الحلقة6 بهذا الاستعراض الموجز ندرك أنه لا الإسلاميون إلا قلة عرفوا مقام نبيهم ولا العلمانيون أيضا أقروا للأنبياء بما شرعوه، والقضية في المناقشة حين نضعها على محك المسلمات تكون راجعة إلى القصور في فهم الكمال. والنقاش هنا مع اللائكيين الذين يؤمنون بوجود الله ومع الإسلاميين حيث من المسلََّم لديهم جميعا أن هذا الكون المبني في منتهى الدقة العلمية والقوانين الفيزيائية والرياضية يعبر عن الكمال المطلق الذي لا يصل إليه كمال الإنسان المحدود. ثم نتكلم عن المسَّلمة الثانية وهي أن الكمال المطلق هذا لا بد من أن يضع فضلا عن هذا الكمال الذي نراه في الكون صورة تحاكيه وإن لم تصل إليه وهي المعبر عنها في القرآن بقوله "إني جاعل في الارض خليفة" والله هنا يتكلم عن هذا الكامل الذي سيحاكيه حين يعكس في الكون كمال الله. الملائكة في المقابل ترد على الله كما يرد عليه هؤلاء العلمانيون وكثير من الإسلاميين قائلين "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"؟ ومن يراجع التوراة والإنجيل وكتب الأحاديث الإسلامية يجد صورة عن كثير من الأنبياء لما قالته الملائكة فهل هي صورة حقيقية أم وضعوها ليشترك الجميع في النقصان نفيا لذلك الكمال؟ أنبياء اتهموهم بالسكر وبالزنا في كتبهم التي حرفوها وحين نضيف الكثير مما ورد في حق نبينا من كتب يسمونها الصحاح، فإنه ينطبق عليها قوله تعالى "يحرفون الكلم عن مواضعه"وتصبح سواء في التحريف والتوراة والإنجيل. ومادام الله قد أوجد الكون على مقتضى الكمال والإنسان على مقتضاه أيضا، فإن الإنسان هذا يجب أن يظل مرتبطا بالكمال، وحين ينعدم الكمال الإنساني في الكون يقيم الله الساعة لأن مبررات وجود الكون انتهت، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله"لا تقام الساعة إلا على شرار الخلق". والدين الذي يلخص كما وضحت في الجزاء يهدف إلى تحقيق بل إلى حفظ هذا الكمال في: 1-حفظ العقل وهو أساس الكمال الإنساني وهو أعز مخلوق خلقه الله وللأسف الشديد عملت السلطات المستبدة باسم الدين على محاولة طمس العقل ودوره في كمال الإنسان، فقالوا إنه لم يصح أي حديث في العقل عن الرسول، وعملت العلمانية هي أيضا على رغم ادعاء العقلانية على تحجيم دور هذا العقل بالخمور وشتى أنواع المسكرات. العقل حين يعانق كمال السماء وهو الوحي وحين يعانق صفاء الوجود بالاستقامة تنبثق عنه خلافة الله في الأرض التي تعمل بعد على حفظ العقل. 2-حفظ النفس من سفكها، ومن الهوي بها إلى دركات البهيمية الممسوخة "أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام". 3-حفظ العرض، وقد أرانا الله من قانون التزواج الكوني "ومن كل شيء خلقنا زوجين"صورة الكمال التزاوجي، وحل هذه المشكلة الملخصة في الجنس لا يوجد أي قانون وضعي تكفل بها في صورة تصبغها بصبغة الكمال كالإسلام، لأن الإسلام جعل الحرية الجنسية في تسهيل الوصول إليها مع تحمل كامل المسؤولية فيها، والشطر الأخير هذا هو الذي لم توفره اللائكية العلمانية فتحول الجنس إلى رذيلة بدل أن يكون فضيلة تنبثق عنها سكينة الجسم والروح والحفاظ على النسب من أن يتلوث باختلاط الأنساب. 4-حفظ المال وهو جمعه من حله وصرفه في حله لتحقيق هذا الكمال. 5-حفظ الدين ليس كما تقول اللائكية بجعله مسألة بين العبد وربه، بل ليكون معناه وهو الجزاء محققا للكمال في الدارين ولتكون نصوصه التي هي من المسلمات مقدمة على ما يدعيه عقل الإنسان أنه كمال، فالكمال الأدنى لا يمكن أن يتقدم على الكمال الأعلى وإلا انعكست القيم والعياذ بالله.