نشرت : المصدر جريدة الشروق الخميس 05 مايو 2016 11:42 تتواصل الحملة السياسية والإعلامية الفرنسية على الجزائر، لكنها أخذت في الأيام الأخيرة مظهرا آخر تمثل في الهجوم على أحد أكبر المعالم، وهو "جامع الجزائر الأعظم"، بعدما كانت قد نالت من أحد رموز الدولة ممثلة في رئيسها. هذه الحملة دفعت إلى الاعتقاد بأن الكثير من الأمور غير العادية تحدث في الخفاء بين الجزائروباريس، لكن أي من البلدين لم يفصح عن طبيعة هذه الخلافات، بل إنهم يؤكدون على قوة ومتانة هذه العلاقة حتى في أوقاتنا الراهنة. فلمَ تأبى الحملة الفرنسية التوقف؟ ومن يحركها؟ وهل خلفياتها اقتصادية أم سياسية أم دينية أم جميعها معا؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عنها. الفرنسيون يفشلون في الخلاص من عقدة التاريخ هذه هي الملفات التي سمّمت العلاقات الجزائرية الفرنسية عندما يتحول التحامل السياسي والإعلامي الفرنسي على الجزائر إلى "مسلسل كسندرا" الذي لا تنتهي فصوله، فهذا يعني أن شيئا ما يحدث في الخفاء بين الجزائروباريس . الحملة الفرنسية في مرحلتها الأولى، بدأت بمهاجمة الرئيس بوتفليقة عبر "لوموند" انطلاقا من تسريبات "بنما بايبرز". وهو الذي لم يكن اسمه مذكورا فيها، باستثناء ورود اسم أحد وزرائه، وهو وزير الصناعة والمناجم، عبد السلام بوالشوارب، قبل أن يأتي الدور على "لوبوتي جورنال"، الذي انتقم بطريقته الخاصة من قرار منعه من تغطية زيارة الوزير الأول الفرنسي، "مانويل فالس"، الذي رافق بدوره هذه الحملة بتغريدته على حسابه الخاص في "تويتر"، ثم قناة "تي آف 1". المرحلة الثانية من الحملة الفرنسية على الجزائر، ميزها الانتقال من مهاجمة شخص الرئيس إلى مهاجمة مشاريعه. وهنا تم اختيار الهدف بإحكام فكان "جامع الجزائر الأعظم".. الحملة تبدو منظمة وفيها الكثير من الاستفزاز. ففي مطلع الأسبوع الجاري توفد يومية "لوباريزيان" أحد صحفييها إلى الجزائر لإنجاز تحقيق عن مشروع "جامع الجزائر الأعظم"، لكن المسؤولين عن الجريدة لم يحملوا أنفسهم عناء توفير شروط إنجاز هذه المهمة، أولها التواصل مع السلطات الجزائرية من أجل تسهيل المهمة.. وبقدرة قادر يتحصل الصحفي "فريديريك جيرشيل" على تأشيرة دخول التراب الجزائري، ثم ينتقل إلى المحمدية حيث موقع المشروع. وفي موقف استفزازي، يحاول ولوج أبواب المشروع، وهو الذي لا يتوفر على ترخيص.. كان من الطبيعي أن يمنع من الدخول، لكن ذلك القرار لم يمنعه من تحرير مقال فيه الكثير من التجني والتشكيك بحدوث فساد في المشروع.. ثم في منتصف الأسبوع، يصدر مقال آخر لكاتب اسمه "مانويل غوميز" في موقع "بي فولتير" تحت عنوان: "الحلم الفرعوني لبوتفليقة" وتمحور المقال حول "جامع الجزائر الأعظم".. أما المضمون فحمل الكثير من التجني والتشكيك في مبلغ الإنجاز، حيث نقل تصريحات عن وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق، بوعبد الله غلام الله، الذي قال إن مبلغ الإنجاز لا يزيد على مليار أورو، في حين إن الرقم ارتفع إلى ثلاثة ملايير أورو، كما قال صاحب المقال.. ولا يبدو أن الحملة الفرنسية ستتوقف عند الجامع الأعظم، بل ينتظر أن تأخذ أشكالا أخرى في المستقبل القريب، لأن الكثير من