الحلقة 14 أبو العباس برحايل . ورغم أن خروج العسكر لم يسفر عن شيء لأن فرقة المجاهدين غادرت ؛ لكنهم أقوموا له محاكمة ثورية وحكم عليه هو وابنه بالإعدام.. الغريب أن الحكم سمع به الجميع ولم ينفذ في الحين حتى جاءت ساعة الصفر التي نفذ فيها ذلك الحكم تحت جناح ظلام الليل .. تحاشا الرجلان المبيت في بيتهما أياما ثم عادا مستسلمين؛ وقد تبين لهما أن الفرار لا يفيد أو ربما ظنا منهما أن المسألة مزحة وقد انتهت !..لقد زلزلت حادثة ذبح الرجلين النفوس وأحدثت دويا عظيما في الدوار .. وانتهى إلى الأبد حكم الدايرة و الشنبيط والقايد؛ وحل محله حكم جديد هو حكم الثورة. في هذه السنة 1955 تم تنصيب هياكل الثورة التنظيمية في الدوار ؛ وشرع أوائل الأفراد يتجندون في صفوف الثورة ؛ ودفع والدي مسدسه لمسئول المشتى في الدوار ؛ وصرنا لا نتنفس إلا بالثورة. ومن الأوامر الثورية التي تم تنفيذها بحزم ودون جدال التخلص من الكلاب.. وقد كان لدينا كلب رائع سماه والدي فريز على اسم رب العمل الذي كان يشتغل لديه في فرنسا ؛ ولدى عمي كلب يسمى سحابا ؛ ولدى جدي كلب يسمى شرماط.. وكلاب أخرى في الحي ..سيق أولئك الكلاب المحكوم عليهم بالإعدام من غير جرم ما عدا أنهم في الليل ينبحون لكل حركة وطارئ ؛ والعمل الثوري الذي يقتضي السرية فلا يسمح بنباح أو ما يدل على دخولهم الحي ؛فصدر الحكم.. سيق قطيع الكلاب مقرنين في حبال طويلة في مهرجان من النباح الصاخب إلى جرف عال قرب عين جافة تسمى عير التين الذكري ؛ وهناك تم إلقاؤهم من أعلى الجرف إلى الوهدة التي كانت صخورها في قعرها العميق في انتظارهم لتتفجر هناك دماؤهم وتتمزق جلودهم على بطونهم وتتقطع أحشاؤهم وتتهشم خياشيمهم ويتطاير مخهم.. كانت مذبحة على كل حال!..وإن تكن مذبحة كلاب!..وإن أسف الكبار مجرد أسف طفيف؛ فقد عشنا نحن الأطفال مأساة لفراقنا لكلابنا المحبوبة. على مستوى الجامع وذات مساء إثر صلاة العصر وهو الوقت الذي نعلق فيه الألواح على وتد بارز مثبت في الجدار بجوار كوة نضع فيها دوياتنا وأقلامنا القصبية ونقوم لصلاة العصر على الصفا العريض المستوي بالأرض في باحة الجامع مع المصلين من الحي... ننتظم في حلقة ونشرع في التلاوة الشفوية الجماعية تكرارا لدعم ما حفظاه من قبل على الألواح حفظا فرديا..في هذا المساء ؛ بمجرد الانتهاء من الصلاة حضر مراقب التعليم التابع لنظام الثورة ؛ وأخرجنا إلى بطحاء بظاهر الجامع مع أولئك المصلين الذين لم ينصرفوا بعد لبيوتهم ولقضاء مصالحهم.