الوالدان..وما أدراك ما الوالدان، هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان. فللّه سبحانه نعمة الخلق والإيجاد..ومن بعد ذلك للوالدين نعمة التربية والإيلاد.. لهذا قرن الله طاعتهما بطاعته وشكرهما بشكره، لكن هيهات هيهات، فليس كلّ ابن بار بوالدين وليست كلّ بنت بارة بوالديها، ومن أنوع عقوق الوالدين، الخجل بهما، والخجل من مرافقتهما أوالقول بأنّ هذا أبي وهذه أمّي، الأسباب متعدّدة والنتيجة واحدة. أسماء زبار عقوق الوالدين ظاهرة شائعة في كلّ المجتمعات، وقد انتشرت وتعددت أشكالها وألوانها لتدلّ على انحراف خطير في المجتمعات عن شريعة الله تعالى التي جعلت رضا الله في رضا الوالدين وسخطه سبحانه في سخطهما، كما في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: "رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد". والتي جعلت الجنة تحت أقدام الأمهات فلن يدخل الجنة عاقٌ لوالديه، فقد جاء في الحديث الشريف: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث.وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى". .. تستحي من أمّها لأنّها عجوز روت لنا (لطيفة.س) أمّ ل 3 أولاد، قصّتها وقالت" كنت أنا الصغيرة في البيت فأمّي رحمها الله تزوجت وأنجبت 12 ولد وبنت، وعندما كبرت قليلا ودخلت المدرسة كانت أمّي عجوز وأمّية وليست بمظهر لائق، كنت أستحي بها كثيرا وكلّما يطلب منّا إحضار الأمّ، أطلب من إحدى أخواتي أوزوجة أخي الحضور معي، كانت صديقاتي يطلبن مني أن أعرّفهن بأمّي لكنني في كلّ مرّة أرفض ذالك وأتحجج بشيء ما، لكن بعدما توفيّت عرفت قيمتها وأتمنى من كلّ قلبي أن تكون قد ماتت وهي راضية عنّي، ولن أخفيكم أنّني خائفة أن ألقى نفس المعاملة من أولادي". .. حرمها من خاتم ذهب فدعت عليه قال لنا أحد بائعي المجوهرات، "دخل عليا رجل ومعه زوجته، ومعهما عجوز تحمل ابنهما الصغير، أخذ الزوج يضاحك زوجته ويعرض عليها أفخر أنواع المجوهرات يشتري ما تشتهي، فلمّا راق لها نوع من المجوهرات، دفع الزوج المبلغ، فقلت له: بقي 18 ألف دينار، وكانت الأم الرحيمة التي تحمل طفلهما قد رأت خاتماً فأعجبها، فقال: ولماذا 18 ألف دينار؟ فقلت: لهذه العجوز، لقد أخذت خاتماً، فصرخ بأعلى صوته وقال: العجوز لا تحتاج إلى الذهب، فألقت الأم الخاتم وانطلقت إلى السيارة تبكي من عقوق ولدها، فعاتبته الزوجة قائلة: لماذا أغضبت أمك، فمن يحمل ولدنا بعد اليوم؟ ذهب الرجل إلى أمّه، وعرض عليها الخاتم فقالت: والله لن ألبس الذهب مادمت حيّة، ولك يا والدي مثله، ولك يا ولدي مثله. .. التفكير المادي خلق فجوة كبيرة بين الأبناء وأوليائهم قال المختص النفسي بولقرع مخلوف أنّ خجل الأبناء من مرافقة أوليائهم أو الخروج معهم مرتبط أساسا بالتفكير المادي الذي طغى على الناس خاصة في الآونة الأخيرة، وأكّد المختص أنّ هذا التفكير منتشر عند الفتيات أكثر منهم الأولاد خاصة في مرحلة المراهقة، فالمراهقة تشعر بعدم ثقة أهلها فيها لذا تخجل من مرافقتهم لها خاصة إلى المدرسة أمام الزملاء، وهذا أمر يعتبر طبيعي إلى حدّ ما في هذه الفترة، لكن إذا كانت الفتاة تخجل حتى بعد سن المراهقة فهذا يسمّى بمركّب النقص الذي خلق