الحلقة: 44 .. وحل وقت السحور، فقدمت عمتي ما تيسر لديها لا أدري كيف تناولناه.. وأصبحنا ولم يغمض لنا جفن إذ يستحيل النوم والعساكر في البيوت المجاورة والليل ذو شجون.. وسمعنا طلقات نارية عدة مرات وفي أماكن مختلفة قريبة وبعيدة.. وتقدم منا أحدهم وطلب من عمتي أن تطبخ لهم ثلاث دجاجات أو أربع مقابل ذلك الهدوء الذي لم يعكروه ليلا.. وفعلا تم لهم ما أمروا به فأخذوا دجاجاتهم المطبوخة وانسحبوا من الحي لكن في اتجاه الشعاب غربا، فيما اتجهت آلياتهم نحو الأراضي السفلى جهة الجنوب؛ وهي مناطق صعبة وشبه خالية قلما سارت فيها هذه الآليات.. وقد أسفر الصبح عن طبقة خفيفة من الثلج لم تلبث أن ذابت.. وعلمنا فيما بعد أن زخات الرصاص كانت تطلق على العائدين من مساربهم؛ والذين سرعان ما يكتشفون بحدسهم حالات غير مألوفة؛ فيعودون على أعقابهم فارين قبل الوصول إلى الحي؛ وعندئذ يتعقبهم العسكر مطلقين عليهم النيران بلا جدوى، ورغم أن العسكر نصب كمينا للعائدين وقد تخفوا في البيوت فلا يظهر أفراده وإذا توجب عليهم الظهور خرجوا ملفعين في برانس كما لو كانوا مدنيين من سكان الحي.. لكن تمويههم لم ينطل على أحد.. ولم يقترب أحد من البيوت.. وعند العشاء ليلا ظهرت الآليات بأضوائها عائدة من عمليات الدهم والاحتلال في الأراضي السفلى متجهة نحو الحي ولا أحد يدري إن كانوا عابرين أم سيتمركزون في الحي.. وطلبت منا النساء أن نغادر الحي وهن يخشين على أنفسهن التعرض للفضيحة أكثر مما يخشين علينا من تعذيب.. أنا والراعي الذي نكل به البارحة أشد تنكيل وأحد أبناء عمي.. أين نذهب؟ لم تعد هناك أي شعبة من الشعاب التي كنا نلجأ إليها آمنة.. ووجدنا أنفسنا أنه علينا ألا نكون في الحي وكفى، فقد تحدث فضائح وفظائع لا ينبغي أن نشهدها؛ فخرجنا منكشفين نحو الشمال؛ ومع أن الآليات مازالت بعيدة عنا لكن أضواءها المبهرة كانت تلوح أحيانا ساطعة بين أقدامنا فننبطح أرضا حتى لا نُرى.. ذهبت وابن عمي إلى بيت عمتي التي كنت قضيت عندها عدة شهور حين التحقت بالمدرسة لتعلم العلم! فيما ذهب الراعي إلى ذويه..