قطف الإعلامي والوجه التلفزيوني رشيد طواهري من كل بستان إعلامي زهرة، انتقل من الصحافة المكتوبة عبر جريدة المستقبل مرورا بأخبار اليوم وصولا إلى رئاسة تحرير جريدة المشوار السياسي، ثم بعدها انتقل إلى الصورة عبر قناة الأطلس وأخير يحط الرحال بقناة النهار. مسيرة تغير فيها اسم المنبر ولم تتغير فيها مبادئ الإعلامي الحر الذي رفع شعارحرية التعبير والموضوعية عاليا. حاورته سهام حواس
– كيف تقيمون تجربتكم في عالم الصحافة خاصة وأنكم خضتم التجربتين معا المكتوبة والمرئية؟ في البداية أشكر جريدة "الحوار" على هذا الحيز الذي منحته للصحافيين، فيما يتعلق بتجربتي المتواضعة انطلقت من جريدة المستقبل كصحفي وبعدها انتقلت إلى جريدة اخبار اليوم، فجريدة المشوار السياسي التي أشرفت على رئاسة تحريرها لمدة قاربت الأربع سنوات. ومن الصحافة المكتوبة انتقلت إلى السمعية البصرية، حيث خضت أول تجربة لي مع قناة الأطلس وبعدها قناة النهار التي اشتغل بها حاليا. إذن، لا يمكن أن نقيّم تجربة ما أو مسار بإنصاف وعدل ما لم نقيّمه في كله الكامل، وما لم نضع إسقاطا موضوعيا على المحيط الذي نشأ فيه، لحد الآن وبالنظر إلى البيئة الإعلامية والسياسية في الجزائر، يمكن أن نقول أن التجربة كانت ناجحة إلى حد ما، خاصة وأنني تدرجت في سلم المناصب بطريقة سليمة ومتسلسلة بداية من صحفي عادي إلى غاية رئيس تحرير، كذلك بالنظر إلى أنني مزجت بين مدرستين، تتلمذت في البداية وتعلمت أبجديات الصحافة في المكتوبة لأنتقل بعدها إلى السمعية البصرية. – ما رأيكم في ظاهرة التجوال الصحفي ومشاهدة وجه تلفزيوني ينتقل من قناة إلى أخرى؟ التجوال الصحفي كالتجوال السياسي، والصحفي حر يسعى للعمل في الوسيلة التي توفر له جو العمل المناسب، الصحفي يبحث عن أمرين لا ثالث لهما، يبحث أولا عن الحرية في طرح أفكاره، وثانيا الأجر المادي الكريم الذي يسمح له بالعيش كبقية الموظفين الآخرين، وحيث وجد الصحفي هذين الشرطين كان هو مكانه المناسب، وقد يشتغل اليوم في وسيلة ما بشروط عمل مريحة، ومع مرور الأيام قد تسوء الأجواء فيضطر الصحفي للمغادرة حيث شروط العمل افضل، إذن الصحفي يجب أن يكون طيرا حرا، يحلق حيث الهواء النقي والعيش الكريم، المشكل ليس في تجوال الصحفي من قناة إلى قناة، المشكل في تجوال المواقف وفي تجوال الأفكار، فالتجوال السياسي أو الإعلامي سيبقى أمرا عاديا إذا ما بقي الصحفي ثابتا على أفكاره ومواقفه، فالوسيلة الإعلامية في النهاية ما هي إلا أداة لتبليغ الأفكار ونقلها إلى المشاهد بغض النظر عن موقف الوسيلة وموقعها في الساحتين السياسية والإعلامية. – هل بإمكان الصحفي اليوم أن يكتب بمصداقية، وأن يكون ناقلا أمينا لما يحدث في المجتمع ؟ قضية الحرية والمصداقية نسبية، والحرية والمصداقية يتحكم فيها عاملان أساسيان، الصحفي في حد ذاته وأفكاره كما أجبت عن السؤال الثاني، ولذلك قلت ليس المهم التجوال الاعلامي بقدر ما يهم ثبات الصحفي على مواقفه، والعامل الثاني هو الوسيلة الإعلامية التي يشتغل فيها الصحفي، وكذلك البيئة أوالسلطة السياسية، فالبنسبة للسلطة السياسية في الجزائر صحيح تمنح هامش حرية كبير مقارنة بالدول العربية، ليس لأنها سلطة متفتحة وديمقراطية، وحريصة على حرية التعبير كما يعتقد البعض، ولكن لأنها لم تعد تهتم بما تكتبه ولا بما تبثه المنابر الإعلامية، كونها منشغلة بأمور أخرى، فالسلطة في الجزائر تتعامل مع الصحافي بمنطق "قل ما تشاء وأنا أفعل ما أشاء". أما بالنسبة للوسيلة الإعلامية فهامش الحرية يتفاوت من