المتابعين باتوا يعتقدون أن المسألة أكبر بكثير من مجرد كتابات صحفية، لأن الأدوار تبدو موزعة بإحكام. وبين هذا وذاك، ذهبت أوساط فرنسية، زارت الجزائر مع الوزير الأول مانويل فالس، إلى القول بأن خلفيات التصعيد الفرنسي تجاه الجزائر، إنما سببها مخاوف تنتاب الساسة الفرنسيين من أن تكون عودة وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل، مؤشرا على توجه جديد داخل دواليب صناعة القرار في الجزائر، قوامه التخلي عن الوجهة التقليدية (باريس) نحو وجهة جديدة قد تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهو الأمر الذي يكون قد أفزع الفرنسيين الذين لم يتخلصوا بعد من عقدة "الجزائر فرنسية"، ولا يزالون يعتبرون مستعمرتهم السابقة منطقة نفوذ حيوي لهم. أما متابعون آخرون فيقرأون في الهجوم المركز على جامع الجزائر الأعظم، رسالتين الأولى للرئيس بوتفليقة الذي خذل شركتهم "بويغ" ومنح الصفقة للصينيين، حتى وإن استرضاهم بفسخ الصفقة مع مكتب الدراسات الألماني الذي كان مكلفا بالمرافقة التقنية ومنحها لمكتب دراسات فرنسي. في حين إن الرسالة الثانية لها علاقة وثيقة بالتاريخ وبالصراع الديني بين الجزائر ومستعمرتها السابقة. فباريس أسمت مكان إنجاز جامع الجزائر الأعظم "لافيجري" وهو أكبر أساقفة فرنسا الذين عملوا المستحيل من أجل تنصير الجزائريين، لكن المؤامرة فشلت، وردت عليهم الجزائر بعد الاستقلال بتحويل التسمية من "لافيجري" إلى بلدية المحمدية (نسبة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم)، وهو ما يكون وراء غضب الفرنسيين المتصاعد ضد "الجامع الأعظم"، الذي طمس بموقعه وجمال هندسته معالم كنيسة "السيدة الإفريقية" النائمة على هضبة زغارة غرب العاصمة.
الناشط السياسي والمناضل ضد التطبيع خالد بن اسماعيل: "علاقة الإيليزيه بالمرادية سمن على عسل.. وما يحدث فقاعة إعلامية" يرى خالد بن إسماعيل الناشط السياسي والقيادي السابق في حزب الراحل أحمد بن بلّة، والمناضل المناهض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، أن ما يحدث هذه الأيام بين الجزائروفرنسا، مجرد سحابة صيف عابرة، مؤكدا بأن المصالح الفرنسية في الجزائر كانت ولاتزال صاحبة الحظوة الأولى. تأبى الحملة الإعلامية الفرنسية ضد الجزائر التوقف منذ أسابيع .. لماذا؟ أولا، أنا غير مقتنع بما تطلقون عليه تسمية حملة فرنسية ضد الجزائر وأعتقد أن كل هذه "الهيلولة" من صنع الإعلام والجرائد الفرنسية، تتقدمها صحيفة "لوموند"، التي منعت بقرار جزائري من الحصول على التأشيرة، في زيارة رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الأخيرة لعقد أشغال اللجنة المشتركة بين البلدين، وما يحدث اليوم هو انتقام للقرار الصادر ضدها من طرف السلطات الجزائرية، والدليل على أن العلاقات على أحسن ما يرام بين الجزائروفرنسا، هو أن هذه الأخيرة، لاتزال رغم كل ما يقال، صاحبة حصة الأسد في السوق الجزائرية وصاحبة الامتيازات، وأنا أفضل تسمية ما يحدث منذ أسابيع بين البلدين ب"التوتر الصغير"، وأرفض إطلاق عليه تسمية "أزمة". حتى إن وصفنا ما يحدث بين الجزائروفرنسا بال"توتر صغير"، هل تعتقد أن الهدف من خلق هذا التوتر، مصالح اقتصادية بحتة، مرتبطة بصفقات ومشاريع.. أم أن لها خلفيات أخرى؟ هنا لا يمكننا أن نغمض أعيننا.. ففرنسا تطمح دائما للحصول على أغلبية السوق الجزائرية وتظفر بأكبر الامتيازات في مجال الاستثمارات، وتقييمنا للوضع يؤكد أنها حازت على ذلك، من خلال أجندتها الاقتصادية الضخمة في الجزائر وعدد الشركات المستقرة هنا، وحتى استمرار اعتماد اللغة الفرنسية والتيار الفرونكوفوني منذ 50 سنة، فهو الحارس الأول لمصالحها في السوق الجزائرية، ناهيك عن حيازة مسؤولين جزائريين ووزراء حاليين وسابقين على ممتلكات في فرنسا وعقارات، وكل هذه المؤشرات تنفي فرضية الأزمة، وتثبت أن العلاقات بين الطرفين "سمن على عسل"، وحتى إن تحدثت وسائل الإعلام من باريس، فمرد ذلك إلى أن فرنسا لم تظفر ربما ببعض الاستثمارات التي كانت تطمح إليها في زيارة فالس، أو مجرد فقاعة إعلامية، ليس أكثر. في رأيكم فرنسا حصلت على كل ما تريده من الجزائر في عهد الرئيس بوتفليقة، فلماذا هذا الانقلاب في موقفها من الرئيس؟ أنا أستبعد أن يكون تحرك وسائل الإعلام الفرنسية بإيعاز من السلطات العليا في باريس، فحرية التعبير هناك مكفولة، وتحرك الصحف والجرائد الفرنسية جاء كما سبق وأن قلت، للانتقام من قرار السلطات الجزائرية بمنع جريدة "لوموند" من الحصول على التأشيرة، أو في إطار رغبتها في توسيع حصول بلادها على امتيازات أكبر في السوق الجزائرية، وهذه الخطوة لا تعبر بالضرورة عن موقف "الإليزي" تجاه الرئيس بوتفليقة، فصحفهم لا تتحرك بقرار سياسي ولا بأمر من فالس. تزامنت الحملة الفرنسية على الجزائر مع عودة وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل من الولاياتالمتحدةالأمريكية.. هل تعتقد أن دورا سياسيا مرتقبا لشكيب وراء هذه الحملة؟ في هذه النقطة بالذات، أنا لا أوافق ما يقال بأن شكيب خليل ورقة أمريكية في الجزائر، وأن فرنسا ترفض عودته لتضمن استمرار استحواذها على حصة الأسد من السوق الجزائرية، وأبعد من ذلك أقول لا خلاف بين المصالح الأمريكية والفرنسية حول السوق الجزائرية، ففرنسا تظفر بحصة الأسد في مجال الصناعة وتستحوذ على جل الأسواق ونجحت في الحفاظ على استمرار لغتها في الجزائر، وتركز أيضا على الجانب الثقافي بحكم أن الجزائر مستعمرة فرنسية قديمة، وأمريكا تستحوذ على قطاع الطاقة ومجالات إستراتيجية أخرى، وشكيب خليل لا يلعب أي دور في تقسيم هذه المصالح، وعندما تريد أمريكا الحصول على شيء، فستحصل عليه دون شكيب، وأصلا فرنسا لا يمكنها الوقوف في وجه أمريكا حينما تريد ذلك.
عميد كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية السابق إسماعيل دبش: الحملة الفرنسية تستهدف الجزائر لإضعافها وإبقائها تابعة لها يرى إسماعيل دبش، العميد السابق لكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجزائر، أن الحملة الإعلامية الشرسة للإعلام الفرنسي ضد الجزائر، نابعة من الأجندات السياسية للدولة الفرنسية والتي تريد أن تظهر للعالم بأنها الناطق الرسمي باسم الجزائر، وفشل هذه الأخيرة جعلها تتخبط في حملة شرسة ضد رموز الدولة الجزائرية. ما يحدث هذه الأيام بين الجزائروفرنسا، هل سببه الجشع الاقتصادي لباريس أم أن المسالة لها خلفيات أخرى؟ المشكل أن فرنسا ازدادت أطماعها أكثر في الجزائر ولا تريد أن تقتسم الكعكة مع الآخرين، فهي تسعى دوما لتكون حصة الأسد في الاقتصاد الجزائري من نصببها، فيما ترفض الجزائر أن يكون اقتصادها سجين دولة ما وخاصة فرنسا، فهذا من جهة أهم عامل للتكالب الفرنسي على الجزائر. كما لا يمكن إغفال جانب آخر للأطماع السياسية الفرنسية في الجزائر والتي تريد أن تكون دوما رقم واحد في المشهد السياسي الجزائري وكذا في الدول المحيطة بها، ولأن هذه الأخيرة لم تجد منفذا لذلك أمام السياسة المناقضة لها والتي تتخذها دولة الجزائر وخاصة إقليميا، فالحل السياسي الذي ترافع لأجله الجزائر في بعض دول الساحل مثل مالي، والمطلة عليه مثل ليبيا لا يخدم أهداف وتوجهات فرنسا التي تريد الانفراد بالمنطقة. كما لا يمكن إغفال قضية على قدر كبير من الأهمية وهي المتعلقة بالصحراء الغربية، والتي بينت مؤخرا تباعد في وجهات النظر بين الجزائروباريس، خاصة أن فرنسا تحالفت مع المغرب في هذه القضية بالذات، فيما لا يمكن إغفال ورقة سبعة ملايين مغترب جزائري بفرنسا، هذه الأخيرة التي تسعى من خلال حملتها السياسية والإعلامية إلى تجريد الجزائر من هذه الورقة أو إضعافها بشكل يحول بينهما وبين توظيف جاليتها بالخارج لصالحها. هناك من يقول إن فرنسا حصلت على كل ما تريد من الجزائر في عهد الرئيس بوتفليقة، فلماذا هذا الانقلاب في موقفها من الرئيس في هذا الوقت بالذات؟ لا أعتقد أنها حصلت على كل ما تريد في عهد الرئيس بوتفليقة، لان الواقع يبين بأن الصين تستحوذ على حصة الأسد من المشاريع في الجزائر أكثر من فرنسا، ولأن السياسة الحالية للجزائر تبحث عن التنويع في العلاقات مع الدول، والرئيس بوتفليقة في سعيه لتحسين العلاقات مع فرنسا، لم يتنازل على مصلحة الجزائر، ومن هنا يمكنني القول إن الرئيس لم يخدمهم بتاتا. ما قامت به كل من "لوموند"، "لوبتي جورنال"، "لوباريزيان"، يعطي الانطباع وكأن الحملة ضد الجزائر وضد بعض مؤسساتها منسقة بإحكام.. برأيكم إلى ماذا تهدف هذه الحملة، وهب تستهدف الرئيس أم الدولة الجزائرية؟ هذه الحملة الإعلامية تستهدف الجزائر وليس شخص الرئيس بوتفليقة، ولأن فرنسا تريد أن تظهر للعالم بأنها الناطق الرسمي باسم الجزائر، وتريد أن تسوّق للأوربيين بأنها هي المنقذ للجزائر، غير أن كل مخططاتها باءت بالفشل بعدما نجحت الجزائر في تبديد ما سعت فرنسا إلى تسويقه والمتمثل في محاولة الإيهام بأنها واجهة للجزائر في بعض التجمعات الإقليمية مثل الإتحاد الأوربي، فضلا عن أن الجزائر فتحت أبوابها لكل بلدان العالم الصين وروسيا والولاياتالمتحدةالأمريكية، ولم تبق رهينة الحسابات الفرنسية. ماذا تريد فرنسا بالضبط من الجزائر؟ فرنسا كلما ترى بأن الجزائر تتجه إلى بدائل أخرى في علاقاتها الدولية السياسية والاقتصادية، كلما توظف ضغوطات أكثر على الجزائر من أجل التراجع على ذلك، فمثلا الصين حصلت على أكبر صفقة في الجزائر وهو ما أغاض فرنسا، كما أن هذه الأخيرة كانت في تنافس مع الصينيين للحصول على صفقة المسجد الأعظم، وبعد فشلها في ذلك ها هي الآن تنتقد المشروع عبر جرائدها وتقول إنه معرّض للانهيار، ببساطة؛ فرنسا لا تقبل أن تكون آخر رقم في الجزائر.