الباء حرف من حروف الجرّ، تفيد الإلصاق أساسا كقولنا "أمسكت بيدك" مثلا، والإلصاق لا يفارقها مهما اختلفت معانيها الأخرى واستعمالاتها المتعددة.. ذلك لأن الباء قد تستعمل للاستعانة، رسمت بالريشة أي مستعينا بها،أو للسببية والتعليل أو التعدية أو العِوَض أو الظرفية أو المصاحبة أو القَسَم … كما قد تأتي زائدة بصيغ متعددة.. إن هذا الاستعمال المتعدد لحرف الباء هو الذي أفقد الكثير منا البوصلة اللغوية وجعلنا نضيع في استعمال الباء، فكثيرا ما نستعملها خطأ في غير محلها، وفي الكثير من الأحيان الأخرى لا نستعملها في مواضعها الطبيعية التي لا يجوز استعمال غيرها فيها .. فقد شاع بين الناس القول، أنا لا أثق فيه، أو قول القضاة والمحامين والصحفيين وغيرهم "المشتبه بهم" في إشارة إلى المتهمين.. وهذان أنموذجان شائعان.. والحقيقة أن الفعل "يثق" يتعدى بالباء، والفعل يشتبه لا يتعدى بالباء.. ولا يمكن للباء التي قد تستعمل للظرفية لتؤدي دور ال "في" في مواضع أخرى – أن تعوض حرف الفي هنا بالذات مثلا، لأن "يشتبه" فعل يتعدى بحرف ال "في.." لقد جاء في لسان العرب: "الثِّقَةُ: مصدر قولك وَثِقَ به يَثِقُ، بالكسر فيهما، وثاقةً وثِقَةً ائتمنه، وأنا واثِقٌ به وهو موثوق به، وهي مَوثوقٍ بها وهم موثوق بهم؛ فأَما قوله: إلى غير مَوْثوقٍ من الأرض تَذْهَب، فإنه أَراد إلى غير مَوثوقٍ به، فحذف حرف الجرّ فارتفع الضمير فاستتر في اسم المفعول." وجاء في معجم المعاني:" مُشتَبَه: ( اسم ) مفعول مِن اِشْتَبَهَ. رَجُلٌ مُشْتَبَهٌ فِي سُلُوكِهِ : يُشْتَبَهُ فِيهِ، الْمَشْكُوكُ فِيهِ، مَشْبُوهٌ..