رصد المنطاد الصيني قبل إسقاطه ألغى زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن المقررة إلى الصين. ولا يبدل في الأمر كون المنطاد جزءاً من أسطول صيني للتجسس على كل القارات كما تقول واشنطن، أو مجرد منطاد مدني لدراسة البيئة كما ترد بكين التي اعتبرت أنه خرج عن مساره بقوة الرياح وعبرت عن الاستياء من إسقاطه. العلاقات بين أميركا والصين تمر بحقبة صعبة وخطرة. الأولى وقعت على رغم تحذيرات الخبراء في "فخ ثيوسيدس" وهو خوف قوة عظمى من نظيرة لها صاعدة. والأخيرة وقعت في "فخ كيندلبرغ" وهو تقديرات قوة صاعدة لضعف قوة ناجزة. لكن واشنطن التي وضعت علاقاتها مع بكين في إطار "تنافس وتعاون وخصومة" تجد صعوبة عملية في التوازن بين هذا "الثلاثي". والصين التي يقول رئيسها وزعيم الحزب الشيوعي شي جينبينغ إن "نفوذها وجاذبيتها وقدرتها على تشكيل العالم زادت بشكل كبير" تواجه صعوبة في لعب دورين في وقت واحد، دور القوة العظمى "اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً ودبلوماسياً" ودور قوة مصرة على تصوير نفسها بأنها قوة متواضعة من العالم الثالث. والطرفان يدركان أن اللعبة بينهما ليست ثنائية بوجود روسيا والاتحاد الأوروبي والهند وبقية جيران الصين في آسيا. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قال الخبير السوفياتي في شؤون أميركا جورجي أورباتوف لمسؤول أميركي، "أنتم في ورطة، خسرتم عدواً". فالقوى الكبرى وحتى المتوسطة تحتاج دائماً إلى عدو. واشنطن بحثت عن بديل عن الاتحاد السوفياتي الذي سماه الرئيس رونالد ريغان "إمبراطورية الشر"، فأطلق الرئيس جورج بوش الابن على كوريا الشمالية وإيران والعراق تسمية "محور الشر". غير أن المطلوب أعداء أكبر من "طالبان" و"القاعدة" و"داعش" والإرهاب وهكذا حصلت أميركا على "عدوين" كبيرين، الصينوروسيا، مع إعطاء الأولوية لما سماها مدير الاستخبارات المركزية وليام بيرنز "يقظة الصين" على "انتقامية روسيا". حتى مع الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا وانشغال الغرب الأميركي والأوروبي بتسليح كييف وتمويلها ودعمها بالخبرة والمعلومات، فإن أنظار إدارة الرئيس جو بايدن بقيت مركزة على "خطر" الصين الذي اختصره بلينكن بالقول "إن الصين هي أخطر تهديد طويل الأمد لأن لديها الرغبة في إعادة تشكيل النظام الدولي والقدرة على القيام بذلك". وليس الخلاف على تايوان، وسط الالتزام الأميركي سياسة "صين واحدة" منذ زيارة الرئيس نيكسون للصين ومحادثاته مع الزعيم ماو تسي تونغ في سبعينيات القرن الماضي، سوى عنصر واحد في اللعبة بين صين مصرة على استعادة تايوان إلى البر الصيني سلماً أو حرباً وبين أميركا توحي بأنها مستعدة للدفاع عسكرياً عن الجزيرة. لكن سياستها العملية تدور على أمرين، منع تايوان من إعلان الاستقلال والحؤول دون ذهاب الصين إلى استعادتها بالقوة. التحدي الكبير هو صعوبة أن تمارس واشنطن مع بكين استراتيجية "الاحتواء" التي مارستها حيال الاتحاد السوفياتي وقادت إلى الحرب الباردة ثم انهيار السوفيات. فالحرب الباردة مع الصين معقدة و"الاحتواء" غير ممكن لأن الصين منتظمة عميقاً في الاقتصاد العالمي و"حرب باردة جديدة بين أميركا والصين يمكن أن تقود إلى محرقة"، كما يحذر كيسينجر. أكثر من ذلك، فإن أي سياسة عداء مع الصين تحتاج إلى قوى أخرى أساسية إلى جانب أميركا وهذا ليس في اليد. فالدول الأوروبية لها مصالح تجارية واقتصادية مع الصين وهي حريصة على استمرارها. وجيران الصين بما فيها دول تحميها واشنطن عسكرياً مثل كوريا الجنوبية والفيليبين واليابان، ترفض التخلي عن العلاقات الجيدة مع الصين. فضلاً عن أن بكين تغلغلت في كل القارات عبر مبادرة "الحزام والطريق" برصيد تريليون دولار التي لم تعد أميركا قادرة على مجاراتها. فالصين تسيطر اليوم على موانئ في اليونان وباكستان وحتى إسرائيل وتؤسس مراكز تجارية مهمة في كينيا وسريلانكا ولها نشاطات صناعية في أفريقيا وأميركا اللاتينية. والسؤال هو، أليس الأسلم لأميركا والصين والعالم أن تمارس واشنطن ما سماها جود بلانشيت وريان هاس "لعبة تايوان الطويلة: أفضل حل هو اللاحل"؟ وما هي الخسارة في ما دعا إليه غراهام أليسون "مشاركة الكون مع القوى الكبرى الأخرى والتخلي عن رفض الاعتراف بمناطق النفوذ"؟. فتش عما أخاف أثينا من إسبارطة وعن غطرسة القوة ومصالحها وحماقات الأقوياء. اندبندنت عربية