يحاول الباحث والمفكر الجزائري محمد شوقي الزين أن يكون امتدادا للمنهج المعرفي والفلسفي الذي أسس له مالك بن نبي ومحمد أركون وغيرهما من الباحثين وفلاسفة الفكر الإسلامي المعاصرين، وينخرط الزين ضمن كتابه الأخير "الثقاف في الأزمنة العجاف" في مقاربة فلسفية لسؤال الثقافة عبر قراءة الماضي الفكري للغرب والعرب. بأدواته النقدية يفكك صاحب "تأويلات وتفكيكات" (2002) و"الذات والآخر" (2012) -والحاصل على الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية والفلسفة- الفكر الكلاسيكي والمعاصر، ولا تبتعد مقارباته عن فلسفة ابن عربي المفكر الصوفي الأندلسي الذي أعد رسالة دكتوراه عنه، وهو الذي نهل أيضا من فكر جاك دريدا وتأثر به. سيكون كتابه "الثقاف في الأزمنة العجاف" حاضرا في معرض الكتاب الدولي في الجزائر أكتوبر القادم. عنوانه يشبه العناوين التي كانت سائدة في عصورنا السابقة، وعن إعطائه هذا الاسم قال الزين:" كانت معظم العناوين في تاريخنا الفكري والثقافي هي عناوين سجعية، شعرية، منمقة، وأيضا عناوين طويلة كالتي أستعملها. أدركت منذ سنوات أن العنوان هو نص مصغّر كما النص هو عنوان كبير إذا لجأت إلى الاستعارة الكوسمولوجية العريقة مع نميسيوس وإخوان الصفا". وأوضح أنه فعل ذلك لغاية جمالية ولغرض نظري وفكري، بمعنى ينبغي التمعن جيدا في العنوان لاستقراء مكوناته وماذا تريد هذه المكونات قوله عبر الحروف البارزة والكلمات العريضة. العناوين التي إختارها ينبغي قراءتها كفلسفة قائمة بذاتها. تنحصر المحاور في ثلاثة توجهات رئيسية: أولا، العلاقة بالذات وتخص فلسفة التكوين والتثقيف وثانياً، العلاقة بالأداة وتخص فكرة الشيئية، وقام بالاشتغال على مصطلح كان شائعا عند العرب وهو "الصناعة" بإعادة إحيائه وربطه بالمبحث الذي يهمه وهو الفلسفة والثقافة القائمتان على فكرة الصناعة والإبداع والابتكار ثالثاً، العلاقة بالآخر وتخص تشكيل رؤية حول العالم وتصوّر حول الوجود، وربط الذات بما هو خارج عنها سواء تعلق الأمر بأشياء تقوم بفبركتها (منطق الصناعة) أو بكائنات تتواصل معها (منطق التصوّر). والرابط الأساسي بالعالم هو اللغة التي هي ظاهرة ثقافية في تمثّل العالم وتجسيده في خطاب، وفي التواصل بالأشخاص عبر الحوار والنقاش العمومي. بناء على هذه التوجهات قام شوقي الزين بقراءة أهم النصوص لفلاسفة ومفكرين جعلوا من الثقافة والحضارة مبحثهم المباشر أو مرتبطا بميادين أخرى كالسياسة والاجتماع والفن والدين وأخص بالذكر في الفكر الغربي: جون جاك روسو، ويليام هومبولت، ألبرت شفيتسر، جورج زيمل، إرنست كاسيرر، نيتشه، حنه أرندت وفي الفكر العربي الإسلامي: مالك بن نبي، محمد عزيز الحبابي، قسطنطين زريق، سلامة موسى. وقد حاول قدر الإمكان تنويع المصادر والشخصيات.