تنظر أغلب العائلات الجزائرية إلى طلاق البنات كلعنة تصيبها في الصميم، خاصة إذا كانت المطلقة حاضنا، ساعتها يتضاعف الهم ليطبق على أنفاس الكل، ويصير الكل يوجه أصابع الاتهام إلى المرأة باعتبارها لم تحسن الحفاظ على زوجها ويعاتبها لأنها لم تصبر كما صبرت الأخريات. ح/سامية بلغت معدلات الطلاق في الجزائر أرقاما خيالية، حيث أشارت إحصائيات حديثة عن تسجيل 60 ألف حالة طلاق سنويا، أي مايقارب 150 حالة طلاق يوميا،الأمر الذي حذر الفاعلون في المجتمع من التهاون في التعامل معه، باعتباره مؤشرا لانهيار المنظومة الأسرية ببلادنا، والتي بدأت تفقد حصانتها بزيجات لا تستمر أكثر من شهر أو شهرين، وفي حالات أخرى يقع أبغض الحلال حتى بعد 20 و30 سنة من الزواج. وغالبا ما يقدم المتزوجان على فك عروة الرباط المقدس دون التفكير في عواقب ذلك على الأطفال وعلى المحيط، وقد يفكر أحدهما أو كلاهما في الراحة واستعادة الحرية، لكن هيهات يعود الأمر إلى ما كانت عليه، لأن ما يعقب الطلاق من مشاكل خاصة في حال وجود الأطفال يستمر إلى الممات. وعلى رغم القوانين التي باتت منصفة نوعا ما للمطلقات في ظل قانون الأسرة المعدل، إلا أنها لا تنعكس إيجابا على الواقع الملموس الذي يبقي المرأة تحت رحمة مجتمع يرمقها بالنظرة الدونية. روايات المطلقات في مجتمعنا تتقاطع في الكثير من التفاصيل، لكن درجة القساوة التي تعاملن بها تتفاوت بحسب الظروف المادية لهن ولأسرهن، وأحيانا تخضع للمستوى الثقافي للأسرة، حيث تلقى عديمات الدخل هموما كبيرة ورفضا أقسى، لكن تبقى المعاناة الأكبر هي النظرة الدونية للمجتمع ومطامع أصحاب النفوس الضعيفة.
"فراق الوليد يذوب الحديد" حياة 38 سنة، مطلقة وأم لبنتين، تخلى عنها زوجها وتزوج بأخرى، و بكل بساطة ترك لها البنتين تتحمل مسئوليتهما، عادت حياة إلى بيت والديها تجر أذيال الخيبة لتصطدم بواقع أمر وأقسى، فبكل بساطة لم يعد لها مكان في بيت والديها، فكيف وقد عادت ببنتين؟ تروي حياة تجربتها القاسية مع تنكر شريك حياتها لها ومع رفض عائلتها فتقول:"كانت الأشهر الأولى ما بعد الطلاق من أصعب المراحل التي مرت علي في حياتي، حيث شعرت بأنني مدمرة نفسيا وعاجزة، كما عانيت من الشعور بقلة القيمة ومن نظرات الشفقة ومن والشماتة، واتهمني البعض بالتقصير والتفريط في زوجي وبيتي دون أن يعرفوا شيئا عما عانيته، الكل نصب نفسه حكما وانقلب ناصحا حتى من كانت حياته كلها أخطاء، اكتشفت الناس على حقيقتهم وأصبت بالإحباط لرؤيتي نظرات اللوم والتذمر حتى في عيون أقرب الناس إلي، رأيت والدي مقهورا وأنا أقتسم معه ومع والدتي البيت، قلبت روتين حياتهما وكسرت الهدوء الذي تعودا عليه لسنوات، حتى شقيقي ضاق ذرعا بنا، وطلبا مني التخلي عن حضانة بنتي، بحجة أن والدي يتحمل مسئوليتي، ووالدهما يتحمل مسئوليتهما، ومع الوقت اكتشفت أن ما طلباه مني يتحول إلى أمر لا نقاش فيه، فقد خيراني بين التخلي عن بناتي أو توفير مسكن للحضانة، لكن الإجراءات طويلة والمعاناة قصمت ظهري، أشعر أنني سأموت لو تخليت عن فلذات كبدي، فكما يقول المثل "فراق الوليد يذوب الحديد" فماذا عساي أفعل؟ الطلاق اغتيال لسمعة المرأة تواجه المطلقة مجتمعا لا يرحم، و تجد نفسها في مجابهة سلسلة من المشكلات تتمثل في تغيير نظرة الآخرين لها كأنثى وامرأة فاشلة، مقيدة في حركاتها محسوبة عليها خطواتها، فهي لا تستطيع أن تمحو الاسم الذي علق بها "مطلقة" بكل ما تعنيه هذه الكلمة في الجزائر من إعدام لها واغتيال لسمعتها، فتمضي معظم أيامها في لملمة جراحها ومحاولة تجاوز آلامها، هذا ما قالته لنا راضية التي عادت بعد 8 أشهر زواج بعد أن ضاقت ذرعا بمعاملة زوجها السيئة لها وبأمور أخرى لم يكن من الممكن تحملها كما قالت في روايتها "عشت تجربة سيئة خلال أشهر قليلة من الزواج، اكتشفت بأنني وقعت ضحية زوج غير مؤهل أصلا للزواج، فقد اكتشفت أنه عاجز جنسيا ولم أكشف سره ولا واجهته بالأمر، لكنه تمادى في عنفه معي فطلبت الطلاق، وحينما كشفت عن الأسباب الفعلية للمحكمة حصلت على الطلاق في وقت قياسي، واعتقدت أن الكابوس انتهى، لكنه في الواقع بالكاد ابتدأ، فبعد الطلاق تغيرت معاملة أهلي واعتبروني قنبلة موقوتة في البيت، ضيقوا علي الخناق في الدخول والخروج وعارضوا عودتي إلى العمل، ومؤخرا صاروا يجلبون لي العرسان بعضهم متزوج، والبعض الآخر طاعن في السن وكأنني عار يسعون إلى التخلص منه في القريب العاجل. فريدة هي الأخرى مطلقة تعيش رفقة ولديها في بيت منفرد وفره لها طليقها لراحة ولديه، لكن استقلالها في بيت وحدها كان مرفوضا من طرف أسرتها التي خيرتها بين الالتحاق ببيت العائلة أو التبرأ منها، فعادت إلى حضن عائلتها، لكن المعاناة ظلت متواصلة فالكل يتعامل معها على أنها وصمة عار، الصديقات والجارات والقريبات يخشين منها على أزواجهن."صرت أشعر وكأنني منبوذة من طرف الكل، سلوكياتي محل تساؤل، دخولي وخروجي بحساب، لقد تحولت معاملة أهلي الطيبة لي إلى علاقة تشوبها الشكوك والتساؤلات غير البريئة والنظرات المريبة، كل هذا لاعتقادهم أن المطلقة امرأة سهلة، لكنها ليست الحقيقة، فالمطلقة أيضا لها كرامتها ودينها وأصلها وكل هذا لا يتغير في المرأة بحدوث الطلاق، لكن المجتمع للأسف يرسم صورة نمطية عن المطلقات …لا أدري هل ستتغير يوما؟ كابوس.. ما بعد الطلاق بعد الطلاق تبحث الزوجات الشابات عن رفيق جديد للحياة، لكن الحقيقة المُّرة ما تفتأ تصدمهن وبقسوة مجددا، فالرجال في مجتمعنا لا يرغبون في الزواج من مطلقة، خاصة إذا كانت حاضنا لأبناء، وإذا حدث فهي تخير بين التنازل عن أولادها وبين بناء حياة جديدة، وإذا اختارت حياتها فسيدفع أبناؤها الثمن، وإذا قررت البقاء عزباء فعليها أن تتعود على المضايقات، هذا