قوبلت عاصفة الحزم التي قادتها المملكة العربية السعودية بتحالف عربي إسلامي في مواجهة انقلاب جماعة أنصار الله الحوثية على الشرعية في اليمن، بحالة من الانقياد التام والتأييد الكامل داخل أوساط أبرز المكونات والتنظيمات والرموز الإسلامية في المنطقة العربية والإسلامية، وتحديدًا داخل أروقة الإسلام السياسي التي تعاطى بعضٌ منها وفق إطار مذهبي، نازعًا عنها غلافها السياسي، وذلك بخلاف الحالة الجهادية التي عارضته وهاجمته بشدة، بدعوى أنها جاءت لمحاربة الجهاد واستئصال شأفته وتمثله تنظيم الدولة والقاعدة. جاء ذلك التأييد والمباركة لعاصفة الحزم بمثابة اصطفاف جديد لقوى الإسلام السياسي السني انطلاقًا من مواجهة جماعة أنصار الله الحوثية الشيعية، فيما اعتبر التباين إزاء العاصفة بمثابة طور جديد في العلاقة القائمة بين عدد من الأنظمة العربية التي تقود التحالف- خاصة المملكة العربية السعودية وبين قوى الإسلام السياسي، عززه الحديث عن تموضع لتلك القوى، ممثلًا في جماعة الإخوان المسلمين في المشهد العربي مرة أخرى، انطلاقًا من اليمن.
الإخوان المسلمون أتت مواقف جماعة الإخوان المسلمين التنظيمية أو الأخرى المحسوبة عليها تجاه عاصفة الحزم متشابهة إلى حد كبير من حيث التأييد الكامل والمباركة لمجريات العاصفة، بدءًا من جبهة العمل الإسلامي بالأردن مرورًا بالعدالة والتنمية المغربي وحركة النهضة التونسية، انتهاءً للموقف الأهم والأبرز في كل من اليمن ومصر واللذين مثلّا حالة إخوانية خاصة تجاه العاصفة، خاصة في الداخل المصري، وما يمكن تسميته بحالة التأييد المشروط. في الواقع لم يبادر حزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين في اليمن بالإسراع نحو تأييد العاصفة العربية منذ انطلاقتها صبيحة ال 26 من مارس الفائت، إنما تباطأ في خطوات دعمه للعاصفة لاعتبارين مهمين: أولهما: ترقبه لطبيعة التحولات السياسية في المنطقة العربية التي صاحبت وصول العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز للسلطة في المملكة العربية السعودية، وكيفية تناوله المشهد اليمني والتأمل في آلياته الجديدة حيال أزمة الانقلاب الحوثي، التي كانت نتاج سياسة خلفه الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز إثر دعمه شريك الحوثيين المخلوع على عبدالله صالح، من أجل محاصرة الإسلام السياسي باليمن. وثانيهما: سعي الحزب للوقوف على الحياد في بداية انطلاق العاصفة، حتى يتسنى له رؤية المشهد كاملًا وتتضح الصورة كلية، فلا يتم الالتفاف عليها وتوظيفها من قبل خصومها بالداخل والخارج، فيتم اختزال التطورات في الساحة اليمنية على كونها معركة قائمة بين الحوثيين من جهة والإصلاح الإخوانية عبر استنساخ المشهد السوري برمته وتصبح معركة علي عبدالله صالح وشركائه الحوثيين ضد الإرهاب الإخواني المتحالف مع القاعدة. ومع سرعة المتغيرات الحادثة في المنطقة والتعاطي السعودي المغاير لسابقه مع المشهد اليمني خاصة مع التلميح بإعادة النظر في إمكانية التعاون المباشر مع الإصلاح بالتوازي مع استجابة دول عربية وإسلامية لتلك الخطوات، سارع الحزب إلى التأييد المباشر والفعال لعاصفة الحزم دون أن يأبه بردة فعل علي عبدالله صالح وشركائه الحوثيين، والتي قوبلت باختطاف واعتقال العشرات من قادة الحزب ورموزه. وفي المشهد المصري كان الوضع مربكًا بعض الشيء، فعلى الرغم من تأييد جماعة الإخوان المسلمين لعاصفة الحزم إلا أنه بدا لدى الإخوان تحفظ غير مباشر على أهدافها، ظهرت جليه في مضامين البيانات التي أصدرتها بخصوص العاصفة. وأرجعت الجماعة الأزمات التي تحدق بالمنطقة بسبب الانقلاب على الشرعية ومحاربة الثورات العربية، وهو أمر يمثل لها الكثير، إذ أن الحالة الإخوانية في نسختها المصرية ترى أنها تتشابه إلى حد التطابق في كثير من جوانبها مع