سؤال بريئ من ابني وكان ابن الخامسة من عمره كان له أثر الزلزال على قناعاتي وتصوراتي … كنت أتكلم عن الجزائر وكأنها جنة فوق الأرض، فطلب مني أن أشرح له كيف تركت الجنة والقبول بالعيش في الجحيم …؟ طبعا بكلماته ومفرداته وكان جوابي بالحسرة والآهات …. إبني كان يجهل وجود الشيطان في الجنة متربصا بأهلها، نظرته للعالم نظرة عفوية، عوامل الشر والظلم والقهر غائبة عن قاموس تساؤلاته … نعم بلادي جنة، ثراها بالخيرات مفروش نهبها اللصوص وأصحاب الكروش، غاب العدل من أفقها والمعاملات بالمحسوبية والقروش … يا بني أخاف إن فتحت خزان ذاكرتي وتحدثت عن شعوري نحو وطني أَن تتمرد أفكاري وتهاجمني مؤشرات الألم. أخاف إن تكلمت جوارحي تزج بي في متهات السياسة، بلادي كلمة حروفها معدودة ومعانيها لا تحويها المعاجم، شاءت الأقدار أن أبتعد عنها طالبا للعلم حالما بالعودة ظافرا بالمعرفة وبمغنم … حلما حوله ساسته إلى كابوس يطاردني في غربتي …. من طالب للعلم في بلد غريب إلى شاحِذ حقوق في وطني، لا أريد أن أخفي حبي لوطني وراء ستار الكلمة المشحونة بالحزن والممزوجة بطابع الاستعطاف الموغل في الألم … إنه من نكد الدهر أن تستقيل كلمات المدح عندما أريد الحديث عن الوطن. رغم البعد وحرقة الغربة فأنا إبن هذه الأسرة الكبيرة وهذا البلد الطاهر، وأبقى ذلك الطفل الحالم الذي يعيش اليقظة المتجددة، ينام و يستيقظ على أخبار وطن مسلوب أذرف الدمع وأقف مع الذين يرابطون دفاعا عن حقوق هذا الشعب المظلوم الذي استفحلت غصته في خاطري. سألت عن الوطن لأبلغه السلام، قيل لي معذرة وطنك في خبر كان، قلت مذهولا : كفاكم كذبا وبهتانا ! وطني حلم وأجمل مكان … قيل لي في شفقة، إرجع لوعيك فذلك كان زمان عندما كانت الأوطان أوطانا، قلت عفوا …لعلكم مخطئون في العنوان، وطني قبلة الأحرار والأمن والأمان، تنهد وبحسرة قال، إنك تعيش في ما كان… وطنك أصبح مرتع للوحوش وسفينة بدون ربان تباع فيه المروءة وتشترى فيه الكرامة بأرخص الأثمان و أرخص ما فيه هو بنو جنسك الإنسان.