افتُتح اليوم الأول من المهرجان الثقافي الوطني للثقافة والتراث النايلي، بدار الثقافة ابن رشد، بالجلفة، بالندوة الأولى التي تناول فيها مختصّون مواضيع مختلفة تتعلَق بالشعر الصوفي لشعراء المنطقة، والتنوّع الثقافي والفني والأثرى لدى أولاد نائل، بالإضافة إلى موضوع ضرورة تواجد إعلام تراثي متخصّص. بعد مداخلة الدكتور الأخضر بوخال من جامعة النعامة، الموسومة ب "السهوب والصفاء الروحي أجواء من التأمل في الشعر الصوفي لدى شعراء منطقة الجلفة، تناول الدكتور عبد الحاكم بلحيا، من جامعة سيدي بلعباس موضوع "التنوع الثقافي والفني والأثري لدى أولاد نائل وأثره في تكوين الشخصية"، وأشار في معرض حديثه إلى مظاهر الفضاء النايلي وما يمثله شعراء المنطقة الضاربين في التاريخ، مشيرا إلى قيمة المخيال الشعبي في تكوين الثقافة والتراث والمجتمع الذي يعتبر وعاءً تترسخ فيه كل المكونات والسمات الثقافية بما فيها من رموز تستدعيها الفئة الشعبية حيث يعمل على استمالة الفكر الشعبي إلى عناصر رمزية وغيرها، وأضاف بلحيا أن عملية خلق المجتمعات وتأسيسها تتجسد في وضع دلالي مخيالي وترتبط بعلاقات رمزية تحدد الغايات وتعطي لكيانها معنى، فالمخيال يأخذ بعدا اجتماعياً وجد عليه الأفراد باعتباره قوة تاريخيّة برمج عليها المجتمع، لذلك لا يمكن التحكم فيه كما أنّه يشكل ملكة إنسانية يشترك في بناء دلالتها ورموزها أفراد المجتمع، وأشار المتحدث أن الشعر الإنساني عموما يغلب عليه الغناء، والشعر العربي غنائي ووجداني، يتميز أحيانا بخفة الايقاع حتى يتناسب مع الغناء، بالإضافة إلى الذاتية التي تعتبر عنصرا أساسيا في الشعر الغنائي، وقال بلحيا أن الشعر الغنائي النائلي قد تجاوز المنطقة، على غرار "حيزية" التي خرجت من كونها قصيدة شعرية شعبية لتلامس فضاءات أخرى، كما أنها ترجمت إلى لغات أخرى، حتى أنها تحولت إلى أوبيرات، وكذا دخولها الشعر الفصيح، بالإضافة إلى تجربة الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة الذي كتب القصة ونقل القصيدة القصة من بعدها المحلي. من جانبه أصر الدكتور المسعود بن سالم من جامعة الجلفة من خلال مداخلته "الحاجة إلى إعلام تراثي متخصص تجربة الجلفة أنفوأنموذجا"، على الحاجة إلى الإعلام التراثي المتخصص بتوثيق التراث دون المناسباتية، مضيفا أن التراث هو الأساس والقاعدة لكل مناحي الحياة، في الإنتاج الفني والأدبي (الرواية، القصة، الشعر) وكذلك الجانب التاريخي، وأشار المتحدث، إلى دور الجامعة والإعلام في التوثيق التراثي، مؤكدا على الدور الكبير الذي يلعبه الاعلام في هذا، من خلال سرعة النشر وتنوع وسائطه والقدرة على تغطية شتى المناسبات، فدافع العمل لدى الصحفي يكون يومي ويكتسب من خلاله التجربة وهو بالتالي مثمر من خلال مختلف أنواع فنيات التحرير ووسائل السمعي البصري، مضيفا أنّه من الضروري تواجد قسم متخصص في التراث تتعلق بالتسلية والقصص الشعبية والألغاز، واستعرض بن سالم في حديثه، المسار المهني لموقع الجلفة أنفوالذي بدأ نشاطه في 2006، حيث كان يولي أهمية للتراث وكانت المواضيع تُكتب ضمن القسم الثقافي، لكن في 2020 تم إطلاق المجلة الإلكترونية المتخصصة "خيمة التراث الشعبي لولاية الجلفة" وفيها تسع نوافذ متنوعة بين الأطروحات والتعليم والمخطوطات وعروبة اللهجة، والخرائط القديمة والقبائل والأنساب والشعر والفنون والغناء والزخرفة والألوان، وكذا قسم الطب الشعبي. وأفتتحت الجلسة الثانية الخاصة بالبعد الصوفي للقصيدة الشعبية ودور الغناء النايلي، بمداخلة الدكتور الأخضر حشلافي من جامعة الجلفة بعنوان "الغناء النايلي ودوره في الوعي الاجتماعي خلال ثورة التحرير الجزائرية"، التي تحدّث فيها عن الغناء النائلي ودوره في الوعي خلال ثورة التحرير، وأن القصيدة الشعبية النائلية من القوالب الثقافية ووسيلة للإخراج والتعبير عن العواطف، وغالبا من تكون ملحّنة ومجهول مؤلفها، مضيفا أنّها موروث تناقله الأفراد شفهيا لتحقيق وجودها وجدانيا، وتم ذلك عن طريق الرواية نظرا لمرونتها في إخراج اللحن الفلكلوري واللهجة العامية وسهولة حفظها. وذكر حشلافي أمثلة مختلفة عن مضامين القصيدة الشعبية التي تتمثّل في الإعلام والتبليغ، وتصوير فظاعة الاستعمار والترغيب في الثورة والجهاد وتضحيات الثوار وصمودهم وعدم الاستسلام مهما طال الأمر.. من جهته، ركز الدكتور محمد بن الأقبع من جامعة الجلفة في مداخلته "الأبعاد الصوفية للمدحة النبوية في فضاء التجربة الشعرية الشعبية النائلية -مقتطفات مختارة من المنجز الشعري المعاصر"، في الأبعاد الصوفية للمدحة النبوية، على الحب الإلهي الذي كان تيمة أساسية بالإضافة إلى دعمها بحب النبي الذي لطالما أشادت به وذكرت الشفاء من خلال حبه، شفاء للنفس والروح من كل الأسقام، مشيرا إلى رجاء شفاعة النبي واتخاذ مسار الزهد الذي كان يعيشه في ملبسه ومأكله ومنزله وحتى في معاملته للناس والحيوان، فكانت حياة النبي ببساطتها وتلقائيتها وبما فيها من رحمة تيمةً للقصيدة. يشار أن فعاليات الطبعة الأولى ل "المهرجان الثقافي الوطني للثقافة والتراث النايلي"، الذي جاء تحت شعار "التراث الثقافي النايلي.. التنوع والخصوصية الثقافية"، تتواصل على مدار خمسة ايام، وكان لوزير الثقافة والفنون أن أكد في كلمته خلال الافتتاح، على أهمية تنظيم المهرجان الثقافي الوطني للثقافة والتراث النايلي كونه يمثل التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي الحاضِنَ الأساسي للهوية الوطنية. وتعرف التظاهرة تنظيم العديد من الأنشطة المتنوعة مُمَثلَةً في فلكلور الفنتازية والغناء البدوي النايلي والصناعات التقليدية والأزياء التراثية التي تبرز التنوع الثقافي للمنطقة، إلى جانب تنظيم ورشات وندوات فكرية وأكاديمية تجمع مختلف الفاعلين الثقافيين والأكاديميين