الحلقة 33 أبو العباس برحايل لقد أرادت مرة فرقة كومندوس من جيش التحريرأن تنصب كمينا لرتل من آليات العدو كانت في مهمة تمشيط في منطقة قريبة من جبل بوطالب أثناء عودتها إلى ثكناتها بنقاوس، وجهز بيتنا عشاء فخما وباللحم للفرقة التي كانت تتكون من نحو اثني عشر فردا مسلحا.. تناولوا العشاء في حبور وكنت قريبا منهم أتفرج على أسلحتهم فجذبني أحد الجنود إليه ووضع قبلته على خدي وكان أنفي يسيل بمخاط البرد؛ وكنت في هيئة عتمة مزرية؛ وفهمت من حديثه لزملائه يقول لهم وأنا بعدُ ما أزال أقف في حضنه ما معناه؛ إنه من أجل مستقبل أمثال هؤلاء الأبناء نضحي بكل نفيس.. سارعت الفرقة إلى أخذ مكانها في مدرج التافزة وهو موقع صعب يتكون من صخور رملية عظيمة والطريق الضيق فيها ملتو متسلق للصخور في انحناءات خطِرة ومنعرجات حادة.. وكان الرتل لو جاء للمرورلتم القضاء عليه تماما؛ لكن الرتل يكون علم بالكمين فأخذ حذرة وغير مساره.. ومضى إلى نقاوس من منفذ آخر.. فما شاهد المشتى غير حملات التمشيط المروعة؛ أما الاشتباكات والمعارك الطاحنة فكانت كلها حول المشتى وبعيدة عنه؛ وكانت أول حملة مروعة .. حملة خرج فيه العسكر على أقدامهم من غير آليات لأن الآليات بأزيزها وضجيجها تنبه من تستهدفهم الحملات وتستنفرهم فيتسربون إلى مخابئهم وأماكن منعتهم فلا تحقق الحملات أهدافها .. كان المسؤولون قد رتبوا لأهل المشتى نظام التداول على الحراسة والعس ..في الليل فردان وفي النهارعساس فرد.. زحف العسكر وتسلقوا المدرج الخطِر لمنحدر صخور التافزة الذي يتخذ العساسان من قمته الاستراتيجة المشرفة نقطة ارتكاز ومداومة لهما؛ وما هال العساسان إلا خشخشة الأحذية العسكرية وهسيسها في تصادمها بالصخور تقترب وئيدا وئيدا من مكمنهما .. فأطلقا ساقيهما للريح .. وتملصت فردة حذاء من رجل أحدهما؛ فالتقطها العسكر.. تمكن أحدهما وهو سي المبارك بوطارن من الهرب والنجاة ( الذي سيعين فيما بعد مسؤولا على المشتى؛ ثم عضوا في اللجنة الشعبية للقسمة وفي صبيحة تعيينه رئيسا للجنة؛ وبسبب وشاية يتم القبض عليه مع أغلب فريق اللجنة ويتم إعدامهم جميعا في عين المكان..) أما صاحبه عيسى بن تأتاء فقد اتجه إلى بيته القريب من مكمن العسة وأخرج ثوبا عسكريا مما حازه أثناء الخدمة الإجبارية في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية وراح يسعى به يبحث له عن مخبإ ليدسه فيه؛ وألقى عليه العسكر القبض متلبسا بإخفاء لباس عسكري!.. فقاسوا على رجله فردة الحذاء التي نشلوها من مكمن العسة؛ ومع أن الفردة أوسع على رجله لأن بوطارن كان عملاقا إلا أنهم تشبثوا بالتهمة.. فقيّدوه ووضعوا في قدميه السلاسل حتى لا يستطيع الفرار وأخذ ما يلزم من الصفع والركل ووضعوا على ظهره حملا ثقيلا هو جهاز الاتصال اللاسلكي الذي يرتفع منه سلك إلى عنان السماء..