مرت أمس الثلاثاء 33 سنة على وفاة الرئيس الأسبق هواري بومدين، وُلد في هيليوبوليس التي تبعد عن ڤالمة بحوالي 25 كلم وكان متابعا وفيا للمنتخب الجزائري. بومدين الذي مهّد في عهده للإصلاح الرياضي وللجيل الذهبي الذي صنع أمجاد الكرة الجزائرية.. وقال الكثير من المقربين منه إنه كان يتابع مباريات المنتخب الجزائري على الأعصاب وكذا مولودية الجزائر في المنافسة الإفريقية وله الكثير من الحكايات مع المستديرة نسرد البعض منها. غادر 5 جويلية لتفادي تسليم المنتخب الفرنسي الكأس وعاد بعد هدف بطروني وهناك حادثة تاريخية تبقى عالقة في ذهن اللاعب السابق عمر بطروني وزملائه في المنتخب الوطني في منتصف السبعينيات، ونعني بهذا المباراة التي جمعت المنتخب الوطني بنظيره الفرنسي في الدور النهائي لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي احتضنتها الجزائر سنة 1975 وهي المباراة التي جرت بملعب 5 جويلية الأولمبي، ففي الدقائق الأولى من المقابلة كان المنتخب الفرنسي متفوقا وهو ما جعل بومدين يعيش على أعصابه وبعد لحظات انسحب من المنصة الشرفية بأعلى درجة من القلق والغضب رغم الطابع الرسمي الذي امتاز به اللقاء، لأنه لم يكن قادرا على مواجهة السفير الفرنسي المعتمد في الجزائر الذي تابع المقابلة، وفجأة سمع الجمهور يهتز، إنه هدف بطروني الذي عادل بواسطته النتيجة وحرر الحضور بمن فيهم الرئيس بومدين الذي عاد مرة أخرى إلى المنصة الشرفية وتابع اللقاء إلى نهايته، ليفوز المنتخب الوطني بنتيجة 3 أهداف مقابل هدفين واستدعى بعد ذلك أعضاء المنتخب الوطني إلى مقر رئاسة الجمهورية لتكريمهم. لم يتقبّل تصرف الوزير الغيني وغادر المنصة أمام حافيا كوناكري ومن الأحداث التي سردتها أسرة مولودية الجزائر عن الزعيم بومدين ما حدث خلال لقاء العودة من نهائي كأس إفريقيا للأندية البطلة لسنة 1976 الذي نشطه “العميد” أمام حافيا كوناكري الغيني، حيث لم يتقبل تصرف وزير الشباب والرياضة الغيني الذي كان جالسا إلى جانبه حين وقف من مكانه وتفاعل مع تضييع باشي ركلة الجزاء التي أعلنها الحكم للمولودية واعتبر ذلك منافيا للأعراف الدبلوماسية، وهو ما جعل بومدين يغادر المنصة الشرفية متذمرا مما صدر من مسؤول غيني يفترض أن يحترم نفسه، قبل أن تنقلب الموازين قبل نهاية اللقاء حين سجل زملاء بطروني هدفين في الشوط الثاني معمقين النتيجة إلى ثلاثية ليبتسم لهم الحظ في ركلات الترجيح التي أفرحت بومدين والجزائريين بالظفر باللقب الإفريقي. بومدين “فاق” لحيلة كويسي وأكد اطلاعه على خبايا الكرة وكانت أطرف حادثة تؤكد سعة اطلاع الراحل على الرياضة وخباياها تلك التي وقعت للاعب الدولي السابق مصطفى كويسي، حيث أقام الرئيس حفل استقبال على شرف المنتخب الوطني رغم تعادله بميدانه أمام المنتخب المصري وحينها اقترب بومدين من كويسي الذي كان جالسا إلى جانب بن شيخ مستفسرا عن نتيجة التعادل المسجلة، فالتفت كويسي إلى بن شيخ حيث كان يعتقد أن هواري بومدين رجل سياسة لا يعرف الكثير عن الكرة ومميزات اللاعبين الجزائريين فأراد أن يراوغه بكلام للاستهلاك وقال له: “إن ذلك يعود إلى قوة الرياح وارتفاع درجة الحرارة”، بومدين ابتسم لما سمع هذا الكلام وقال: “لكنك متعوّد على ذلك وأنا أعرف أنك من منطقة مدوكال حيث الحرارة مرتفعة والزوابع الرملية”، فطأطأ كويسي رأسه معترفا بذكاء الرئيس. ... ورفض احتراف بن شيخ وبقية النجوم وعُرف عن الرئيس بومدين رفضه تسريح بعض اللاعبين الجزائريين للعب في الخارج من بينهم صانع ألعاب مولودية الجزائر في أواخر السبعينيات علي بن شيخ، فقبل انطلاق الألعاب الإفريقية صائفة 1978 تحدث الرئيس مع الناخب الوطني رشيد مخلوفي عن مسألة احتراف اللاعب المذكور لكن بومدين ودون تردّد طلب أن يحضر بن شيخ ولو بالقوة قائلا: “قل له إنّ الجزائر بحاجة إليك”، وجاء بن شيخ ففازت الجزائر بالميدالية الذهبية خلال دورة الألعاب الإفريقية، وهو القرار الذي حرم أبرز العناصر الوطنية من خوض تجارب احترافية رغم العروض التي تلقتها من أندية تنشط في بطولات أوروبية. ------------------- بطروني يسرد ذكرياته مع بومدين: “بومدين قال لي أنت السبع ديالي خليتنا نبداو بالنشيد الوطني ونكملو بالنشيد الوطني وجنّبتني سماع لامارسياز” هل يمكن أن تعود بنا إلى سنوات السبعينيات حين تفوّقتم على فرنسا في نهائي دورة ألعاب البحر المتوسط؟ قبل هذه الدورة قمنا بتربص مغلق في مركب 5 جويلية دام شهرين دون أن نتصل بالعالم الخارجي وهذا من أجل التحضير الجيد ولنكون جاهزين لذلك الموعد الكبير، خصوصا أن هناك منتخبات قوية كانت مشاركة على غرار فرنسا، ليبيا، تونس، تركيا، يوغوسلافيا، اليونان وغيرها. لقبك كثيرون برجل الدقائق الأخيرة، فكيف تمكنت من قلب الموازين بتلك الطريقة في لقاء النهائي أمام فرنسا؟ المهمة لم تكن سهلة بالنظر إلى مستوى المنافس، لكن الجميع تحلوا بالإرادة لأنه لا يعقل أن نهزم أمام منتخب البلد الذي استعمرنا وهو ما جعل الجميع يدعونا إلى تحقيق الفوز بما في ذلك السلطات بإيعاز من الرئيس الراحل بومدين. على ذكر بومدين، كيف تعامل مع مجريات اللقاء؟ بومدين أعطى أهمية بالغة للقاء وأبلغ أحد المسؤولين في الدولة (يسمى علاهم) بالتوجه إلى غرف الملابس وطلب منه أن يدعو اللاعبين للتحلي بالإرادة في الشوط الثاني للعودة في النتيجة وتحقيق الفوز، لأنه ليس مستعدا لأن نهزم بميداننا ولا لسماع “لامارسياز” بملعب 5 جويلية. كيف كان رد فعلكم بعد ذلك؟ كان علينا أن نأخذ الأمور بجدية لأن ما كان يهمنا هو تشريف الألوان الوطنية ورفع الراية عاليا والحصول على الميدالية الذهبية هو الحل الوحيد لتفادي التوبيخ من الرئيس بومدين، وتمكنت من معادلة النتيجة ثم سجلنا هدف الفوز الذي حررنا جميعا في لقاء لم يكن عاديا من كل النواحي. علمنا بأن بومدين تحدث معك مطولا في حفل الاستقبال الذي أقامه على شرفكم. هذا صحيح، فقد فرح كثيرا بالفوز كما اقترب مني وقال لي: “يا بطروني كيف تنتظر إلى غاية الدقيقة الأخيرة لتسجل الهدف، أتريد أن تحبس قلوب الجمهور الغفير الذي حضر إلى الملعب؟”. كيف كان ردك؟ قلت له: “يا سيادة الرئيس هذه هي كرة القدم، نحن نؤدي ما علينا ونبحث عن الفوز، ولا ندري متى نسجّل الهدف”. هل شكرك على الفوز المحقق أمام فرنسا خاصة أنه لم يتقبّل سماع النشيد الفرنسي في الجزائر؟ قال لي بصريح العبارة: “أنت هو السبع ديالي، فقد جنبتني سماع لامارسياز في ملعب سميناه 5 جويلية، أشكرك لأن الألعاب بدأت بالنشيد الوطني وكان لزاما أن تنتهي بالنشيد الوطني”. هل حصلتم على منحة هامة نظير هذا الإنجاز؟ المنحة كانت عادية ولم تتجاوز 2000 دج وهو مبلغ رمزي، ولو أننا كنا نسعى إلى تشريف الألوان دون مراعاة الجانب المادي. علمنا بأنه تحدث معك أيضا بعد إحرازكم كأس إفريقيا للأندية مع مولودية الجزائر. فعلا، فقد كان الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة حينها وزيرا للخارجية وقال له: “خلّيني نقعد شوية مع بطروني يفهمني كيفاش يخلي حتى الدقيقة الأخيرة ليسجل الأهداف”، وسط ضحكات الحضور، صراحة بومدين كان يتسم بالحيوية وخفة الروح. هل أنت راض بسياسة الإصلاح التي اتبعها الرئيس بومدين؟ حتى أكون معك صريحا، بومدين “غلّطوه” بخصوص سياسة الإصلاح لأنها هي التي أثر سلبا في مسار الكرة في بلادنا وتسببت في تراجع المستوى حسب رأيي لأنها لم تطبّق على قاعدة صحيحة، بدليل أنهم على سبيل المثال أرغموا مسيري مولودية الجزائر على المغادرة وجلبوا مسيرين آخرين يفتقدون لحب ألوان النادي، وكرة القدم ليست بحاجة إلى مسيرين عاديين بقدر ما تتطلب توفّر الحنكة وحب الفريق والتحفيز على تحقيق النتائج، وليس تحويل اللاعبين إلى مجرد عمال في الشركة لأن ذلك لن يحفزهم على بذل المزيد من الجهد لتطوير إمكاناتهم.