كانت الفرصة مواتية للالتقاء بأحد أساطير كرة القدم العالمية السبت الماضي في ملعب ‘'أوغست ديلون'' وهذا بمناسبة تكريم رئيس الاتحاد الأوروبي ميشال بلاتيني للسيّد ‘'ريمون كوبا'' ، الأسطورة هو صاحب أكبر عدد من الأهداف في نسخة واحدة من المونديال وهو ‘'جوست فونتان'' صاحب 13 هدفا في دورة السويد 1958، وهو رقم صعب تحطيمه، ففي الدورة المقبلة 2014 في البرازيل سيكون قد مرّ على تسجيل هذا الرقم 56 سنة أي أنه لأكثر من نصف قرن لم يقدر أي لاعب على تحطيم هذا الرقم، وقد استقبلنا هذا النجم بحفاوة الشعب المغربي وخاصة أبناء مراكش (هو من مواليد 18 أوت 1933 بمراكش) والأكثر من هذا أنه يتحدث العربية، وأكد في دردشته معنا أنه تأسف كثيرا على تضييع كل من زيتوني ومخلوفي لمونديال 1958. لا شك أنك لعبت مع بعض اللاعبين الجزائريين. أكيد أنني أعرف بعض اللاعبين الجزائريين الذين سبق لي أن لعبت معهم مثل رشيد مخلوفي لأننا كنا لاعبين دوليين في المنتخب العسكري ومنتخب فرنسا كذلك. هل كنت معه عشية فراره من المنتخب الفرنسي ليلتحق بفريق جبهة التحرير الوطني؟ لا لم أكن معه، ففي تلك الفترة كنت مصابا ولم ألعب حتى مباراة العودة أمام المنتخب البلجيكي، وفي سهرة تلك المواجهة رحل مخلوفي عن المنتخب الفرنسي ليلتحق بفريق جبهة التحرير الوطني. كيف كان رد فعلك حين علمت بفرار بعض اللاعبين من المنتخب الفرنسي للالتحاق بفريق جبهة التحرير، كان أمرا مفزعا أليس كذلك؟ أكيد أنه كان أمرا مفزعا لكن أي شخص يمكن أن يفهم سبب رحيلهم وأظن أنهم ضيعوا فرصة كبيرة مع المنتخب الفرنسي لأن زيتوني كان بإمكانه لعب كأس العالم التي أجريت آنذاك في السويد بما أنه لعب مواجهة بلجيكا قبل ذلك، ومخلوفي أيضا كانت حظوظه كبيرة للعب المونديال إلا أنهما فضلا نداء الوطن قبل كل شيء وكانت لهما مسؤوليات كان يجب عليهما احترامها. هل تفهّم لاعبو المنتخب الفرنسي آنذاك سبب رحيل مخلوفي وزيتوني، وما الذي قيل بينهم بعد ذلك؟ كنت متفهما أكثر من اللاعبين الآخرين لأنني لعبت مع المنتخب المغربي، ليس لأنني قاطعت المنتخب الفرنسي بل لأنني قررت الذهاب للعب في المغرب وخلّف ذلك بعض ردود الفعل السلبية من طرف البعض، لكن قضيتي كانت مغايرة لقضية مخلوفي وزيتوني اللذين كثر الحديث عنهما في تلك الفترة بعد أن تركا المنتخب الفرنسي للالتحاق بفريق جبهة التحرير الوطني. شاهدت العربي بن بارك يلعب، هل يمكن أن تعطي صورة عن طريقة لعبه للذين لم تتح لهم فرصة مشاهدته؟ صحيح، سبق لي أن لعبت المقابلة النهائية لمنافسة كأس فرنسا أمامه كما أنني شاهدته يلعب في العديد من المرات وصدّقوني لو كان التلفزيون يغطي المباريات آنذاك لكان بن بارك نجمه الأول لكل الأوقات، لأنه بكل بساطة كان لاعبا متكاملا كما أنه كان يبدع فوق الميدان وكان يفعل بالكرة ما يشاء ويجيد اللعب بالرأس وسجل كذلك العديد من الأهداف ومن مختلف الوضعيات، لقد كان حقا لاعبا مذهلا للغاية. لاشك أنك تتابع البطولة الفرنسية، من اللاعب الذي يمكنك أن تقارنه ب رشيد مخلوفي؟ اللاعب الذي يشبه كثيرا مخلوفي حسب رأيي هو إيدن هازار الذي كان لاعبا ممتاز هو الآخر، لكن مخلوفي أحسن منه من الجانب التكتيكي فقد كانت له قدرة خارقة على تغيير وتيرة اللعب كما كان يمرر لزملائه كرات دقيقة معاكسة كانت تعجبني، كما كنت أستمتع حين كنت ألعب معه. أتذكر جيدا المواجهة التي لعبتها مع المنتخب العسكري أمام المنتخب البرتغالي التي تبقى من أحسن المواجهات التي لعبتها في حياتي وكنت وراء تسجيل ثلاثة أهداف فيها حمل أحدها إمضاء مخلوفي بمقصية جميلة جدا، وكانت تلك المرة الأولى التي لعبت فيها كصانع ألعاب وليس كرأس حربة وكنت قائد الفريق في تلك المواجهة التي لن تمحى من ذاكرتي. هل أنت على اتصال دائم بزملائك اللاعبين الجزائريين؟ بالطبع، نحن على اتصال دائم وأعلم بأن حالة زيتوني الصحية تدهورت في الآونة الأخيرة، وطلبت منه التحلي بالصبر والمكافحة وتمنيت له الشفاء العاجل، وأتذكر جيدا آخر مرة التقيته فيها وكان يعمل بمطار نيس آنذاك، وفي كل مرة أتذكره أتحسّر على عدم لعبه كأس العالم التي أجريت في السويد آنذاك. هل كانت مكانته أساسية في المنتخب الفرنسي الذي احتل المرتبة الثالثة عالميا آنذاك؟ أكيد، بدليل دخوله أساسيا في المواجهة التي خضناها في بلجيكا، فقد أدرج اسمه في التشكيلة الأساسية التي لعبت المونديال وللذين لا يدركون مدى تأثير هروب اللاعبين الجزائريين من المنتخب الفرنسي يمكن أن نوضح لهم الصورة، إذا قارنا ذلك بفرار اللاعبين الجزائريين الذين يلعبون حاليا في المنتخب الفرنسي، فتخيلوا مثلا نجمين مثل بن زيمة وناصري يرحلان من المنتخب الفرنسي للالتحاق بالمنتخب الجزائري. كيف كانت نظرة الفرنسيين لمنتخب جبهة التحرير الوطني؟ في ذلك الوقت كانت الأمور عكس ما يحدث حاليا، فحاليا اللاعبون من أصول جزائرية هم لاعبون فرنسيون تربوا في فرنسا أما حينها فهم كانوا جزائريين ولعبوا لفرنسا مجبرين، فمثلا الأمور عندنا في المغرب كانت أرحم وأحسن، فالمحمية (الوصاية) أحسن من الاستعمار، صحيح أنه كان هناك زخم إعلامي كبير لأنه لا أحد كان ينتظر ذلك السيناريو. ما هو الدافع الذي وقف وراءك لكي تلعب للمنتخب المغربي؟ لا لشيء إلا لأنني ولدت في مراكش، بدأت مشواري قبل التنقل إلى نيس وبعدها إلى ملعب رامس، حينها القوانين كانت تسمح بتغيير المنتخب وبما أنني مغربي المولد وأقيم في فرنسا كانت لدي القدرة على اللعب للمنتخبين، أما حاليا فمن غير الممكن تغيير المنتخب، وهذا ما قمت به حينها. ألا تحتفظ في قلبك بأصولك المغربية؟ بلى، أحتفظ بذلك الحنين إلى بلدي الأصلي، فأنا نصفي مغربي ونصفي الآخر فرنسي، نص نص مثلما نقول بالعربية (يضحك). هل من كلمة لتهدئة الجماهير الجزائرية والمغربية حيث سيلتقي المنتخبان في تصفيات كأس إفريقيا؟ لا أتمنى أن يتم إلغاؤه أو تأجيله بسبب ما يحدث في العالم العربي، الرياضة يجب أن تبقى رياضة بعيدة عن الأجواء المشحونة سياسيا، يجب أن تكون لعبة لتقريب الشعبين وليس لزيادة الفرقة بينهما. هل من كلمة للجزائريين الذين يحبونك؟ أقولها لهم بالعربية «ما كاين حتى مشكل» (يمزح)، أنا لدي صديق جزائري في مراكش يدعى مولود آيت مصباح كان وكيلا للجمهورية في الجزائر، لا زلنا على اتصال دائم ولما كان يأتي إلى تولوز كان يزورني في المنزل، ابنه كان يعمل بيطريا ولدي علاقة جيّدة معه، ليس لدي أي مشكل مع الجزائريين ولا حتى مع التونسيين، وعندما أكون في المغرب أتخيّل نفسي في بيتي. رقمك القياسي ب 13 هدفا في دورة واحدة من نهائيات كأس العالم هل هو أبدي ولا يُحطم؟ (يضحك) لا أدري، لكن ‘'ماريو زاتيلي'' (لاعب سابق في المنتخب الفرنسي ولد في 21 ديسمبر 1912 في سطيف، توفي في 2004 في سانت ماكسيم، لعب في سنوات الثلاثينات في أولمبيك مرسيليا) لديه قصة جميلة في هذا الجانب. ما هي؟ قال إنه في عام 3000 علماء الآثار في مصر سيعثرون على مومياء جديدة لكنها فريدة من نوعها إنها مومياء حية وتنطق حينها قائلة: ‘'هل ما يزال رقم جاست فونتان حاملا للرقم القياسي العالمي لعدد الأهداف في دورة واحدة؟'' (ينفجر ضاحكا).