نظيرتها اليمنية مع بعض الفروقات المتعلقة باختلاف السياقات الملتفة حولهما في كلا البلدين. بيد أن ما لم تعيه بعض النخب الإخوانية المصرية تحديدًا في مقاربتها للمشهد اليمني القائم، أنه قد تم التعامل معها خارجيًا ضمن إطار جماعاتي وليس حزبيا، أو بمعنى أدق في إطار كونهم جماعة دينية وليس حزبًا سياسيًا، وهو ما يفسر بعض الأسباب الرئيسة التي حالت دون التحرك لمناصرة مظلوميتهم من قبل بعض الأنظمة بصرف النظر عن رؤية تلك الأنظمة لجماعة الإخوان- وهو المشهد ذاته الذي تكرر مع الحوثيين الذين تم التعامل معهم فور انقلابهم على السلطة على أنهم ميليشيا مذهبية بالأساس، تتقاطع مع الجماعة الدينية بمفهومها الفضفاض الواسع وليست خارجة من الإطار الحزبي الدولاتي، ما دفع إلى اعتبار صعودهم عبر انقلابهم على السلطة تعارضًا مع مفهوم الدولة الوطنية الحديثة التي لا يتصدرها الدينيون أو الجماعاتيون والميليشا الإثنية أو المذهبية.
حركة حماس وجدت حركة حماس نفسها في موقف لا تحسد عليه، في خضم لحظة مصيرية تطلب منها إبداء موقف سريع وحاسم تجاه عاصفة الحزم وسط ترقب الجانب السعودي وداعميه من التحالف العربي من جهة، والدولة الإيرانية من جهة أخرى، وذلك نظرًا لحساسية الحالة الحمساوية في الوقت الراهن وما أملته عليها ارتدادات الربيع العربي وانعكاسات تعثره، والذي كانت تضع عليه الحركة آمالًا عريضة، ما لبثت وأن تلاشت بفعل المتغيرات الحادثة في منطقة الشرق الأوسط، ما دفع الحركة إلى الشعور بأنه قد دفع بها مجددًا إلى نفق آخر متمثل في الحالة اليمنية ومتطلباته، على الرغم أنها لم تفق بعد من مأزق المشهد السوري وتداعياته عليها. إعلان الحركة مباركتها وتأييدها لعاصفة الحزم أغلق كل الأبواب التي سعت لربط الحركة بالدولة الإيرانية، وكممت الأفواه التي تحدثت عن تباين في المواقف الداخلية للحركة تجاه العاصفة خاصة بعد نفي سامي أبو زهري الناطق باسم الحركة لذلك وواصفا حالة الجدل إزاء العاصفة السابقة للتأييد بالاجتهادات السياسية ، والذي اعتبر بمثابة تدشين مرحلة جديدة في العلاقات الحمساوية العربية الصاعدة كبديل للحليف الإيراني. لقد راهنت حركة حماس على المتغير الصاعد في المنطقة، متجنبة ارتدادات الربيع العربي وتحولاته القائمة، وأهمها بروز دور الملك سلمان بن عبدالعزيز وتأسيسه لتحالف عربي إسلامي هو الأول من نوعه، قاطرته السعودية وتركيا وباكستان.
السلفيون يعتبر المكون السلفي أكثر التيارات الإسلامية التي وجدت في عاصفة الحزم لحظة فارقة لإعلان الحرب المقدسة ضد خصومهم من الشيعة، فتولد ما يمكن وصفه بالتوحد السلفي المؤيد للعاصفة، من خلال رؤية مذهبية محضة لا سياسة فيها. بدأت سلسلة التأييد السلفي للعاصفة انطلاقًا من اليمن والتي عانى فيها السلفيون طيلة الشهور الماضية، الكثير من التضييق والخناق عليهم منذ صعود الحوثيين ودخولهم صنعاء في أكتوبر 2014 إلى حد الاقتتال بينهما بسبب اتهامات الحوثيين لهم في المدن المحاذية للشريط الحدودي بين اليمن والسعودية، بتجنيد الآلاف من المقاتلين الأجانب ضدهم، فضلًا عن التضييق الذي طال رموزًا سلفية من بينهم الشيخ يحيى الحجور، بالتوازي مع قيادات معهد دار الحديث السلفي الذين عانوا من أنصار الله الكثير. كانت تلك المشاهد سببًا رئيسًا في أن يجد السلفيون اليمنيون فرصة للثأر لما ألحق بهم أنصار الله، فاعتبر الشيخ محمد عيضة شبيبة القيادي السلفي البارز في اتحاد الرشاد اليمني- العاصفة آخر الحلول لمعاجلة الغرور الذي مارسه الحوثيون على الشعب اليمني. ومن سلفيي اليمن إلى سلفيي مصر الذين اعتبروا العاصفة حربًا ضد الرافضة وخططهم الشيعية في المنطقة العربية خاصة مصر، حيث اعتبر الدكتور محمد يسري إبراهيم، الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، أن التدخل العربي في اليمن واجب شرعي.