لديها بشكل كبير من طرف الأمّ لعدم توفر ونقص ثقافة الحوار مع الأبناء خاصة الأم وابنتها، وأضاف المتحدّث أن هذه السلوكات نادرا ما يتصرّف بها الذكور عكس الإناث، فالفتاة تخجل من مظهر أمها أومن ثقافتها أو طريقة كلامها لذا ترفض أن ترافقها أو تكون معها خاصة مع صديقاتها، وهناك سبب آخر هو أنّ البنت لا تريد أن تظهر صورة منزلها وأسرتها في الشارع أمام رفقائها خاصة إذا كانت تكذب أو تفتخر بأسرتها. وأكّد المختص النفسي في اتصال ب - الحياة العربية- أنّ خجل الأبناء من مرافقة أوليائهم يعود بالدّرجة الأولى إلى التفكير المادي وتعامل الناس على أساس المادة فقط (ماذا يعمل أبوه وأمه، هل هم أغنياء...) من الأمور المادية التي طغت على الأمور الروحية وتسبّبت في تغيّر الكثير من القيم الأخلاقية في المجتمع الجزائري مقارنة بالماضي القريب والبعيد. .. خجل الأبناء من مرافقة أوليائهم عقوق وسلوك يتنافى والقيم الإسلامية من جهته قال الإمام أحمد قواسم أنّ خجل الأبناء من مرافقة أوليائهم نوع من العقوق فالله عزّ وجلّ أوصى في كتابه الكريم على حسن معاملة الوالدين وطاعتهم فقال تعالى "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوكِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا"، والإحسان في هاته السلوكات غير موجود تماما وهذا ما يتنافى مع قول الله عزّ وجلّ، فالبرّ بالوالدين واجب وعلى كلّ منا تجاه والديه حبهما والإشفاق عليهما، المسلم التقي يدرك أنّ لأبويه فضلا كبيرا لما تحمّلاه من مشقة في سبيل راحته، وأنّه مهمّ بذل الجهد، فإنّه لا يستطيع ردّ جزء من فضلهما. وإن كان الابن ذا مال واحتاج أبواه إلى بعض هذا المال، وجب عليه بذله لهما، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "يا رسول الله، إن لي مالا ووالدا، وإنّ أبي يريد أن يجتاح (يأخذ) مالي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك". والنصوص كثيرة تدعو إلى الإحسان إلى الوالدين والافتخار بهما والتواضع لهما هذا هو الأصل. وأكّد الإمام في حديث خصّ به الحياة العربية، أنّ هذه السلوكات منتشرة عند فئة الشباب اليوم بسبب طغيان بعض الأفكار على أذهانهم كأن يكون الوالدين معاصرين ومثقفين إلى غير ذلك من الأمور المادية التي أصبحت الأساس في وقتنا الحالي مع الأسف. وأضاف الإمام أنّ الأصل في معاملة الوالدين طاعتهما والإحسان إليهما والسعي لنيل رضاهما خاصة وأنّ الله عز وجل قرن طاعته بطاعة الوالدين، أمّا هذه السلوكيات البعيدة تماما عن ما جاء في الكتاب الكريم والسّنة الشريفة واجب الابتعاد عنها لأنّها تدخل في عقوق الوالدين والعياذ بالله، وأساس الخجل من مرافقة الوالدين هو مظهرهم، أين هو مظهر الأم من تعبها وشقائها لتكبّر أولادها، وأين هو المظهر من شقاء الأب مرابطا في غياهب الغسق ليأتي بلقمة العيش وليكبر أبنائه، ليصبحوا يخجلون من مرافقته أو قول هذا أبي وهذه أمي. هذه السلوكيات تتنافى والقيم الإسلامية الدينية التي تحثّ على طاعة الوالدين والسعي لرضاهما فرضاهما من رضا الله عزّ وجل. المحيط الاجتماعي السّبب الرئيسيّ في خلق هذه السلوكيات أكّدت المختصة الاجتماعية أمال طايبي أنّ سبب هذه السلوكيات هو المحيط