حينما لا يتحرج عملاق مثل الشافعي، في مراجعة أفكاره وهو المدرك لخصوصية وطبيعة الشعوب وأمزجتها ووجدانها، فالعراقي الصارم والعنيف يختلف عن المصري المعتدل والمرن، وهي البيئة التي وفد إليها قادما من العراق، يصدر هذه الأيام، مجموعة من الباحثين السلفيين دراسة بعنوان " ما بعد السلفية إلا الضلال "، هذا الكتاب الذي تعددت القراءات حوله بين مؤيد لما جاء فيه وبين ناقد له بحجة أن فيه من الأخطاء ما سوف يهلل له أعداء السلفية وخصومها مثل قول أصحاب الدراسة بأن مآل السلفية الأفول الذي يضيّع على الأمة الخير الكثير ويدخلها في ظلمات الشرك والضلال، وفي كل الحالات الخلاصة التي ننتهي إليها، هي أن السلفيين يجعلون من مدرستهم دينا لا يجوز الخروج عليه ومن قام بذلك فقد ارتد عن الإسلام، وهذه مصادرة لحرية الفكر والرأي والاجتهاد الذي ضرب الإمام مالك أروع المثل، حينما عرض عليه الخليفة إلزام الأمة بالموطأ الذي ألفه ولكن رده الحكيم الذي يجب أن يتعلم منه الجهلة والمتزمتون اليوم، هو الرفض لهذا العرض لأن الصحابة تفرقوا في الأمصار ولكل منطقة مجموعة من الأحاديث التي اختصت بها دون غيرها، وبالتالي لا يجب أن نلزم الناس على رأي واحد، أليس من الأولى لأهل الجزيرة العربية الاقتداء والتمسك بمذهب دار الهجرة الحضرية بدل التمسك بإمام دار نجد البدوية المافياوية (عرف عن أهل نجد، كما جاء في العديد من المصادر التاريخية، الغارة على قوافل الحجاج والقرصنة و منها خرج مسيلمة الكذاب والمرتدين الذين منعوا دفع الزكاة للخليفة الصديق رضي الله عنه، ومنها خرج الخوارج الذين قتلوا الإمام علي كرم الله وجهه، وأسسوا مبكرا لمدرسة استباحة الدماء لمن يخالفهم في الرأي والتي أنتجت لنا جماعة القرامطة الدموية والحبل على الجرار، إلى أن نصل إلى ميلاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، الذي ما كان يكتب لمنهجة الحياة والانتشار لولا بركات برميل النفط؟ وفي سبيل هذا المنهج، استخدم النظام العالمي الجديد، أطيافا من المحسوبين على الإسلام وبدورهم استخدموا كل الوسائل الوحشية التي حرّمها الإسلام، ولكن للأسف كانوا يقومون بذلك باسم الإسلام مطبقين قاعدتهم الشهيرة التي اتفقوا عليها" الدم الدم، الهدم الهدم"، وهذه القاعدة اليوم، هي التي أضحت المرجع الأساسي في دستور الجماعات الإرهابية المتطرفة التي طال إجرامها حتى التماثيل التراثية التي تعد مرجعا أساسيا للتاريخ والفنون، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلقد ألقى أحد الأئمة، خلال خطبة الجمعة بأحد مساجد العاصمة، سيلا من التشكيك في عقيدة الذين قاموا بنحت الإمام عبد الحميد ابن باديس، واستنكر عليهم فعل ذلك وبجهلهم بفتوى الإمام نفسه الذي حرم التماثيل، وبالتالي يطلب صاحب الخطبة القائمين والآمرين بنحت التمثال بالتوبة العاجلة قبل فوات الأوان، والسؤال، هل يعلم وزير الأديان بمثل هكذا خطب داعشية تلقى في مساجد الجمهورية، وهو الذي وعد بتأسيس مرصد لمحاربة الغلو والتطرف وقدم نفسه على أنه خادم المرجعية الدينية الوطنية المعتدلة؟.