كشفت العديد من المؤسسات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة والفنون عن برنامجها المسطر للاحتفال برأس السنة الأمازيغية "يناير" 2972، والذي تم ترسيمه عيدا وطنيا في 12 يناير من كل عام، وحسب الهيئات المنظمة فان البرنامج المسطر يعكس الصورة الحقيقة للتاريخ الأمازيغي وتراثه وما يحمل للحفاظ على الهوية الوطنية الجزائرية. وفي هذا الإطار برمجت المحافظة السامية للأمازيغية لإحياء رأس السنة الأمازيغية والتي ستنطلق احتفالاتها الرسمية هذه السنة من 09 الى 12 جانفي بولاية تمنراست تحت شعار "هوية ولقاء" برنامج ثري ضمنها تنظيم ملتقى اكاديمي، محاضرات حول عديد المواضيع، فضلا عن ورشات تكوينية ضمنها ورشة حول تقنيات التصوير الفوتوغرافي تخصص لشباب منطقة تمنراست، كما سيتم تنظيم ورشة تكوينية لأساتذة تدريس الأمازيغية حول ترقية اللغة الامازيغية واستعمالاتها في البحوث الخاصة بالتكنولوجيا والرقمنة، تخصص لثلاثين معلما للغة الامازيغية من ولاية تمنراست وعين قزام وعين صالح، فضلا على نشاطات سينمائية ليختتم الاحتفال يوم 12 جانفي بتسليم جائرة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الامازيغية في طبعتها الثانية. وفي تصريح صحفي، أكد الامين العام للمحافظة السامية للأمازيغية أن الهدف من الاحتفال بيناير يتمثل في ترسيخ الروح الوطنية وتعزيز تماسك الشعب الجزائري، كما يعد فرصة لتعزيز روح الفخر بحضارتنا الامازيغية، و كذا التضامن والاخوة التي تميز الشعب الجزائري، وعن اختيار ولاية تمنراست عاصمة الأهقار لاحتضان الاحتفالات الرسمية بالمناسبة أكد سي الهاشمي عصاد أن هذا الاختيار جاء من اجل المساهمة كمؤسسة رسمية في تعزيز الجبهة الداخلية والتأكيد على التماسك القوي الموجود بين الشعب وجيشه، مشيرا إلى أن الاحتفالات تستهل بتنظيم استعراض في وسط مدينة تمنراست تشارك فيه الاوركسترا الاستعراضية للحرس الجمهوري وفرقة للحماية المدنية. وبذات المناسبة، كشفت إدارة المسرح الجهوي لقسنطينة محمد الطاهر الفرقاني عن تقديمها لعرض كوريغرافي يوم 12 جانفي الجاري، يجمع فيه الغناء و الموسيقى ويتناول التاريخ و الثقافة الأمازيغية بتنوعها احتفاء برأس السنة الأمازيغية، وأشارت الإدارة أن اللمسات الاخيرة في التحضيرات لاتزال متواصلة إلى يومنا هذا، ويهدف العرض وفق ذات المصدر إلى تسليط الضوء على التراث الثقافي والتاريخي من خلال مختلف طقوس الاحتفال بيناير والتنوع الثقافي عبر مختلف مناطق الوطن، وسينطلق الاحتفال برأس السنة الامازيغية بداية من يوم الاثنين بمسرح قسنطينة وذلك من خلال تنظيم أمسية فنية تنشطها جمعية الهدى لبني ميزاب. علاوة على ذلك، سينظم المسرح الجهوي محمد الطاهر الفرقاني يوم غد وبمناسبة إحياء اليوم العربي للمسرح حفلا تكريميا للفنان حسان بولخروف الذي أبعده المرض عن الخشبة، وخلال هذا الحفل التكريمي سيتم تقديم العرض المسرحي "بيرات كارييب" و هو عبارة عن إنتاج مشترك بين المسرح الجهوي لقسنطينة و التعاونية الثقافية الماسيل قام بإخراجه كريم بودشيش وتقمص أدواره كل من حسان بولخروف وجمال مزواري. من جهته، يقترح المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي بمناسبة الاحتفال براس السنة الأمازيغية حفلا موسيقيا يوم 11 جانفي بمشاركة نخبة من الفنانين على غرار عبد القادر شاعو، سمير العاصمي، طاووس