الاجتماعي الذي أصبح يولي اهتماما كبيرا للمظهر فالابن الذي يتلقى انتقادات على والديه من طرف أصدقائه يتعقّد، بل مدراء المدارس والمعلّمين يولون اهتماما كبيرا لمظهر الأولياء ويؤثر هذا على معاملتهم للتلاميذ وهذا واقع حقيقي موجود في معظم المدارس خاصة الابتدائي والمتوسط. فالمحيط الاجتماعي هو السّبب الرئيسي في خلق هذه السلوكيات ويصبح الابن والبنت يخجلون بأوليائهم سواء بسبب مظهرهم أو ثقافتهم، وغالبا ما يكونون قد تلقوا ملاحظات أو انتقادات تهكمية تتسبّب في هاته السلوكيات. كما أشارت المختصة الاجتماعية إلى نوع من الخجل في الاتجاه المعاكس والذي نوقش في محاضرات في المركز الثقافي بالجزائر الوسطى حيث تناول هذا النوع من الخجل الذي يؤدّي إلى ارتكاب جرائم عديدة، وهو الخجل من مظهر الوالدين السلبي خاصة الأم التي تلبس لباسا فاضحا، هذا ما يؤدّي إلى رفض أبنائها خاصة الذكور منهم ويخجلون من مرافقتها، وهناك العديد من البنات من تقول أخجل بأمي أمام زوجي وأهله بسبب لباسها وأرفض زيارتها لي لما تسبّبه لي من إحراج. قصّة من الواقع ابن يستحي بأمّه لأنّها تملك عينا واحدة سنحكي لكم عن قصّة حقيقية، عن أمّ لديها عين واحدة وهذه الأخيرة لديها ابن تحبه كثيرا وتنفذ جميع طلباته، وعندما دخل الابن المدرسة، كانت أمّه تذهب للمدرسة لتحضره نهاية كل يوم دراسي خوفا عليه، وفي أحد الأيّام طلب الابن من الأمّ عدم الحضور إلى المدرسة حتى لا يراها أحد من زملائه ويعايره بها، فاستجابت الأمّ لطلب ابنها، ولما كبر الابن وذهب إلى الجامعة لا يحضر معه أحد حتى لا يرى والدته وهي بعين واحدة، تخرّج الابن من الجامعة وبدأ حياته العملية دون أن يرى أحد أمّه، فقرّر الابن الزواج . فطلب منه أهل العروسة أن يحضر أهله، فقال لهم أنّ والده توفي وهو صغير وأنّ من أمّه هي من رعته بعد وفاة والده وهي الآن طريحة الفراش. تزوّج الولد دون حضور والدته رغم توسّلها إليه لتحضر العرس وأنّها كانت تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، فقابلها الابن برفض تام . تزوّج الولد ومرّت شهور على الزواج وحملت زوجته ووضعت له ابن، فزاد إصرار الأمّ على أن ترى حفيدها ولكن كان طلبها يقابل بالرفض، فاستسلمت الأمّ. فلما كبر الابن ودخل المدرسة بداْ يسمع الأطفال وهم يحكون القصص والحكايات التي كانت تحكيها لهم جدتهم. فرجع الابن للبيت وبدأ يساْل والده عن جدته وجده ولماذا لا يوجد له جدّ وجدة كبقية الأولاد .فقال له والده أنّ جدّه توفي وأنّ جدته مريضة لا تقوي على الحراك. فازداد إلحاح الابن أن يري جدته. فحكى له والده بأنّ لها عين واحدة وقال له ألّا يخاف منها فقال له الابن أنّه لا يخاف . فقرّر الوالد أن يأخذ زوجته وولده ويذهبا إليها . فلما ذهب ووقف أمام الباب وطرق الباب، لم يكن هناك أحد، فخرجت إحدى الجارات وسلّمت عليه وقالت له أنّ والدته كانت في كلّ يوم تنتظر قدومه وأنّها قد سلّمت روحها إلى الله ولكن تركت له رسالة. فأخذ الابن الرسالة ولما عاد إلى المنزل بدأ يقرأ، حيث قالت فيها " أنّه عندما كان صغيرا وقع له حادث وفقد إحدى عينيه، فأعطته عينها لكي يواصل بها حياته دون حرمان وأنّها لم تغضب منه وسامحته ورضت عنه .