في بعض الأحيان عندما أعيد بيني و بين نفسي أحداث العشرية السوداء التي مرّت علينا أقول: لقد كرهنا ذلك و تألمنا على تلك الأحداث و بكينا على من مات و من لم يظهر لهذه الساعة لكن لعلّ ما حدث كان خيرا لنا و درسا لمستقبلنا..و ها نحن نستفيد منه في هذا الوقت الحرج الذي يمر عليه العالم العربي!!. لا أدري ما كان سيحدث لنا اليوم و لوحدتنا و لوطننا لو لم نتعلم من ذلك الدرس المؤلم الذي ألّم بنا!؟..هل كنا سنصل مثلا للحالة التي تعيشها ليبيا اليوم أو لحالة سوريا و العراق!؟.. أو أن وطننا كان سيُقسّم إلى نصفين مثل حالة السودان وإلى أجزاء متعددة مثلما يخطط في الخفاء و في العلن للعراق و سوريا!؟..كم كان عدد الضحايا سيكون و كم كنا سنفقد من أرواح الشباب و الشيوخ والأطفال..هل كان العدد سيتوقف عند ما فقدنا في العشرية السوداء أم كان سيتعدى الملايين؟.
لقد أصبح ظاهرا اليوم للعيان بأن ما كنا نقرأه في الكتب عن مخططات تقودها دول و جماعات وأفراد أصحاب نفوذ مالي وفساد عالمي ومنظمات إرهابية من أجل إضعاف الدول و تشريد الشعوب و الاستيلاء على خيراتهم حقيقة مرئية نعيش لحظاتها بكل مرارة و نحن نرى ما يحدث لإخواننا العرب.
إن الذي يهمنا اليوم هو أن نكون في مستوى كل هاته الأحداث..و أن لا نترك لأي دخيل يريد الزّج بنا إلى التهلكة..نحن مطالبون بأن نتعلم من دروس غيرنا و درسنا الذي مرّ علينا في مختلف الأحداث التي ألمت بالمجتمع الجزائري منذ الاستقلال إلى غاية هاته اللحظة..لابد من فهم صحيح ووعي دقيق بأنه ليس لنا وطن غير الجزائر..و بأن هناك قُوى غربية تعمل مع قوى داخلية لزعزعة أمننا و تحقيق خارطة طريق لمصالحها ولأهداف ماسونية عالمية.
إن اليوم الذي نقبل فيه الدفع بالوطن في تيه التخريب و الاقتتال -لا قدر الله- عندها سنخسر جميعا.. وسنتشرد أيما تشرد..و سنبكي مثل النسوة..و سنندم يوم لا ينفع الندم..و ستتكالب علينا كل القوى الحاقدة بما فيهم من هم من جلدتنا..وعندها لا ينفع تعصب الأمازيغي لأمازيغيته ولا العربي لعروبته ولا المتمدن لمدنيته..ولا الريفي لريفيته..ولا تفيد عندها لا الجهوية ولا العنصرية المقيتة لأي عرق أو أصل..لأن المقصود هو الوطن وخيرات الوطن من غاز و بترول وغاز صخري و أراض شاسعة للزراعة و مياه و خيرات المناجم التي توجد عبر أراضينا المختلفة.
لابد من يقضة دائمة وأن نحارب بكل هوادة دعاة الفتنة وعشاق الصيد في المياه العكرة..كما يتطلب من كل القوى السياسية أن تتجنب في هذه الأوقات الحرجة توترها مع السلطة وأن تؤجل مطالبها السياسية كالتي عودتنا عليها إلى وقت قادم..فلا ظروف الوطن ولا الظروف العالمية التي تحيط بنا تصب في مصلحة هذه المطالب..ولابد من الجميع سلطة و معارضة..كل الخيرين أن يعملوا كرجل واحد من أجل تضميد الجراح في مدينة غرداية وأن يتحمل كل واحد مسؤولياته أمام الله و أمام التاريخ و تقوية رابطة الوحدة وغلق مداخل الشيطان وإسكات أصوات وأبواق الفتنة.
لقد علّمنا التاريخ بأن الحلول الحقيقية والناجعة هي التي نصنعها بأيدينا مهما كان نوع و حِدّة الخلاف بيننا..و أن الحلول الخارجية والسماع لصوتها هي مهلكة لنا و لن تعود أبدا علينا بالخير والهناء..و عندما أقول لابد على المعارضة أن تقلل في نبرة تعاملها مع السلطة إنما أقول ذلك من باب ترتيب الأولويات..فأولويتنا اليوم هي عزل ومحاربة هذه الفتنة القائمة.
إن الخروج من الشخصانية وحب النفس والظهور على حساب مصلحة و وحدة الوطن هو عين الجهل..و الهالك لنا والحالق و الحارق لكل منجزاتنا..ففي هذه المرحلة مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن نعود لرشدنا من خلال خطاباتنا وكتاباتنا وتصريحاتنا..فأن نأكل خبزا و نشرب ماء خير من أن يضيع منا هذا الوطن العزيز ونعيش بقية حياتنا مشردين بين الأمم و الدول أو أن نتقاتل ونتناحر فيما بيننا. أيها الجزائريون نحن أمة واحدة..نحن مسلمون و كفى..نحن مختلفو الثقافات و فيها كمالنا..نحن جزائريون و نفتخر..فالله الله في الوطن و في وحدتنا.