وسيروا في مناكبها النيجر ذلك البلد المحاذي للجزائر من الناحية الجنوبية، يعاني من قسوة الطبيعة والجفاف المستمر، مما سبب له "مجاعة"، عفواً .. حسب التعبير الرسمي" أزمة غذائيةحادة"، وذلك خوفاً من " الأيتيكيت " الرسمي للدولة والتشهير المشوه للسمعة. وقد يرجع الفضل بعد الله.. إلى الصحفي الأخ والزميل عبد القادر عياض من قناة الجزيرة، في إحدى برامجه،كشف هذه المأساة، فكانت الدافع الرئيسي لكي يتحرك المجتمع الدولي، وبالأخص عندما تجد أكثر من 36 مليون نسمة من النيجريين معرضون للموت جوعاً سنوياً. وقد حمسني عبد القادر عياض، بحكم مسؤوليتي في الهلال الأحمر القطري لتقصي الحقائق، وتقديم المساعدة لهذا البلد الذي كان يعرف قديماً كمنارة للإشعاع الثقافي والديني لمدينة تمبكتو، وطرقها الصوفية في نشر تعاليم الإسلام. وفعلاً فقد كان الدافع الحاسم لزيارة البلد العديد من المرات، واصطحابي في إحدى المرات فريق من قناة الجزيرة لتقديم حصص تنظر من زاوية إيجابية للنيجر؛ زاوية المجتمع المدني، التعليم القرآني، دور الطرق الصوفية في الحياة السياسية، التعليم العربي،كما أنني من خلال المنتدى الذي أترأسه حول القانون الدولي الإنساني التابع للجنة الإسلامية للهلال الدولي أحد مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي؛ والنشاطات التي قمت بها سواء مع الصليب الأحمر النيجري، أو المجلس الوطني (البرلمان) أوالمؤسسات والوزارات الحكومية والمجتمع المدني قد ساهم في إرساء شراكة مع مختلف قطاعات الدولة، ففي إحدى المرات استقبلن من قبل رئيس الجمهورية السيد تانجا محمد وفتحنا العديد من الموضوعات الخاصة بالسياسات الإنسانية، وكذلك السبل العلمية للقضاء النهائي على هذه الأزمة .. فلمست منه الصدق والنية الخالصة في التعاطي مع المأساة، نظرا لتوجهه وتأثره بالعالم العربي والإسلامي، كما أنني أحياناً لعبت دور المترجم مع فريق الجزيرة الذي اصطحبني، وبالأخص أثناء التسجيل مع رئيس الجمهورية لقاء خاص الذي تم بثه.
فقد تشعر من خلال مقابلتك رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان أو رئيس الحكومة أو الوزراء البساطة في التعامل والرغبة الصادقة للتعاون. ومن بين الأمور التي استوقفتني أثناء تدفق المساعدات الإنسانية في هذا البلد البائس، هو قيام إحدى الدول بإرسال شاحنة مساعدات مليئة فقط بأكياس شبس وقارورات كوكا كولا؛ وكأن النيجر وصل إلى مرحلة الكماليات .. والقصص في هذا السياق، قد تتعدد وتتشعب، وتعتبر النيجر جزءا من الصحراء الكبرى فتنتشر فيها المساحات الصخرية والرملية الواسعة مع وجود بعض الواحات، لذلك تلاحظ في هذه الطبيعة القاحلة الهادئة والقاسية في نفس الوقت تضم العديد من الكتاتيب القرآنية والزوايا الصوفية؛ الأمر الذي دفعني إلى زيارته، أين التقيت الخليفة الشيخ موسى أبو بكر هاشم كيوت شيخ الطريقة التيجانية الذي يقطن في مدينة جوت، وهي العاصمة الروحية توجد فيها المدرسة القرآنية التي تم دعهما ودعم السكان القاطنين فيها، فشيخ الزاوية مبجل ومحترم وكلمته مسموعة، وفي آخر الزيارة أثلج قلبي الخليفة الشيخ موسى أبو بكر بدعاء قائلا " .. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمطر عليكم نعمة الغراء ويديم لنا هذه الأيادي البيضاء، ويتم نعمة كل أمل وملاذ لذوي الحاجات من المؤمنين بمنه وكرمه" آمين، وأسأله أنا بدوري أن يحفظ بلداننا العربية والإسلامية من بلاء الفقر والمجاعات وغلبة الأعداء.