فيما ارتأي ياسر برهامي أبرز الدعاة السلفيين في مصر أن الشيعة والحوثيين خطر عظيم لأن ولاءهم لمذهبهم أكثر بكثير من ولائهم لأوطانهم، أما يونس مخيون رئيس حزب النور فدعا للوقوف بكل قوة لمنع انتشار الفكر الشيعي الإيراني داخل مصر. ولم يختلف مشهد التأييد السلفي عنه في اليمن ومصر عن منطقة المغرب العربي، إذ بادر أتباع المنهج السلفي بالجزائر إلى اعتبار العاصفة جهادًا في سبيل الله ضد الشيعة، كما جاء على لسان عبد الفتاح زراوي مسؤول الصحوة الحرة الإسلامية السلفية، وفي المغرب سارع نشطاء سلفيون إلى الثناء على الملك سلمان بن عبد العزيز ومباركة خطواته في عاصفة الحزم، وأصدر التجمع الإسلامي السلفي في الكويت أيضًا بيانًا أيد فيه عملية عاصفة الحزم، لإنقاذ الشعب اليمني من المليشيات الحوثية.
تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة
اغتنم تنظيم الدولة الإسلامية فرصة إطلاق صافرة البدء لعاصفة الحزم من خلال التحالف العربي والإسلامي، لينطلق من خلاله الدعوة لتحالف جهادي لقتال الشيعة في العراق، عبر مناداته للقوى الجهادية بتياراتها المتعددة بالداخل اليمني، لحل نفسها ومبايعة أبي بكر البغدادي، من خلال رسالته التي أطلقها عبر مقطع تسجيلي مصور تحت عنوان رسالة إلى أهل اليمن، والتي شكك عبرها في نيات التحالف العربي الذي تقوده المملكة تجاه المشهد اليمني، قائلا: إذا كان التحالف السعودي نزل اليمن للدفاع عن أهل السنة، فأين هم من الرافضة الموجودين في بلاد الحرمين؟!. بيد أن صمت تنظيم القاعدة في بلاد اليمن منذ بداية قيام العاصفة وحتى اللحظة فله وجهان، أولهما: عدم التعجل في إبداء التأييد أو الرفض حتى يتسنى له معرفة ما هي الخطوة التالية للعاصفة بعد الحوثيين، لكونهم القوى الجهادية والراديكالية الأكبر في الداخل اليمني، بخلاف داعش التي لا زالت تبحث عن وجود حقيقي على الأرض هناك، وهو ما يفسر حديث المتحدث باسم العاصفة أحمد العسيري، بأنه لا يستهدف القاعدة والدواعش. ثانيهما: الترقب الحذر لمجريات المعركة الدائرة رغبة في الاستفادة من ذلك الوضع للملمة أوراقه بغية تعبيد الطريق أمامه مرة أخرى، لإعادة تموضعه في المشهد اليمني مجددًا فور سقوط الحوثي وفض شراكته مع المخلوع علي عبدالله صالح وتقهقر الجيش الموالي له، خاصة بعد خروج 300 قاعدي من سجن المكلا، مما حدا بمراقبين اعتبار الوضع الحالي سكون ما قبل العاصفة. صفوة القول.. أثبتت عاصفة الحزم بلا مجال للشك أهمية إعادة النظر في مكون الإسلام السياسي وجدوى دمجه مجتمعيًا وسياسيًا، ومدى إمكانية أن يلعب دورًا رئيسًا في مجابهة الآخر الراديكالي، سواء أكان ذلك في الحالتين السنية والشيعية على حد سواء، وهو الخطأ الذي تبنته سياسات بعض الأنظمة العربية في السابق، ولا زالت أخرى حتى اللحظة لم تع خطورة وضع الإسلام السياسي مع الآخر الراديكالي في سلة واحدة. نقلا عن موقع: أخبار العالم