نظمت المكتبة الوطنية بالحامة، أول أمس، بالتعاون مع المؤسسة الجزائرية للإعمار في فلسطين، ندوة بعنوان "القضية الفلسطينية وثقافة المقاومة"، إحياء للذكرى 46 لوفاة الرئيس هواري بومدين، أجمع المشاركون فيها على أهمية الوعي للتصدي للراهن البائس، وإحباط كل المخططات التي لا تستهدف فلسطين وحدها، بل تحاك لتدمير الأمة العربية كلها. أشار الأستاذ حازم نصر الدين، رئيس المؤسسة الجزائرية للإعمار في فلسطين، في كلمته، إلى أن الجزائر قدمت قوافل من الشهداء على مذبح الحرية، مؤكدا أن المقاومة هي فكرة يتبعها العمل والتنفيذ، كما أن المناسبات، حسبه، ماهي إلا محطات للتذكر والعبر، وهي أيضا فرص للاستفادة من مواقف الرجال والدول، ولإحياء قيم التحرر والوقوف في وجه الظلم عند الجيل الصاعد. جهود مؤسسة الإعمار عن مؤسسة الإعمار، قال المتدخل، إنها فكرة تجسدت بفضل جهود الرجال والنساء والشباب، من منطلق دعم الموقف الرسمي للدولة في نصرة القضايا العادلة، وفي طليعتها قضية فلسطين، وفي 25 جانفي 2023، التقت أزيد من 80 منظمة وجمعية واتحاد ونقابة، لتعلن عن نية دعم وإعمار فلسطين، مع تثمين الدور المحوري الذي تلعبه الجزائر في دعم ونصرة القضية الفلسطينية رسميا وشعبيا، إضافة إلى الدعم في مختلف المجالات الفكرية والثقافية والتاريخية والرياضية والإعلامية، والتذكير بدور المجتمع المدني في دعم المواقف السياسية والإنسانية، التي اتخذتها الجزائر اتجاه القضايا العادلة عبر العالم، منها القضية الفلسطينية. ومما ذكر المتحدث أيضا، تثمين إعلان الجزائر حول المصالحة الفلسطينية، برعاية الرئيس عبد المجيد تبون، وكذا تأسيس هيئة للمتابعة والتنسيق، لإنجاح أي عمل للدعم والإعمار، ودعوة جميع الخيرين في الجزائر للانخراط والمساهمة في دعم وإعمار فلسطين، كما أعطى المتحدث حجم الخسائر التي سجلت ميدانيا في غزة، منها مثلا، تدمير 821 مسجد و3 كنائس و161.500 سكن و280 مستشفى ومؤسسة صحية و133 مدرسة، وغيرها من الخسائر، مستعرضا المشاريع المستعجلة، منها دورات المياه المتنقلة بتكلفة 250 ألف دينار، وأسطوانات الأكسجين لمستشفى الرنتيسي للأطفال ومستشفى العيون ب200ألف دينار. الخطاب الإعلامي العربي انخفض سقفه كما ألقى الأستاذ يوسف شنيتي، بالمناسبة، محاضرة بعنوان "المقاومة والخطاب الإعلامي العربي بعد طوفان الأقصى"، قال فيها، إنه لا يمكن تجاوز ثقافة المقاومة حتى بعد مرور 14 شهرا من اندلاع "طوفان الأقصى"، لكنه أشار إلى أن الحديث الإعلامي الآن، عن ما يجري في غزة خف، والسقف لم يعد عاليا، وأصبحت كلمة "7 أكتوبر" تقال بدل "الطوفان". تساءل المتحدث عن "جدوى وجود مقاومة في وسط كل ذلك الدمار، وأمام سقوط العواصم العربية"، مستحضرا الظروف المشابهة التي عرفتها الأمة العربية فيما سبق، لكن الوعي بقي قائما معلقا "نحن نشأنا في سياق غير هذا السياق، كانت فيه القومية العربية مزدهرة والمد الناصري واليساري العربي في أوجه، كانت هذه الفترة مساندة لكل حركات التحرر في مدها الأقصى، كما