روبورتاج/ موسى توفيق تعرضت القشابية المحلية الأصيلة إلى منافسة شرسة فرضتها عليها السلع الصينية المقلدة، حيث عمدت إلى طرح أنواع أقل جودة و بأسعار معقولة، إلا أنها فتحت شهية الجزائريين الذين عجزوا عن اقتناء المحلية التي صارت حكرا على الأثرياء والشخصيات الكبيرة. اكتسحت القشابية القادمة من الصين الأسواق الجزائرية في الآونة الأخيرة، ما جعلها تنافس المحلية وعلى الرغم من أنها لا ترق إلى جودتها وأناقتها، إلا أنها نجحت في خطف الأضواء منها من حيث إقبال الزبائن والموديلات الجديدة التي بعثت فيها روحا عصرية، ولاستطلاع الأمر عن قرب نزلنا إلى بعض المحال بولاية الجلفة وتحدثنا إلى عدد من التجار الذين أجمعوا على أن انخفاض سعر "القشابية" المستوردة هو ما جعل الزبائن يستغنون عن شراء "القشابية المحلية"، حيث لا يتعدى سعرها ال 5000دج بالنسبة للقشابية الصينية و 2 إلى 3 ملاين بالنسبة للبرنوس المقلد، فيما يتراوح سعر القشابية المحلية بين 5 إلى 12 مليون و من 10 إلى 25 مليون بالنسبة للبرنوس الوبري. أسعار جنونية بين 12 إلى 25 مليون يقول أحد التجار من أسواق الجلفة إن القشابية المحلية بدأت تختفي من الأسواق لسببين، الأول هو غلاء سعرها، و الثاني بسبب خياطتها التقليدية وعدم مواكبتها للعصر، من حيث الابتكار في التصميم، مقارنة بالقشابية القادمة من المغرب، التي في كل مرة تخرج علينا بتصميم جديد، أما تاجر آخر فأكد أن "وبر العراق و" وبر الصين" هو مجرد قطن وليس وبرا حقيقيا، وحتى وإن كان هناك في هذه المنتجات القليل من الوبر، فإنه لا يخضع إلى عملية التنقية من الشعر، لذلك يبقى سعره رخيصا، أما "القشابية" التي تتم خياطتها خارج البلاد فلا تختلف عن الوبر المستورد، حيث قال إنها لا تخضع هي الأخرى إلى المراحل العديدة والدقيقة التي تخضع لها القشابية المحلية، والتي تصنع من وبر حقيقي وكل ما كان وبر الجمل صغيرا كان وزن القشابية أخف وارتفع سعرها، لذلك يواصل نجدها تتراوح ما بين 5 إلى 12 مليون، أما البرنوس فيتراوح بين 10 إلى 25 مليون، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن هذه الأسعار ترتفع و تنخفض حسب الفصول، كما يعتبر أحسن وبر هو وبر الإبل التي تعيش في منطقة الوسط، و تختلف ألوان الوبر من اللون الأحمر الأغلى سعرا " حمر النعم" إلى باقي الألوان مثل الوبر الأصفر و الوبر الرمادي. حرفيون يدقون ناقوس الخطر حذر عدد كبير من الحرفين بولاية الجلفة من ظاهرة غزو السلع الأجنبية المستوردة، خصوصا التي قد تتسبب في تشويه صورة المنتجات التقليدية حسب تعبيرهم، وضربوا مثلا ب"القشابية" المستوردة من الصين والتي تباع في الأسواق الوطنية بأسعار منخفضة نظرا لنوعيتها الرديئة، معتبرين ذلك تطاولا من المستوردين على عادات الآباء وتقاليدهم ومحاولة لطمس تاريخ المنطقة، فيما لفت البعض إلى أن هناك موادَّ خطِرة تم إدخالها في الوبر الصيني قد تسبب العديد من أمراض الحساسية، مطالبين