تتأهب مدينة الجسور المعلقة لاحتضانها أكبر عرس ثقافي بعد أن وقع الاختيار عليها من طرف الأليسكو كعاصمة للثقافة العربية عام 2015، فأصبحت موضوع العام والخاص ولا يكاد يخلو من نقاش في أحاديث سكان مدينة الصخر العتيق. يتقاسم عامة المواطنين مع الفنانين ورجال الثقافة والمسؤولين المحليين الشعور بالافتخار لاحتضان مدينتهم التي يفوق عمرها ألف سنة لهذا الحدث الهام غير أن ذلك لا يمنعهم في ذات الوقت من تقاسم "بعض المخاوف". وتحوم مخاوف عموم القسنطينيين على وجه الخصوص حول الورشات الضخمة المنتشرة عبر مدينتهم على غرار أشغال الجسر الذي يعلو وادي الرمال الذي يفترض "استكمال أشغاله في 2014 حسب ما تنص عليه الآجال المتعاقد عليها من أجل إضفاء صورة تليق بمدينة الصخر العتيق". فمنذ الإعلان عن اختيار قسنطينة عاصمة للثقافة الإسلامية من طرف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليسكو) يكتنف القسنطينيون شعورا حقيقيا بالفخر والاعتزاز كيف لا وهي عاصمة نوميديا وقد اتخذها ماسينيسا عاصمة لمملكته وشهدت مولد أب الإصلاح الجزائري الإمام عبد الحميد بن باديس إبان الاحتلال الفرنسي للبلاد. وبالفعل فإن فناني المدينة ورجال الثقافة جد سعداء برؤية سيرتا العتيقة "تنتعش" ثقافيا خلال سنة بأكملها وينتظرون "على أحر من الجمر" هذا الحدث الذي سيضفي على مدينتهم حركية ثقافية. ومن بين هؤلاء الفنانين محمد الطاهر عرباوي رجل ثقافة جد معروف كونه شغل منصب رئيس المجلس الشعبي البلدي بقسنطينة بين 1975 و1984 يرى في جعل قسنطينة عاصمة للثقافة العربية " فرصة للتعريف أكثر بمدينة الجسور المعلقة ولكن أيضا الجزائر عامة (... ) وهو تعزيز لجزء من هويتنا". ولدى تطرقه للحركية الاجتماعية والثقافية التي سيتم بعثها في المنطقة لدعم هذه التظاهرة ألح المتحدث على"المسؤولية الملقاة على عاتق الحركة الجمعوية للإعداد للحدث". ويرى في هذا الصدد أنه يتعين "مواصلة عمليات معالجة البيئة وتعزيزها أكثر بانخراط المواطنين المخلصين في تطبيق التدابير التي تلمع صورة البلاد". وأكد عرباوي في هذا الصدد على ضرورة إحداث "ثورة ذهنية حقيقية" لدى جميع مسؤولي المؤسسات التي تستقبل الجمهور والذين ينبغي عليهم إعطاء "أولوية مطلقة" لقواعد "النظافة والاحترافية" كما أشار إلى ضرورة إيلاء عناية خاصة لإعادة تأهيل اللوحات التي تعين الشوارع والأزقة وهي تعد أيضا حسبه- "جزءا من هوية المدينة وإحدى طرق تعزيز الهندسة المعمارية للمدينة". أما الحاج محمد الطاهر الفرقاني الذاكرة الحية للمالوف القسنطيني فيعتبر أن تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015 هدية "ثمينة" لمدينة سيرتا التي أعاد إنعاشها برنامج رئيس الجمهورية. كما أشار إلى أن هذا الحدث "الكبير" يشكل فرصة ثمينة "للكشف عن ثروات وتراث المدينة في مختلف المجالات الموسيقية والثقافية والفنية". و أضاف المتحدث بأن هذه التظاهرة تقتضي"الحنكة وحسن التصرف" لأن مدينة قسنطينة الجميلة جدا والغنية بتاريخها وبرجالها تمثل في حد ذاتها تراثا ثمينا جدا ينبغي المحافظة عليه وتقييمه حتى يتسنى تقديمه لضيوفها في أحسن صورة" مضيفا قائلا " إذا أطال الله عمري إلى ذلك الوقت سأكون جد مسرور بالمشاركة في هذه التظاهرة". ومن جهته يرى زهير بوزيد محافظ المهرجان الدولي للجاز"ديما جاز" بأن قسنطينة " مدينة عالمية بفضل تاريخها والحضارات التي تعاقبت على أرضها". و بالنسبة له فإن اختيار قسنطينة - المدينة التي يزيد عمرها عن ألفي سنة- عاصمة للثقافة العربية 2015 من شأنه أن "يعزز مكانة المدينة ويجعلها تعيد الاعتبار لمنشآتها الثقافية وهياكل الاستقبال بها (... ) كما يشكل هذا الحدث أيضا فرصة للانفتاح على باقي الثقافات وتثمين تراثها". وقد ذهب بوزيد إلى حد اقتراح إنجاز مدينة للموسيقى وهي المنشأة حسبه- التي ستتألق عبر ولايات شرق البلاد وستساهم من خلال مضاعفة النشاطات الثقافية في "تغطية العجز الكبير المسجل في مجال احتضان الأحداث الثقافية الكبرى". ومن جانبه يرى جمال فوغالي مدير الثقافة لولاية قسنطينة أن هذا الحدث "يشكل انتعاشا حقيقيا لعاصمة الشرق الجزائري على جميع الأصعدة (... ) وسيسمح بتعزيز المنشآت الثقافية بعاصمة الولاية وكذا في جميع بلدياتها". وأضاف المتحدث أن الجزائر " اكتسبت خبرات كبيرة بفضل تنظيمها لتظاهرتي "الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007" و" تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011". وأوضح ذات المسؤول أنه سيتم تسخير ميزانية وبرنامجا خاصين لهذه التظاهرة متوقعا تسطير برنامج للمشاريع التي سيتم إنجازها والمنشآت التي ستتم ترقيتها والمواقع التاريخية والأثرية التي سيتم تسليط الضوء عليها بالاعتماد على اقتراحات المسؤولين المعنيين بالجانب الثقافي". وقال مدير ديوان مؤسسات الشباب الجزائري "محمد علمي" إن "سيرتا" القديمة، وهي العاصمة السابقة لمملكة "نوميديا" و" قسنطينة " حاليًا، تتوفر على كل المزايا لتكون في مستوى الثقة التي وضعت فيها من طرف المنظمة العربية للثقافة والعلوم "أليسكو" خلال أشغال دورتها الواحدة والعشرين المنعقدة مؤخرًا بتونس. كما أوضح " علمي "أن اختيار مدينة " قسنطينة "من طرف" الأليسكو" يشرف الجزائر وبالأخص المدينة التي تعتبر مهد العديد من الحضارات الإنسانية. ويأتي تشريف " قسنطينة "الملقبة بمدينة الجسور المعلقة بهذه التظاهرة بعد ذلك الذي خصت به العاصمة الجزائرية التي اختيرت سنة 2007 كعاصمة للثقافة العربية ومدينة "تلمسان" التي احتضنت تظاهرات عاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2011.