامة. وتقود الصين الحراك نحو الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال سلسلة من الشراكات والمشاريع مع اللاعبين الرئيسيين في قطاع الطاقة النظيفة، على سبيل المثال اشترت "شركة تشاينا ثري جورجز كوبريشن" المملوكة للحكومة الصينية مؤخرًا مطور طاقة الرياح والطاقة الشمسية "ألكازار إنرجي بارتنرز" والواقعة في دبي، وتقدر قيمة الصفقة ب500 مليون دولار، وستعطي تلك الصفقة للصين موطئ قدم كبير في قطاع الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط. وتشعر الصين أن هناك قدرًا كبيرًا من الأموال التي يمكن جنيها من تعطش الدول النامية إلى ابتكارات الطاقة النظيفة، فمثلاً، شراكة الصين الأخيرة مع شركة النصر لتصنيع السيارات في مصر لاختبار السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين، حيث تستورد شركة النصر للسيارات الكهربائية سيارات من شركة "دونغفينغ موتور" الصينية لبدء مشروع مشترك سيشهد في ختامه تجميع سيارات الشركة الصينية في مصر. وفي الوقت الراهن يتضمن البرنامج اختبار السيارات بالتعاون مع "أوبر"، ولكن كون مصر هي ثاني أكبر سوق للسيارات في الشرق الأوسط، بعد المملكة العربية السعودية، فمن المفهوم سبب اهتمام شركة "دونغفينغ موتور" الصينية بها. ولكن هناك تحذير وحيد، حيث سيتساءل من يعرف وضع الشارع المصري، كيف سيتم شحن أسطول من السيارات الكهربائية المملوكة لعامة الشعب، سواء تم استيرادها من شركة "دونغفينغ موتور" أو من "أوبر"؟ فهل تعج أحياء القاهرة بمحطات الشحن الكهربائي للسيارة؟ "سؤال تهكمي" من الصعب تخيل ذلك، وهذا غيض من فيض. بدورها تخلت حكومة الولاياتالمتحدة عن دعمها لمشاريع البنية التحتية للطاقة كثيفة الكربون في جميع أنحاء العالم، وفي وقت سابق من هذا العام، قررت إدارة جو بايدن سحب التمويل الأميركي للمشاريع كثيفة الكربون، حيث قال وزير خارجيته أنتوني بلينكن لمؤسسة تمويل التنمية الأميركية إن تقييد المساعدات لمشاريع البنية التحتية للطاقة عالية الكربون سيكون وسيلة قوية لمعالجة أزمة المناخ، وسيساعد في دفع الاستثمار نحو حلول تساعد المناخ. وظاهرياً، يبدو قرار بايدن متزنا ولا يختلف عليه اثنان ولكن عند التأمل في تبعات ذلك القرار نلاحظ بأن التركيز على خلق تكنولوجيا متقدمة سيؤدي إلى إهمال الاستثمار في مجال إمدادات الطاقة.
والتحدي القائم هو التحدي المرتبط بالبنية التحتية لنقل الطاقة النظيفة وتوزيعها، فإذا أخذنا أفريقيا كمثال، فهي تفتقر إلى نظام شبكة قوي وواسع النطاق، فمن الجيد الحديث عن التركيز على توليد الطاقة النظيفة، ولكن ماذا عن كيفية توزيع تلك الطاقة بعد إنتاجها؟ تشير التقارير إلى أن عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى إمدادات الكهرباء في القارة يصل إلى 600 مليون شخص، وهذا يفوق عدد سكان أميركا الشمالية والوسطى معًا. ..الطاقة النظيفة من الرياح ويكشف كل من النهجين الأميركي والصيني عن عجز في فهم ما تحتاجه الأسواق للتحول إلى الطاقة النظيفة، ومن الرائع المشاركة في مشاريع الطاقة النظيفة الكبرى واختبار السيارات الكهربائية في شوارع القاهرة، ولكن لن يُشعل أيّ من تلك المحاولات ثورة الطاقة النظيفة، ما دمنا عاجزين عن نقل تلك الطاقة بين الدول، فكيف ستحصل محطات شحن السيارات الكهربائية على سعتها من الطاقة؟ وبكل صراحة، من دون تفاني في بناء شبكات نقل وتوزيع الطاقة النظيفة، فلن يتم إنجاز أيّ تقدم في مجال توليد الكهرباء النظيفة. والأسوأ من ذلك أن هذا يهدد بتفاقم الانقسام بين العالم المتقدم والنامي، حيث تسارع الحكومات والقطاع الصناعي في العالم الغربي وقارة آسيا، بتوليد الطاقة النظيفة مع فرض استخدام السيارات الكهربائية خلال 20 – 30 عامًا. ومع ذلك، ستستمر أماكن مثل أفريقيا في الاعتماد على محرك الاحتراق الداخلي إلى ما بعد عام 2050، وكون شركات تصنيع السيارات الرائدة في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية تتجه بشكل متزايد نحو تصنيع السيارات الكهربائية، فهذا يعني أن متوسط عمر السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري في أفريقيا سوف يرتفع، ومن المعروف أن السيارات القديمة أكثر تلويثًا للبيئة. ويحتاج العالم النامي، وأفريقيا تحديدا، إلى بنية تحتية أساسية في شكل أنظمة شبكات كهربائية بصورة أفضل مما هو عليه الحال، بالإضافة إلى توليد الطاقة النظيفة وفق تقنيات حديثة، لأن أساس شبكة الطاقة قد تعرض للتلف في العديد من البلدان، ممّا يعني أن مشاريع الطاقة المتجددة لن تعمل على نطاق واسع. فإذا كانت جنوب أفريقيا، وهي الدولة الصناعية الأولى في القارة السمراء، تكافح مع أساسيات البنية التحتية للطاقة، فتخيّل الوضع في دول مثل تشاد أو مالي، وعليه، إذا كانت الولاياتالمتحدةوالصين جادتين بشأن الطاقة المتجددة، سواء للتعامل مع التغير المناخي أو لأغراض تجارية، فعليهما البدء ببناء أساسيات البنية التحتية للكهرباء. وعقارب الساعة مستمرة في دورانها مع تزايد أعداد السكان في دول العالم الثالث المتوقع خلال العقود المقبلة وتزايد أخطار الكوارث المرتبطة بالمناخ، وسيؤدي الفشل في تلبية احتياجات الجنوب العالمي بالكامل إلى تبخر أيّ مكاسب تم تحقيقها في الشمال المتقدم، ويجب أن ترى الاقتصادات الرائدة في العالم أن مصلحتها لا تتعارض مع مصالح الدول الفقيرة. العرب اللندنية