كان الخطاب الإعلامي العربي ترجمة للخطاب السياسي، وأحيانا متقدما عليه في بعض قضايا الأمة، خاصة مع احتلال فلسطين". توقف المحاضر عند بعض المحطات الكبرى في التاريخ العربي المعاصر، منها حرب 67، التي سماها الإعلام بالنكسة، وقبلها النكبة في سنة 1948، ودور جمال عبد الناصر في حرب الاستنزاف وبناء الجيش المصري، ثم الانتصار في حرب 73، ليؤكد أن ثقافة المقاومة كانت دوما مرتبطة بمعركة الوعي، كما استشهد الأستاذ شنيتي بكتابات الراحل ادوار سعيد، منها "الثقافة والمقاومة" و«الاستشراق" و«الثقافة الإمبريالية"، التي عرى فيها المنظومة الغربية. أضاف المتحدث، أن الارتباك، خاصة على مستوى الإعلام العربي، ظهر بعد اتفاقية "كامب دايفد"، نتيجة الصدمة التي أوقعها الراحل السادات في كل الدوائر العربية والغربية وغيرها، ليحصل بعدها الشرخ وتتبدل المصطلحات، ليتحول الوطن العربي للعالم العربي، ثم إلى الشرق الأوسط، ثم الأقطار العربية، وبعدها لدول مطبعة، وأخرى غير مطبعة، وأخرى في المناطق الوسطى بين بين وهكذا، ليقول إنه ليس من السهل أن تكون مقاوما في هذا الراهن المتردي، الذي ساد فيه الخنوع والعبودية. فصل المتحدث في الكثير من الأحداث، منها سقوط بغداد في 2003، وقبلها حصار بيروت، وصولا إلى الاعتداء على بعض الأراضي السورية حاليا، والتي كانت قد تحررت في حرب 1973، ليبقى الإعلام العربي في كل ذلك، يتبنى السردية الغربية ويحصر الصراع مثلا، بين إسرائيل وحماس، وكذا اعتماد لغة الأرقام التي هي أسوء ما في لغة الإعلام، لأنها تحتمل أكثر من قراءة، كذلك اعتماد مصطلح "غلاف غزة" مثلا، الذي هو مصطلح إسرائيلي. خلص المتحدث، إلى أن الصراع اليوم، ليس ضد فلسطين وحدها، بل المؤامرة تحاك ضد الأمة العربية كلها، داعيا إلى استغلال ما حققه "طوفان الأقصى"، وأثره على الرأي العام الشعبي الغربي. "الموسطاش" ظل وفيا لفلسطين بدوره، تناول الأستاذ محمد ديلمي في محاضرته، موضوع "فلسطين والقضية الفلسطينية"، وكيف أن الراحل هواري بومدين ظل وفيا لها، كونه بقي وفيا أيضا لمبادئ الثورة الجزائرية ومنهجها، مؤكدا أنه كان دوما يستحضر ذكريات الثورة وتضحيات شعبنا، وكان يشعر بالسعادة وهو بين صفوف الشعب، من طلبة وفلاحين. ذكر المحاضر أيضا، أن بومدين كانت له نظرة استشرافية، لذلك كان يقف وقفة رجل في كل قضية وموقف، من ذلك استقباله لياسر عرفات وأبو إياد وأبو جهاد في 1964، قائلا لهم "أطلقوا أول رصاصة وسنكون معكم"، وظل في كل مناسبة يدافع عن فلسطين، من ذلك مؤتمر الرباط في 74، حين تآمر العرب على فلسطين وفرض الوصاية عليها، فارضا منظمة التحرير كممثل وحيد لها، ثم موقفه من الملك حسين، بعد أحداث أيلول الأسود، حين رفض مصافحته، وغيرها الكثير من المواقف، مؤكدا أن شهامة بومدين تعيشها الجزائر اليوم. للإشارة، أقيم على هامش الفعالية، معرض وثائقي ببهور المكتبة الوطنية، ضم الكثير من الصور والكتب والمجلات، بمناسبة الذكرى 46 لرحيل هواري بومدين، تدوم فعالياته حتى 6 جانفي الداخل.