أرحاب، طالب طاهر، فرقة إيضبالن، وذلك بالتعاون مع القناة الثانية للإذاعة الوطنية فيما يحتضن ذات الفضاء في اليوم الموالي 12 جانفي حفلا تكريميا لفناني الأغنية الشاوية عبد الحميد بوزاهر وكمال القالمي بمساهمة الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وجمعية الالفية الثالثة. وفي سياق متصل، برمجت أوبرا الجزائر "بوعلام بسايح" حفلا سيمفونيا بعنوان "سيمفونية أمازيغية" يوم 12 جانفي، حيث ستقدم الأوركسترا السيمفونية لأوبرا الجزائر بقيادة المايسترو لطفي سعيدي رفقة مجموعة من الفنانين، روائع من الموسيقى الجزائرية المستمدة من التراث الموسيقي والغنائي القبائلي، الشاوي، الترقي والميزابي، وذلك في شكل سيمفوني كما يتجدد موعد الجمهور مع تظاهرة سوق الفن بالشراكة مع مركز الياسمين للفنون من 11 إلى 15 جانفي الجاري. أما الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي فمن المقرر أن تنظم وفق ما جاء في بيان لها معرضا فنيا جماعيا للفنون التشكيلية والصناعات التقليدية على مستوى دار عبد اللطيف، بمشاركة فنانين وحرفيين سيعرضون إنتاجاتهم الفنية التي تعكس ثراء وتنوع الموروث المادي واللامادي الجزائري وتبرز البعد الثقافي الوطني وضمنهم نور الدين حموش و مجيد قمرو. في حين انطلق الديوان الوطني للثقافة والإعلام في برنامجه الذي سيتواصل إلى غاية 14 جانفي الجاري وعبر مختلف ملحقاته على المستوى الوطني نشاطات عديدة حيث يحتضن المركب الثقافي عبد الوهاب سليم شنوة بتيبازة، معرضا للكتاب حول التاريخ والاثار وتقاليد الجزائر، ندوة فكرية من تقديم الباحث عبد القادر بوشلاغم إلى جانب معرض للصور خاص بالأطباق التقليدية للفنان حرمون هشام، وعلى مستوى قاعة أحمد باي بقسنطينة فسيكون الاحتفال بيناير من خلال تنظيم استعراض فولكلوري للجمعية الثقافية تيزيري من باتنة، إلى جانب عرض وثائقي "يوبا 02" لمقران ايت سعادة، أما قاعة الاطلس بباب الوادي فسيتم تنظيم معرضا للكتاب والسمعي البصري الامازيغي، إلى جانب عرض "يناير بأنامل أطفالنا" لجمعية شذى الطرب لسيدي بلعباس وكذا ندوة فكرية حول "اللسانيات والتراث الثقافي والتاريخ الامازيغي" فضلا على إلقاءات شعرية أمازيغية، فيما ستقدم بقاعة 8 ماي 1945 خراطة ببجاية، مسرحية "يناير" لجمعية الفنانين الاحرار، و ستحتضن قاعة المغرب بوهران معارض تقليدية مختلفة لجمعيات وكذا معرض للإصدارات الأمازيغية ومداخلات حول أعمال" مولود معمري". ..الاحتفالات ب "يناير" يرتبط اسم "يناير" بالاحتفالات السنوية للسنة الامازيغية الجديدة التي تصادف الثاني عشر جانفي من كل سنة، حيث يحتفل الجزائريون اليوم بمرور 2972 من انتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثاني، فرعون مصر، وتختلف الاحتفالات في الجزائر خصوصا والمغرب العربي عموما، من منطقة إلى أخرى نظرا لاختلاف تقاليد وعادات كل منطقة. يحتفل الامازيغ في مناطق المغرب العربي وفي الجزائر اليوم بحلول السنة الامازيغية الجديدة التي تسبق التقويم الميلادي بحوالي 951 سنة، ويربط الكثيرون هذه المناسبة بإحدى الروايتين، الأولى هي الارتباط الوثيق بالأرض، باعتبار هذه الفترة من السنة بداية السنة الفلاحية، وهي مناسبة فلاحية يحتفل بها في الكثير من النواحي الجزائرية تيمّنا بمجيء سنة فلاحية جيدة خضراء، وليست مقتصرة على المناطق البربرية، حيث يقوم الناس بتناول