الأمومة شعور جميل تطمح لعيشه معظم النساء، وقد تضطر بعضهن ممّن لم يسعفهن الحظ للسعي كثيرا لإيجاد حلول لمشاكل صحية قد تعيقهن عن الولادة، وإن حدث ووقع الحمل، تدخل النساء عالما من الترقّب والاستعداد لاستقبال قرّة العين وفلذة الكبد، رغم الوهن والضعف والآلام التي تصاحب فترة الحمل، لكن وبمجرّد دخول المرأة شهرها التاسع تتباطأ الأيّام بالنسبة لها، وفي كلّ مرّة تشعر فيها بمغص أو ألم تضنّ أنّ لحظة المخاض حانت، وتسرع متلهفة إلى المستشفى، خصوصا في ولادتها الأولى، لكن قد تصاب الحامل بخيبة الأمل عندما تخبرها الطبيبة أنّ الوقت لم يحن بعد، وقد تحدث مناوشات وصدامات بينهما، وما إن يحن وقتها تشعر بآلام عسيرة قد تفقدها إحساسها وشعورها بمن حولها فتطلب من القابلة مساعدتها وتخليصها من أوجاعها، وتصرخ وتولول وتترجى، لكنّها تتلقى صدّا من قبل القابلة لتعيدها إلى الواقع فهذا كلام وهذا شتم وقد يصل الأمر إلى ضربها. استطلاع : أسماء زبار قد يقول البعض أنّ الذنب ذنب النساء الحوامل فهن من يبالغن في شعورهن بالألم، و البعض الآخر يقول أنّ القابلات يتعاملن بشراسة مع المريضات ولا "يساعفوهن"، وبين هذا وذلك وقفت الحياة العربية على الحياد لمعرفة حقيقة الأمر وهل ما ينقل عن القابلات من كلام صحيح. آلام ولادة .. وسوء معاملة تدفع بالنساء لعدم خوض التجربة مجدّدا توجّهت الحياة العربية إلى مستشفى بلفور بالحرّاش لتقصّي الأوضاع هناك وتقرّبنا من بعض النسوة وسألناهم عن الموضوع، فقالت سمية وهي أم لطفلين" تعرّضت لمعاملة جدّ سيئة من طرف القابلات هنا بمستشفى بلفور خاصة بطفلي الأوّل حيث تفاجأت بتعاملهن السيّئ مع النساء الحوامل، إذ يتكلّمن معهنّ بصوت جدّ مرتفع ويستعملن معهن عبارات غريبة وسيّئة ظننت أنّني في شجار بين النسوة، عبارات غريبة سمعتها مثل "أظلّوا تولدوا" هذه الأخيرة بقيت في مسمعي لما كانت امرأة تصرخ من شدّة الألم، ازداد الألم وازداد معه خوفي من تصرف القابلات، وعندما بدأ ألم ولادتي قالت لي القابلة هل هذا طفلك الأوّل قلت لها نعم قالت بصوت مرتفع "هيا لا تتعبيني تعاوني معي، ولا تصرخي" قلت لها ساعفيني "فأجابتني بسخرية "ما تتفشيش عليا لست في بيتك"، وأضافت المتحدّثة "لكن بطفلي الثاني ذهبت إلى عيادة خاصة وعوملت بطريقة أكثر من جيدة، هذا هو الحال في بلادنا يعاملونك على حسب مالك". من جهتها، قالت السيدة فضيلة أم لأربعة أطفال "وَلدت في مستشفى بلفور وتلقيت معاملة جدّ سيئة من طرف القابلات فمرة بولدي الثاني قامت القابلة بضربي، وقالت لي "لا تصرخي" وأشبعتني سبّا وشتما بطريقة شرسة، لكنّي لم أشتكي بها تفاديا للمشاكل. التقينا بفطيمة فكان لها نفس الرأي في تعامل القابلات معها وقالت " ذهبت لمستشفى باب الوادي للولادة وكنت أتقطع من شدّة الألم وعندما فحصتني القابلة وقالت أنّه لم يحن بعد موعد ولادتي ولحسن الحظ أنّي لم أعد إلى البيت لأنّ آلام المخاض سرعان ما شعرت بها وأنا في الرّواق فسقطت أرضا من شدّة الألم ورغم أنّ القابلة من قالت لي عودي لم يحن الوقت بعد إلا أنّها صرخت علي ولم تساعدني في النهوض، بل ساعدتني عاملة النظافة". أما أمينة أم لطفلة، فقالت بخصوص ولادتها "لما حان موعد ولادتي كنت أذهب إلى مستشفى القبة عدة مرات في الليل وفي كلّ مرّة يفحصونني ويقولون لي لم يحن موعد الولادة بعد