الحلقة 43 ولم يدم الحال؛ وبعيد ظهيرة أحد الأيام من رمضان ونحن في الجامع ؛كادت طائرة هيلوكبتر تقشع عن السقف ديسه وحطت هناك في حينا قرب البيوت.. وخرج من الطائرة عساكر قام بعضهم بمحاصرة البيوت فيما قام آخرون بالتفتيش؛ ولمحت النسوة من بعيد مدنيا بعمامة صفراء ويشير على العسكر بالبيوت التي عليهم أن يفتشوها أولا؛ وكان الأمر يتعلق ببيت عم الفتاة وكان جنديا مجاهدا؛ ثم بيت عمي سالم خالها وكان عضوا في اللجنة وكاتبها؛ ثم بيت أحد أخوالها وكان فدائيا.. وأسفر التفتيش عن خيبة أمل؛ ذلك أنهم لم يجدوا أحدا من هؤلاء المبحوث عنهم..بل لم يجدوا رجلا واحدا؛ وطارت الطائرة مخلفة غبارا كثيفا عائدة إلى نقاوس.. لقد أراد العاشق الولهان أن ينتقم من المرأة التي رفضته وأن يؤذيها بطريقة مخزية .. ولكن كيده عاد إلى نحره.. في المساء وبعد تناولنا لشربة الفطور؛ وكنا في شهر رمضان، تفاجأنا بأفواج من العسكر الراجلين يزحفون نحو الحي تحت ظلال الغبش .. كنت وأمي وأخوتي في تضام بسبب الرعب والبرد معا؛ قد التصقنا بجدار الحوش وأبصارنا شاخصة في الأشباح الجهنمية القادمة نحونا ..وكذلك فعل كل أهل بيت أمام بيتهم؛ ولم يجدوا من الرجال غير راعي الحي الذي كان في نحو السابعة عشرة سنة فأخضعوه لشر عذاب.. أما أنا الذي أبلغ الرابعة عشرة تقريبا فقد هموا بي؛ حين جذبني أحدهم من الثياب اللاصقة بصدري؛ لكن والدتي نزعتني من بين مخالبهم وهي تصرخ؛ ابني.. ابني.. فاضطروا على صراخها أن يخلوا سبيلي.. وبدأ الثلج يتساقط فأمرونا نحن الصبية والنساء أن نتكدس في بيت عمتي .. فيما أبقوا على الراعي وجدي معهم في بيت جدي.. وإذا كان جدي قد أعفوه من التعذيب البدني لشيخوخته التي لا تحتمل التعذيب فقد عذبوه نفسيا بالشتم وقول الفحش؛ فيما بات الراعي المسكين تحت فنون التعذيب. باتت النسوة في حال من الهلع والترقب خوف الاغتصاب؛ فيما كانت العجائز ينصحنهن بتسويد وجوههن بسخام القنديل ونحوه؛ حتى يبرزن في أبشع صورة ممكنة!..وحين تقدم الليل اقتحم علينا البيت المكدس بعضُ العساكر ولم أع بدقة ما قالوا لكنهم فيما يبدو؛ قدموا بعض الضمانات المطمئنة لكي ننام من غير خوف وقلق..