الحلقة 28 أبو العباس برحايل وآخذ من المخبإ سارقا بعض الأشياء التافهة من تلك السلعة مثل حبات الحلوى وعلب الكبريت وما شابه مما يصلح للعب..ثم وقد اشتدت الحرب، وتكثفت عمليات التمشيط، فقد صارت رؤوس أغنام الحي تبيّت في مشتى أولاد محبوب القائم بالشعبة؛ وكانت إحدى عماتي مقيمة هناك وصارت إحدى حجرات المشتى حانوتا يداوم فيه أحد الشيوخ الكبار من المالكين بعد أن التحق عمي بالثورة نهائيا، فكانت أمي تبعثني إلى المشتى عنوة للمبيت هناك وكأنما تخشى علي من مداهمات العسكر المباغتة؛ فكنت أنام عند ذلك الشيخ في المحل فإذا خرج لحاجته؛ وقد تظاهرت بالنوم؛ أنهض لصندوق النقود وآخذ منه قبضة وأدسها في جيوبي.. ثم في الغد؛ وفي وضح النهار آتيه؛ وأشتري منه الحلوى وغير ذلك وكان شيخا غافلا.. واكتشفت بنات عمتي ما لدي من فلوس فطلبن مني مرة أن أشتري لهن تمر الغرس ليصنعن لنا به كعكة الرفيس التونسي ولم أمانع.. وشاع عني أني أسرق..ولأن مفتاح المحل كان يودع لدى بيت عمي؛ فقد كنت من حين لآخر أسرق المفتاح وأذهب إلى الدكان وآخذ منه ما أريد من التوافه وأعني الحلوى خاصة وبعض قطع النقد.. واكتشفت أمي ذات يوم في جيوبي أربعين قطعة من فئة الخمسة فرنكات وهو مبلغ يساوي في ذلك الوقت قيمة أجرة يوم من عمل يدوي .. صادرت مني المبلغ وهي تغلي وترعد وتهدد أنها ستفضحني عند أبي، وهي تعلم تماما من أين حزت هذا المبلغ، رغم أني ادعيت حالفا لها بأغلظ الأيمان بأني وجدته في الطريق!.. لم أرعو؛ وسرقت المفتاح ذات يوم؛ لكني وربما بسبب الخوف لم أستطع أن أفتح به باب الدكان .. فدسست المفتاح في ساقية متربة على أمل العودة للدكان حين تتاح الفرصة.. لكن المفتاح يضيع لأني لم أجعل له أي معلم وأقلب الساقية رأسا على عقب دون أن أجد له أثرا.. وافتقد المفتاح ووجه إصبع الاتهام لي كما هو منتظر؛ وتثور أمي محامية عني تدفع التهمة وتردد لازمتها التي تغنيها كل حين، في أن هذه الحقرة لابنها متأتية من كونها هي أجنبية ولو كانت ابنة الدوار ما وجهت التهمة لابنها هي !!. وبعد مرور وقت طويل صعد المفتاح من الساقية صدئا مزنجرا؛ ولم يعد أحد في حاجة إليه؛ وقد بدل قفل الدكان..ولم يبق لي للسرقة غير منفذ واحد هو التسلل للمخبأ الذي تخزن فيه السلعة.. وقد أخذت مرة دزينة كاملة من الأقلام وبعتها لزملائي في مدرسة الثورة بأرخص قيمة، ومع ذلك لم أستخلص من زبائني الخونة! تلك القيم حتى اليوم..إلا أن تهمة السرقة قد ثبتت علي.. وكلما شوهدت لدي حاجة من الحاجات غير المعهود علي اكتسابها، سئلت من قبل الصحب: أنى لك هذا؟!..