عودي إلى بيتك وانتظري، وبلغ الأمر بإحدى القابلات أن قالت لي " واش بيك متفهميش قلنالك مازال"، لكن أحد الأطباء حنّ لحالي وقام بفحصي وقال أنّ حالتي خطيرة ونقلوني إلى مستشفى بلفور بالحراش أين ولدت. اتجهنا إلى مستشفى اسعد حساني ببني مسوس، وإلى مصلحة النساء والتوليد بالتحديد، واخترنا الوقت المسموح فيه بالزيارات لنتمكّن من الحديث بشكل جيّد مع المريضات، دخلنا الرواق وكم تفاجأنا لكثرة المريضات فهناك 5 نساء في غرفة تستوعب 3 نساء بحكم وجود 3 أسرة للمريضات و3 أسرة للمولودين الجدد، وما إن تحلّ وقت الزيارات تكتظ الغرف والضجيج، فحتما لا يمكن لأيّ مريض أن يشفى في ذلك الجوّ، اقتربنا من إحدى المريضات (إيمان.ع) وسألناها عن الموضوع فقالت لنا لأوّل وهلة " لا تذكّروني أرجوكم، فلن أنجب مجدّدا خلاص جوزت كوشمار" على حدّ تعبيرها، بسبب السّوء الذي لاقيته في ولادتي الأولى، إذ بقيت حتى الأسبوع الأخير من الشهر التاسع، وعندما أقلقني الأمر، قررت الذهاب لمستشفى يسعد حساني ببني مسوس، تمّ فحصي في المرّة الأولى بطريقة عادية، وقيل لي لم يحن الوقت بعد، وعدت إلى البيت وشهدت أيّاما سوداء في حياتي كان الألم يعصرني، وفي كلّ مرّة أذهب فيها يعيدونني حتى أنهيت شهري التاسع، تفاجأت أمّي بالأمر وقالت أنّ الأمر غير عادي، وعليّ مراجعة الطبيب، وحين عدت قالت لي الطبيبة "قلت لك أنّ الوقت لم يحن بعد، وبعدما أفهمتها أنّ دخلت في الشهر العاشر، قالت لي عليك الذهاب إلى طبيب القلب خاص لإجراء فحص على قلب طفلتك". لكنني استعنت بإحدى قريباتي تعمل في المستشفى وعدت إليها فقالت لي"حبيتي تخلعينا" وبمساعدة قريبتي تمكنت من إجراء الفحص بالمستشفى ذاته، حيث استدعى الأمر لإبقاء تحت العناية للغد وتلقيت حقنا عديدة حتى تمّت الولادة، ولولا الكلمات الطيبة والتحلال لا أعلم ماذا كان سيحدث لي". ..الانصياع للأوامر .. وطيب الكلام يبدّد خشونة المعاملة أمّا (فاطمة.س) أمّ ل 5 أطفال فقالت( لم أواجه أيّة مشكلة مع القابلات في كلّ ولاداتي، فأنا أعلم أنّ الضغط كبير عليهن، لهذا أساعدهن أنا في الولادة وأطبّق كلّ ما يقولونه لي أثناء التوليد، وطبعا فعملهن صعب جدّا وخطير في نفس الوقت ويتطلّب الدقة والحذر وأيّ تنغيص لهن قد يحدث مشكلة ما، وأنا من خلالكم أوصي النساء بالتحمّل والصبر خصوصا في تلك اللحظة، وعليهن عدم إثارة المشاكل لصالحهن). ووافقتها الرأي (سلمى.ب) وهي أمّ لطفلين وقالت" أنا في الحقيقة صبورة لأبعد الدرجات وأخفي الألم لكن في وقت المخاض لم أستطع كتمانه، لكنّي والحمد لله ولّدت من قبل قابلة ذات قلب كبير وحنون، عاملتني بكلّ أدب واحترام وطبعا بادلتها ذلك من خلال الشكر والثناء على عملها، فكما يقول المثل الشعبي اللسان الحلو يرضع من اللبؤة، ومن أراد قضاء حاجة فعليه بالصبر . ..شهد شاهد من أهلها قالت ربيحة وهي قابلة بمستشفى بلفور بالحراش بخصوص سوء معاملة القابلات للنساء الحوامل "عملت طيلة 21 سنة في الميدان ومن خلال تجربتي أؤكّد أنّه صحيح ما يشاع فهناك بعض من القابلات يسئن معاملة الحامل ربّما بسبب عدم خبرتهن الكثيرة أو ضغط أهل الحامل عليهن أو الحامل نفسها خاصة عند ولادتها الأولى وخوفها الشديد يخلق نوع من النرفزة والقلق عند القابلة، أما أن يصل الأمر إلى الضرب فهذا أمر غير مؤكّد تماما لأنّ القابلة تخاف