كم من خبر عابر مرّ عن موت أحد المشاهير وهو حيّ يُرزق، وكم من حيّ رثته الناس ببكائيات، و أهدته ورودا، قُرأت عليه فاتحة الكتاب، ودُعي له بالرحمات، وغُمد في التراب في الغيب وهو لا يدري، وكم من شهير سمق اسمه في عالم الشهرة، اُنتزعت روحه من جوفه، وحفته النّاس بالرّحمات، وواست أهله وهو لا يعلم أنه قُبر، و أصبح في عداد الموتى، و أضحى خبر موته على لسان كل خطيب، إنّهم ضحايا الاغتيال الالكتروني، الذين قتلتهم الإشاعة، وقبرتهم من الوجود، وصُلّت جنائزهم في السّاحات الافتراضية، الفايسبوك و التويتر، وهم أحياء يرزقون. قبَرهم مرضى الهوى من الوجود، و وأدوهم وهم أحياء، و وعُرّجت أرواحهم إلى السّماء، من أجل إفراغ مكبوتات وعقد نفسية ظلّت عالقة بهم، جعلت حياتهم نكدة، لن تتسلّّى إلا بموت الآخرين، فكم مرة قُتل عثمان عرويوات، ومثله حزيم، وكم مرة قٌتل كريم بوسالم، وبكاه الناس في الفايسبوك، أمّا خارج جغرافيتنا، فكم مرة قتل عادل إمام ونور الشريف قبل أن تفيء روحه إلى ربها والى الأبد، وآخر ضحايا الاغتيال الالكتروني شاعر عراقي كتب قصيدة "نحن شعب لا يستحي"، فعلّق على حبل المشنقة، وأعدموه في ساحات الفضاء الأزرق، وركبّوا له صورا إعدامه وكأنه اعدم حقا. ظاهرة انتشرت في السنوات الأخيرة وليست طبيعية بالمرة، إنّها ظاهرة الاغتيال الالكتروني، و وأد الناس أحياء، ظاهرة تحتاج لتحليل نفسي واجتماعي دقيق، فمن يطلق مثل هكذا إشاعات قتل، فهو بلا شك شخصية غير سوية تعاني من مركب نقص، وتحمل أمراضا نفسية واجتماعية تتلذذ بحزن الآخرين، ولا مجال للتّسلية عندها إلا بإطلاق رصاصات رحيمة على أحدهم، وقبره الكترونيا، ما تفتأ تنزل الرّحمات ورسائل المساواة لأهله، وتبكيه الناس بالآلاف على الوسائط الاجتماعية. جريمة الاغتيال هذه ليست فعلا عارضا أو وليدة صدفة، إنّها وبحق لا تختلف عما يرتكب من جرائم في أرض الواقع، فكم شخص هوت به هذه الإشاعات إلى جوف الأمراض النفسية، فأضحى يحتضر وهو في كامل قواه الجسمية، أمّا من كان يعاني من مرض، فلاشك أن الوسوسة والهواجس سكنت مخيلته، تطارد سكينته، يحسب كل غشيّة عابرة أنّها غشيّة الموت، التي تسلّلت خيوطها من الشبكة العنكبوتية من عالم افتراضي، لتتجسد حقيقة في العالم الواقعي، فيتخيّل أنّها النّزعة الأولى التي تليها بقية النزعات، فيعيش بقية حياته هما وكمدا. كم من شخص دخل اسمه عالم الشهرة من باب السنيما أو الإعلام أو السياسة، يتأبط هاتفه صباحا أو مساء، سرعان ما يجثم جامدا في مكانه، وهو يقرأ خبر وفاته بحادث مرور، أو سكتة قلبية، أو بعد معانات من المرض، والناس تبكيه، وتترحم على روحه، وتسأله الله أن ينزل عليه الرحمات، ويرزق أهله السلوان، بينما هو حي يرزق، يقضي مشاغله، والناس تريد إسراءه من الوجود إلى دار لا عودة منها، من طرف أصناف من البشر يتقطعون ألما، وهم يرون هؤلاء المشاهير يعيشون، فالأولى قبرهم الكترونيا، فتكفي رصاصة عبر الفايسبوك لتصيب أحدهم بمقتل، وينتشر خبره كالنار في الهشيم، ويفرغ القتلة شحناتهم و مكبوتاتهم وعقدهم النفسية، التي نسأل الله أن يشفيهم منها، حتى تغلق قائمة ضحاياهم المفتوحة، والتي حتما لن تتوقف عند عمر أو زيد.