الحلقة 16 أبو العباس برحايل كان ذلك المدرب الفضولي أقل مني عمرا بشهور وأقصر مني قامة..لكن كانت له بنية قوية ومع أننا لم نتصارع ليتحدد من منا الأقوى لتتحدد الزعامة، ولمن تؤول، فقد كانت هذه المصارعات تجري دوما حتى بين الكبار الراشدين .. ومرة شك سيدنا الطالب في هذه الفتوة بيني وبين أحد أندادي، فأشار علينا بطرف عصاه أن ننهض وطلب منا أن نتعافر أي نتصارع في أربعة أشواط في قلب حجرة الجامع .. ولم تكن الغلبة لأحد، كان يصرعني مرة وأصرعه أخرى ..إلا أنه لم تجر بيني وبين هذا الند الجديد الوقح مقابلة الفتوة لا بمبادراتنا أثناء اللهو واللعب كما يحدث عادة، ولا بأمر الطالب، ولذلك ظللت في خلدي أهابه سرا ولا أستجيب لاستفزازاته التي تطلب ضمنيا إجراء هذه المبارزة الرمزية، وفضلت أن يبقى الغموض أفضل من أن تضيع مني الزعامة كليا بطريقة شرعية إذا جرت المبارزة وغلبني ..وحين يلومني صحبي قائلين لماذا تترك له القيادة وأنت الأكبر والأطول والأكثر تقدما في الحفظ، أزعم لهم وأعزي النفس في الحقيقة بأن رفع العلم أغلى وأرفع ولا يمكن ترك العلم ليحمله مرفوعا ويسير به على رأس الصف ابن من ذبحته الثورة.. وهو تبرير لست مقتنعا به أنا ذاتي في دخيلتي لأن بيت أهله صار مركزا من مراكز الثورة في المشتى يؤمه المسؤولون، ولذلك عاد الاعتبار لبيتهم ولم يعد ذلك الذبح مسبة ولا عارا وقد صارت المنحة المالية التي تقدمها السلطة الاستعمارية لتلك العائلة نظير ذبح اثنين من أفرادها مجندة في خدمة الثورة بتحويل مسكنهم الشتوي إلى مسكن دائم وقد رحلوا إليه من فج غنية وصار شبه مركز يتردد عليه مسئولو الثورة، والفعل الحادث يجبّ ما قبله. ويبدو أيضا أن نظام الثورة فرض على سيدنا الطالب إدخال تمارين رياضية في مهام التعليم، فجاءنا ذات مساء ممون المشتى الوحيد المرخص له من قبل سلطة الثورة بالتسوق إلى نقاوس بشيء لا عهد لنا به، كرة منفوخة من هذه الكرات الرخيصة المصنوعة من لدائن صفراء .. وحيث إنه لا عهد لنا في الريف لا بمشاهدة كيف تلعب هذه الكرة؛ ولا بممارسة اللعب بهذه الكرة.. فقد كان بعضنا يخرجون إلى البطحاء الواسعة التي تفصل الجامع عن بعض السكنات المجاورة، ويشرعون في رفسها بأقدامهم بين الأحجار الناتئة هنا وهناك بأرجاء البيت، فقد تسقط على رف المواعين الطينية فتنجو تلك المواعين من السقوط ومن الانكسار بأعجوبة وقد تسقط على دلو الماء وقد تسقط على رأس أحدهم.. وكل ذلك يدفع إلى المرح من جهة وإلى سخط الأم الخائفة على ماعونها؛ وهذا كل شيء. وهناك والركض معها أو النط وراءها فيما الغبار يتطاير من بين أقدامهم لغير غاية أو هدف..ولم يكن لي ميل للجري وراء الكرة..