تعدّ مهنة النشر ركيزة أي مشروع حضاري، وتوصَف بأنها ذاكرة الصناعات الثقافيّة والمدخل الحضاري لأي تقدم أو رقيّ، ورغم التطور في حركة النشر عربيا، وتنوع وسائله وأدواته، فإنه لا يزال يعاني من مشاكل عامة كبرى، اقتصادية ومهنية وسياسية، تتعدد وتختلف باختلاف البلدان العربية وتفاوت مستوى الثقافة فيها. وتحضر في هذه الصناعة معوقات قديمة جديدة منها مشكلة التوزيع، وعدم تجانس الوسط الثقافي في العالم العربي، إضافة إلى وجود نسبة عالية من الأمية، وكذلك اختلاف قوانين المطبوعات والنشر في البلدان العربية. ثم إن القرصنة والتعدي على حقوق النشر يعدان من المعوقات الكبرى للنشر، وكذلك تكاليف النقل والمعوقات الجمركية، ناهيك عن العوامل الاقتصادية والسياسية. في الجزائر التي تعاني سوء التسويق والتوزيع للكتاب وكذلك ضعف المقروئية يبقى الكتاب آخر انشغال المواطن الجزائري. وفي هذا السياق، شدد المدير العام لدار "فيسيرا" بالجزائر توفيق ومان في سياق تعليقه على واقع النشر في ظل الأوضاع الراهنة على تأثّر النشر بالجوّ العام للبلاد العربية اقتصاديا وإبداعيا. "هناك مبدعو الأدب الاستعجالي، وهناك بعض الناشرين العرب ممن يحاولون استغلال الوضع لنشر أكبر كمية من العناوين والنسخ مستغلين الوضع، ولا يراعي هل الكتاب وما يحتويه يؤثر في الوسط والمجتمع". وفي المقابل يرى الناشر التونسي كارم الشريف أن واقع النشر في تونس أكثر من بائس بسبب جهل الناشرين واتباعهم طرقا تسيء إلى الكتاب والإبداع، وتغليبهم الكلي للجانب التجاري، إضافة إلى الكره اللامحدود من السلطة ممثلة في وزارة الثقافة للكتاب والإبداع وللثقافة الحقيقية ككل. لكنه يؤكد أيضا أن لا خطورة من النشر الإلكتروني على الورقي. أمّا مدير النشر في دار "إبداع" القاهرية فتحي المزين فيرى أن واقع النشر في العالم العربي يختلف من دولة إلى أخرى، لكن الأوضاع السياسية الكئيبة ألقت بظلالها السيئة على واقع الأدب إلى جانب عمليات تزوير الكتب الممنهجة، والتي تساهم في إغلاق دور النشر وخسارتها مبالغ طائلة، وانشغال القارئ العادي بشراء الصحف والتركيز على الأخبار السياسة، وعدم توافر جو عام للقراءة، إلى جانب الأزمة المالية للمكتبات الكبرى ودور النشر وإغلاق العديد من الفروع الخاصة بها.