بضرورة مكافحة مثل هذه المنتجات المقلدة، والتي تخلق انطباعا سيئا على المنتجات المحلية. دورات لإعادة الاعتبار للقشابية المحلية من جهته أكد مسقي سليمان مدير غرفة الصناعة التقليدية أن هناك عودة قوية لصناعة البرنوس والقشابية خلال السنوات الأخيرة، وهذا راجع لعدة عوامل منها دعم الدولة من خلال أجهزة الدعم سواء قرض المادة الأولية أو دعم الصندوق الوطني لترقية نشاطات الصناعة التقليدية، حيث استفادت الولاية في الحصة الأولى من 193 مستفيد وسيتواصل هذا الدعم، وأضاف أن غرفة الصناعة للحرف تقوم بالتأطير ومرافقة الحرفيين في النسيج لتسويق منتجاتهم من خلال المعارض التي تنظمها ومشاركتهم في مختلف التظاهرات الوطنية والدولية، ولفت إلى أن "البرنوس المسعدي" كان حاضرا في صالونات "أبوظبي" و "بولونيا وفي البرتغال" و"باريس" ، مشيرا إلى أن المواطن الجزائري عموما أصبح يقتني القشابية على رغم ارتفاع سعرها، نظرا لخصوصيتها من حيث حمايته من البرودة وخفتها، وتابع قائلا "إن الحرفي أصبح يتكيف مع طلبات الزبائن حيث أصبح يبدع في التصميم والأشكال، وقيامهم بصنع "معطف وبري" كان قد لقي رواجا وانتشارا كبيرا على المستوى الوطني وأصبح مطلوبا، ويتراوح مبلغ المعطف بين 2 ملايين إلى 3 ملايين حسب نوعيته"، وكشف إلى أنه نظرا لغلاء المادة الأولية أصبح الحرفيون يمزجون بين "الوبر" المحلي و"الوبر" المستورد من آسيا لافتا إلى أن الطريقة التقليدية تترك نسبة من الدسم على الوبر تضفي عليه جمالا، وهو ما لا يتوفر عليه الوبر المستورد نظرا لحرقه بواسطة الآلات. منتجات الوبر تمتد إلى الأزياء النسوية وكشف المصدر ذاته عن دراسة تم الشروع فيها بالتعاون مع معهد محلي متخصص من أجل تشخيص وضعية النسيج الوبري بداية من مراحله الأولى من تربية الإبل إلى عملية إنتاج الوبر ثم تسويقه، و تهدف الدراسة إلى معرفة الوضعية الحقيقية لهذه الحرفة، بالإضافة إلى وضع مخطط لتطوير هذا النشاط من خلال برنامج مدمج تُسِهم فيه كل القطاعات المعنية مثل قطاع الفلاحة، الغابات، التكوين المهني،التجارة والصناعة التقليدية. ويضيف مدير غرفة الصناعة التقليدية أنه نظرا للمنافسة غير الشرعية من خلال استيراد القطع المنتجة اصطناعيا التي باتت تنافس القطع المنسوجة يدويا من طرف المرأة الحرفية، يتطلب ذلك تدخل القطاعات المعنية بالخصوص قطاع التجارة لسن قانون يحمي المنتج التقليدي المحلي الجزائري، وخاصة القشابية والبرنوس الوبري، وفي هذا الإطار شرعنا بداية من سنة 2014 في تنظيم دورات حول تحسين نوعية المنتج المحلي، حيث إن الغرفة تقوم بتنظيم دورات تكوينية في مجال النسيج لفائدة الحرفيات، حيث استفادت 30 امرأة من هذه الدورات التي ماتزل مستمرة .. إضافة إلى تكوين متخصص في صناعة منتجات من الوبر مثل المعطف الوبري للنساء مرفقا بحقيبته وحامل لجهاز الهاتف النقال وقبعة أنيقة وجذابة، وهذا بأيدي النساء الماكثات بالبيت، واعترف أن هناك مشكلة تتمثل في