شربة يناير على لحم قرابين الديوك أو الأرانب. ويدخل هذا اليوم ضمن ما يسمى بأيام العواشير، التي تعتبر قبل كل شيء أياما دينية. أما المعنى الحرفي ليناير فهو "أيور" الشهر، "ين الأول" وبخلاف التقويمين الهجري والميلادي، فإن رأس السنة الأمازيغية، لا يتعلق بأي احتفال ديني أو تعبدي، أما الرّواية الثانية المتداولة أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، مردّه إلى انتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثاني، وتحضر الاحتفالات في الجزائر في مختلف مناطقها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وبمختلف عاداتها وتقاليدها، ففي منطقة بوسعادة والمسيلة والجلفة توضع مأكولة "الشرشم" في المائدة النايلية، فتتغنى النايليات "كل الشرشم لا تحشم قاع الحلة ما فيها شي"، وهي أكلة بالحبوب الجافة ويتخذ النايليون من هذا اليوم، يوما للفرح وللحزن معا وتشارك تقاليد أولاد نايل كل الجنوب الشرقي للجزائر، ويحرص سكان منطقة القبائل في بداية اليوم على ذبح ديك عن الرجال ودجاجة عن النساء ودجاجة وديك عن الحامل ويعتبر واقيا من الحسد والعين، وتقوم النساء بتحضير "سكسو سوكسو" أو "الكسكس باللحم" والخروج إلى الحقول، وفي الغرب الجزائري تتلون القعدات ب "الدقاق" التي تتكون من الفول السوداني والجوز ثم الطبق الرئيسي المتمثل في أكلة "العيش" بالدجاج، أما منطقة الشرق فيتأهبون في كل 12 من جانفي، لاستبدال أثاث منازلهم في الصبيحة، وبعد ذلك صبغ جدران البيت ثم تأتي "الشخشوخة" الأكلة المفضلة عند أهل الشرق. أما منطقة العاصمة، فالاحتفال برأس السنة الأمازيغية يعتبر فرصة لتجمع الأسر حول مائدة واحدة، حيث تحيي العائلات تقاليدها الخاصة بهذه المناسبة بتحضير "الرشتة" و"الكسكسي"، إلى جانب "الدراز"، حيث تشتري العائلات في العاصمة وفي مختلف ولايات الوطن مجموعة معتبرة من المكسرات والحلويات التي يتم رميها على أصغر فرد من العائلة، حيث يوضع الطفل في قصعة ويتم توزيع الحلوى عليه، وهو ما يعتقد أنه يجلب الحظ السعيد ويجعل أيامه حلوة وجميلة. .. البعد التاريخي والاجتماعي من الاحتفالات ب"يناير" هناك بعد تاريخي وثقافي للاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة أو "يناير" التي نجدها في الدراسات التاريخية والخطابات الشعبية، فمناسبة يناير ترمز إلى انتصار الملك البربري "شيشناق" على الفراعنة منذ أكثر من ألفي سنة، ومنذ ذلك الوقت تم تأريخ هذا اليوم الذي يعتبر في الثقافة الشعبية البربرية بداية للسنة الأمازيغية وما اهتم به أكثر هو البعد الاجتماعي والبعد الثقافي والأنثروبولوجي ليناير، ففي البعد الثقافي تدخل هذه المناسبة ضمن الاحتفالات الشعبية أو ما نسميه في الأنثروبولوجيا "نظرية الاحتفال"، حيث نجد العديد من المجتمعات الإنسانية التي تحتفل بالسنة الجديدة بالعديد من النشاطات التي تتمثل أساسا في الأضحية والموسيقى والمراسيم الاحتفالية، فالمجتمعات البربرية عموما تقوم بذبح الأضحية المتمثلة أساسا في الدجاج، أما بالنسبة للموسيقى، ففي بعض المناطق على غرار بني سنوس والمناطق الغربية من الجزائر، وفي المغرب يتم إحياء هذه المناسبة بواسطة مهرجانات تعلن من خلالها عن السنة الجديدة، أما فيما يتعلق بالطقوس والتقاليد فتتمثل في عشاء يناير المتمثل عموما في طبق الكسكس مع اللحم والذي يحضر ليلة قبل المناسبة.