طبعا إذا لم تجبر على الزواج، وتعاني أغلب المطلقات من التحرش والتلميحات والمضايقات وكأنهن سلعة استهلاكية سهلة المنال، مما يؤثر سلبا على نفسيتهن، تقول ناريمان"بعد طلاقي، لاحظت تغيرا في سلوك بعض الرجال من حولي، اعتقدت في البداية أنهم فعلا متضامنون معي ومتفهمون لظروفي، خاصة وأنني كنت أنظر إليهم دوما زملاء محترمين، لكنني صدمت فيهم بعد أن كشروا عن أنيابهم وكشفوا عن نياتهم الخبيثة، ساعتها قررت أن أتزوج للمرة الثانية كما نصحني أهلي فالسترة مهمة في مجتمع معقد كالذي نعيش فيه، صحيح أنني لم أعط نفسي فرصة لتندمل جراحي، لكن في كل الأحوال كنت سأواجه جراحا أكبر، لأنني لا أحتمل نظرات بعضهم إلي". تروي هبة معاناتها بعد الطلاق فتقول"خلال السنة الأولى بعد الطلاق أوفى طليقي بوعوده، ولم يقصر معنا في شيء حيث كان يدفع إيجار بيت متواضع ولم ينقطع عن إعطائي النفقة، ولكن بعد مضي السنة الأولى تزوج للمرة الثانية، فانشغل عنا بعد أن أصبحت له متطلباته الكثيرة والتي تتطلبها وضعيته الجديدة، انقطع عن دفع الإيجار، فصار صاحب البيت يلاحقني باستمرار، وجدت نفسي مضطرة للجوء إلى المحاكم لإلزام طليقي بدفع الإيجار، وما إن علم بأنني شكوته في المحكمة حتى صار عدائياً معي، يتعمد تعريضي لمواقف محرجة، يتخلف عن دفع الإيجار وعن النفقة، فصار وضعي في غاية السوء، والأسوأ أنني تلقيت عروض مساعدات من طرف البعض لم تكن بريئة ولا عن حسن نية، وأولهم صاحب البيت الذي أراد استغلال وضعي، فطلبني للزواج بالفاتحة مقابل التكفل بي وبعائلتي ماديا، وبعد تفكير قررت الموافقة، لأنني أينما ذهبت سأواجه ن المطامع نفسها ولم يكن أمامي خيار آخر بعد زواج زوجي السابق وإهماله لنا".
مطلقة..مسكينة.. مكسورة الجناح تؤكد الأخصائية النفسانية بديعة بن محمد أن معاناة المرأة النفسية بعد الطلاق لا حدود لها، فالمجتمع ينظر لها نظرة دونية، فهي امرأة مسكينة، تفتقد لسترة، فهي بطلاقها تفقدها، وتصبح عرضة لأطماع الرجال لاعتقادهم بأنها سهلة أو بأنها تفتقد لرجل في حياتها، وللاتهام بالانحرافات الأخلاقية، حيث لا يتوانى البعض عن القول بأنها ليست مسئولة فقط عن انحرافها، بل عن انحراف الرجال أيضاً، "لأنها أصل الفتنة والغواية، مع أنها في الغالب ضحية مجتمع وزوج سبب لها التعاسة، لأن المرأة لا تلجأ إلى الطلاق إلا إذا اسودت الدنيا في وجهها، وبعض النساء يتعرضن للطلاق التعسفي ويذقن مرارة الفشل والألم. وتضيف الأخصائية، بأن المطلقة تحتاج إلى فترة قد تطول أو تقصر ليعود لها التوافق النفسي، بدءا من مرحلة الصدمة، حيث تعاني المطلقة فيها من الاضطراب الوجداني والقلق بدرجة عالية، مرورا بمرحلة التوتر، فيغلب عليها القلق والاكتئاب وتتضح آثارها في الأساس بالاضطهاد والظلم والوحدة والاغتراب والانطواء والتشاؤم وضعف الثقة بالنفس، وعدم الرضا عن الحياة.