على عملها فكيف تضرب الحامل التي ربما قد تشتكي بها وتفقدها عملها؟". .. عدم الجاهزية النفسية لبعض الحوامل تخلق مشاكل ومشاجرات بينهن وبين القابلات قالت ممثلة القابلات قالوز هادية، في اتصال مع الحياة العربية، أنّ القابلات لهن سمعة سيئة وهذا راجع إلى بعض الأفكار والحكايات الخاطئة التي تسيء إلى هذا العمل الشريف. فالقابلة صحيح أنّها أحيانا تتعامل بطريقة خشنة مع النساء الحوامل لكن يجب أن لا نعمّم هذه الأفكار على جميع القابلات، ويجب أن نبحث عن الأسباب التي تدفع بالقابلة إلى معاملة المرأة الحامل بطريقة خشنة، فمعظم النساء اللاتي يأتين إلى المستشفى للولادة يرافقهن الأهل سواء الأم أو الأخت... وعندما تفحص القابلة المريضة وتجد أنه لم يحن بعد موعد ولادتها تنشب ثورة بين أهل المرأة والقابلة حيث يقولون لها هي تتألم كيف لا تلد الآن هذا من جهة، ومن جهة أخرى معظم النساء الحوامل خاصة في المولود الأول لا يعلمن أنّ الألم قبل الولادة وأثناءها كبير وكبير جدّا، يجب عليهن تحمل هذا لأنّه أمر عادي ومؤقت، فعدم جاهزية الكثير من النساء الحوامل للولادة تخلق مشاكل ومشاجرات بينهن وبين القابلات. وأضافت المتحدثة إلى أنّ الضغط الكبير وكثرة الولادات تخلق للقابلات نوع من النرفزة تصبح كعادة بفعل العمل وضغوطه، فالقابلة عندما تعامل الحامل بخشونة لا تقصد في ذلك السوء لكن بفعل التكرار وساعات العمل الطويلة تصبح الخشونة أمر عادي عندها. وأضافت ممثلة القابلات هناك الكثير من النساء ممّن تسمح لهن الإمكانيات بذلك، من يفضلن الولادة في العيادات الخاصة تفاديا للمعاملة السيّئة من طرف القابلات، فبحكم قلّة عدد النساء الحوامل يساعد القابلات في العمل أوّلا وثانيا الحامل تدفع مبلغا كبيرا للعيادة فيجب معاملتها جيدا وإلا فلن تعود للولادة فيها مجدّدا أو تنقل صورة سيئة عن العيادة. كما أضافت المتحدثة أنّه يجب على النساء الحوامل تثقيف أنفسهن قبل حلول موعد الولادة وأنّ يعلمن أنّ الألم أمر طبيعي جدّا، كما نوصي القابلات بتحسين التعامل مع النساء الحوامل لأنّ شدّة الألم وعدم الخبرة أمران أساسيان في هذه المشاكل. رئيسة الاتحاد الوطني للقابلات عقيلة كروش: هناك قابلات يسئن معاملة النساء الحوامل وهن متابعات قضائيا وقالت رئيسة الاتحاد الوطني للقابلات عقيلة كروش في حديثها للحياة العربية، أنّ القابلة مهنة لا يمكن الاستغناء عنها أبدا في مجال الصحة بالنسبة للمرأة الحامل، فهي من تقوم بالمتابعة الصحية لها طيلة فترة الحمل والولادة، وأكّدت أنّ معظم النساء الحوامل يفضلن أن تفحصهن القابلة حتى وإن قام الطبيب بفحصهن لكن يفضلن القابلة وهذا ما يدلّ على أهمية هذه الوظيفة في القطاع الصحي، أما عن ارتباط هذه المهنة بفكرة سوء المعاملة والضرب فقالت رئيسة الاتحاد الوطني للقابلات أنه خاطئ ولكن هناك بعض من القابلات من يسئن معاملة النساء الحوامل وهن في المتابعة القضائية، ولا يجب أن نعمّم هذا على جميع القابلات وأيّ خطأ يحدث نقوم باتهام القابلات. وأضافت المتحدّثة "القابلة مهنة نحتاج إليها في القطاع الصحي وسبق أن قلنا هناك نقص كبير في هذا القطاع حيث باتت الطالبات لا يحبذن هذا الاختصاص تفاديا للمشاكل أو المتابعات القضائية، وهذا راجع إلى تلك الشائعات الخاطئة في معظمها عن القابلات وما يفعلنه مع النساء الحوامل.