وسيلة لأخرى، ويضيق ويتمدد من منبر لآخر، والحقيقة أن الصحف الكبيرة أو القنوات الإعلامية الكبيرة في الجزائر تمنح للصحفي قدرا كبيرا من الحرية، فبقدر ما تمنحه من حرية للصحفي بقدر ما تصنع التميز في الساحة، وقناة النهار أحسن مثال، وبكل صراحة فهامش الحرية في القناة واسع جدا، وللصحفي الحرية الكاملة في التعامل مع الأحداث، ولا توجد أي خطوط حمراء إلا المتعارف والمتفق عليها في عالم الصحافة بصفة عامة، وهو الأمر الذي مكنها من تبوإ مكانة هامة في الساحة الإعلامية، ولا عجب أنها اليوم في صدارة القنوات الإخبارية في الجزائر، ولكن السؤال، هل الصحفي حر أم لا ؟ لم يعد مهما اليوم ، أو دعيني أقول لم يعد كافيا، فالسؤال المهم والأصح، هو هل يستطيع الصحفي أن يغير ما يحدث من مناكر في المجتمع؟، وهل حقيقة أن الصحافة في الجزائر سلطة رابعة، أم سلاطة رابعة؟
– كثر الحديث عن مشروع قانون السمعي – البصري، في رأيكم هل يبشر المشروع بظهور إعلام موضوعي وجاد؟ رأيي الخاص.. لا يهم مشروع قانون السمعي البصري، أو سلطة ضبط، أو حتى الدستور نفسه أسمى القوانين في الدولة، الكل يعرف أن المشكل في الجزائر ليس في سن قانون، المشكل الحقيقي في تطبيق هذا القانون، القوانين الجزائرية في كل المجالات من أحسن القوانين في العالم، ولكن الواقع يقول إن الجزائر من أفضع الدول في التجسيد على كل المستويات، قانون الإعلام 1990 كان فيه االكثير من الإيجابيات والمكتسبات، ولو طبقناه لكفى وشفى، لكنه لم يطبق في الميدان، ومشروع السمعي البصري الحالي أعتقد أن مصيره كغيره من مشاريع القوانين، والدليل أنه تم المصادقة عليه من قبل البرلمان بداية سنة 2014، ومن أهم ماجاء فيه تشكيل سلطة ضبط للصحافة المكتوبة والسمعي البصري، التي ستكون بمثابة الهيئة التي تضبط وتنظم عالم الصحافة، ولكن لحد الآن لم نر شيئا.
– هل يمكننا أن نتفاءل بمستقبل واعد للصحافة الجزائرية بناء على المعطيات الحالية ؟ عمل الصحافة له ارتباط وثيق بالبيئة السياسية، والصحافة الجزائرية تعمل -كما قلت سابقا- في بيئة لا تسمح لنا بالتفاؤل بمستقبل واعد، البيئة السياسية في الجزائر ملوثة، والأوضاع السياسية مقلقة، الصحافة الحرة زهرة تنبت في بيئة ديمقراطية وشفافة وتسقى من ماء زلال، لا من مياه المجاري وقنوات الصرف، والمتتبع للأوضاع في الجزائر لا يحتاج إلى جهد جهيد وفكر عميق ليستخلص أن البيئة السياسية لا تدفع للتفاؤل، وأن المشهد السياسي يسير نحو المجهول، وهشاشة النظام الحالي وتقوقعه وتصلبه وسيطرة المال الفاسد على مفاصل الحكم ومواقع صنع القرار، تعزز المخاوف في النفوس وترسخ فكرة أن السلطة في الجزائر لم ولن تتعظ من التجارب المريرة السابقة والحالية في الوطن العربي، لذلك أقول إذا كنت تبحثين عن مستقبل المشهد الإعلامي في الجزائر، فابحثي أولا عن مستقبل المشهد السياسي.
– قامات إعلامية كبيرة استطاعت البروز عربيا، ماذا ينقص إعلاميينا في الداخل للانتشار عربيا ؟ إعلاميونا بكل تواضع ودون مجاملة لا ينقصهم شيئ، صحيح أن الاعلاميين الجزائريين ينقصهم التكوين المتواصل، ينقصهم الاحتكاك بالتجارب الحديثة في العالم، لكنهم من حيث المستوى ومن حيث المادة الخام، لا أبالغ إن قلت أنها من أحسن الكفاءات في الوطن العربي، وما ينقص الإعلاميين الجزائريين حتى ينالوا حقهم من الرواج في الوطن العربي وهم الأكفاء في الوطن العربي، هو نفسه ما ينقص الجزائر حتى تنال حقها من احتلال الريادة والقيادة في الوطن العربي وهي التي تملك مؤهلات لا تتوفر في أي بلد آخر.