الصاحب الصادق الصدوق، عملة نادرة كما تقول العامة، فالوضع الراهن وطبيعة الحياة وعلاقات البشر بين بعضهم البعض القائمة على أسس كثيرة والتي غالبيتها تدور حول المصالح والمنافع الشخصية، وعليها بالتالي تقوم العلاقات والصداقات، كل تلك الأمور تؤكد المعنى.. إن المنافع والمصالح ستنتهي وتزول ولا شك في ذلك، ولن يبقى لأحدنا سوى ما كان من دم ولحم وعصب وعظم، المكونات المعروفة للإنسان.. أي أن الإنسان لا غيره هو من سيبقى لك أيها الإنسان، فانظر إلى ذاك الإنسان الذي تريده معك وقت زوال المصالح والمنافع.. إنها حقيقة يغفلها كثيرون أو يتغافلونها، تجعل من مسألة اختيار الصاحب والصديق لتكون من المسائل العظيمة في حياة كل منا، تستحق التوقف كثيراً عندها والتحدث حولها وفيها، فالأوروبيون عندهم مثل لطيف حول هذا الأمر، حيث يقولون عن الإنسان الذي لا يعرفه الآخرون بأنه مثل حبة فلفل، إذ طالما أنك لم تسحقها بأسنانك فلن تدري كم هي محرقة أو حارة، وكذلك الإنسان الذي لا تعرفه.. إنه مثل الفلفل يحتاج إلى سحق، وبالطبع السحق ها هنا هو الدخول معه في علاقات ومعاملات حياتية متنوعة، فحين تدخل معه في علاقة أو تعامل ما ستتعرف بالضرورة عليه وعلى طبيعته ومن أي نوع وفئة هو، ومهما يحدثك الغير عنه فلن يكون مقنعاً طالما لم تدخل أنت معه في تجارب واختبارات حياتية متنوعة.. أكثر ما يوصي به الحكماء غيرهم وهم في رحلة البحث عن الصاحب الصادق الصدوق هو ألا يتعجل المرء في الحكم وتقييم الآخرين من خلال المظهر، فإننا كثيراً ما نرى بشراً يمتطون ويركبون الخيول، فهل يعني ذلك أن كلهم فرسان؟ بالطبع لا، وهل كل العصافير لها أصوات جميلة؟ لا وبكل تأكيد، لأن أنكر الأصوات تصدر من أجمل العصافير.. المسألة إذن تحتاج إلى التأني والصبر والمصابرة في رحلة البحث عن ذاك الإنسان، الذي سيقف معك حين تزول مصالح ومنافع الحياة.. والأمر يستحق بعض العناء وبعض الجهد.