ارتفاع سعر المنتج المحلي الذي مرده نقص وغلاء المادة الأولية، حيث قال إن ولاية الجلفة أصبحت معتادة على تنظيم الصالون الوطني للبرنوس والقشابية، لإبراز هذا المنتج الأصيل لمنطقة الجلفة، وفيما يتعلق بالتسويق أكد المتحدث أن تسويق القشابية والبرنوس يتم أيضا خارج الحدود بالخصوص إلى دولة تونس عن طريق تجار منطقة تبسة، وكذا عن طريق تجار منطقة الغزوات بتلمسان إلى المغرب، حيث إن المنتج يلقى إقبالا كبيرا من طرف هذه الدول، مضيفا أن البرنوس المسعدي نال الجائزة الثانية في المسابقة الوطنية لأحسن منتج تقليدي من بين الجوائز. القشابية المسعدية عروس في ليلة العمر أكد عدد من الماكثات بالبيت أن صناعة "القشابية" و"البرنوس" تشهد عدة مراحل قبل أن تصبح جاهزة للاستعمال، فهي تختلف عن صناعة "القشابية" و" البرنوس" الصيني، وأشرن إلى أن هذه الصناعة تعتبر مصدر رزق عدد كبير من العائلات المسعدية التي ورثت المهنة عن الأجداد، ولفتت إحداهن أن أول المراحل هي مرحلة زج الإبل للحصول على الوبر الذي يوجد بكثافة على مستوى الرأس والرقبة والأكتاف، وتزداد كثافة الوبر في الإبل ذات السنامين، ويمتاز الوبر عن الصوف والشعر بميزات عدة أهمها المتانة والخفة والقلة إلى جانب نعومة الملمس، فضلا عن الاختلاف في نوعية الوبر تبعا لعروق وسلالات الإبل، و تضيف و يتساقط الوبر من أجسام الإبل في أواخر فصل الربيع و بداية فصل الصيف، ويجز الوبر يدويا باستخدام المقص اليدوي، مشيرة إلى أن أول عملية تبدأ في عمر 3 شهور حيث تكون نوعية الوبر جيدة لنعومته وتتم عملية الزج مرة واحدة سنويا، وتواصل كلامها "تبدأ أولى خطوات تحضير المادة -الوبر- بطريقة يدوية بحتة، فبعد عملية الغسل الجيد وإزالة الشوائب والأتربة العالقة نقوم بعملية التجفيف، ثم نقوم بخلطه بالوسائل التقليدية "الثنثار، المشط" كي تتجانس ألوانه، بعد ذلك تأتي عملية الغزل والنسيج، حيث يتم "بشم" الصوف أو الوبر يدويا أي خلطه بواسطة آلة يدوية تدعى "القرداش" يتم تقطيع الصوف أو الوبر إلى أجزاء قابلة للفتل، ومن ثم تشكل هذه الأجزاء في الدائرية للمغزل شكل خيوط رفيعة أو متوسطة السمك، ثم يأتي دور الخلالة والمغزل، والخلالة هي آلة يدوية تستعمل في دق النسيج وتثبيتها، أما المغزل فهو آلة يدوية تستعمل في غزل الصوف، وذلك بفتل الخيوط من خلال الحركة الدائرية للمغزل للحصول على خيوط، بعد ذلك يتم إعداد المنسج بطريقة يدوية وجماعية يُسهِم فيها جميع أفراد العائلة وتحتوي هذه الآلة على 6 أعمدة خشبية اثنين مثبتين بشكل أفقي على الجدار ومن ثم يتم التثبيت، على عمودين أفقيين فيصبح المنسج جاهز. ثم المرحلة الأخيرة وهي الخياطة اليدوية، وتعتبر من بين الحرف الفنية الشائعة بالمنطقة، وقد تصل تكاليف الخياطة للبرنوس الوبري إلى 8000دج، وتستعمل فيها وسائل بسيطة لكن بمهارات يدوية و إتقان عاليتين وتتنوع هذه الخياطة حسب الطلب، وأشهر هذه الخياطات النموذج العربي والنموذج المغربي