قصدت السوق المركزي في مدينة الدوحة لأقتني تمرا سعوديا يسمى " السكري" لأنني بطبعي مدمن على " دقلة نور" التي أجلبها معي من الجزائر وأوصي زملائي باقتنائها لي كلما يمموا شطر الجزائر .. تمر السكري أقرب إلى الدقلة مذاقا أو هكذا يُهيأ لي، خاصة حينما تذكرني زوجتي بقرب اختفاء آخر حبات الدقلة من ثلاجتي. هذه المرة لم تكن قصتي مع تمور طولقة وجنان بسكرة .. فعندما ولجت السوق شد انتباهي توفر الكمأ والمعروف لدينا ب " الترفاس"بكميات كبيرة وبتهافت الزبائن على شرائه .. ولأنني تربيت على حب هذا الفطر البريمنذ الصغر، وجدتني وفي غفلة مني أتناسى مقصدي وأتوجه مباشرة لبائعي " الترفاس "، وقبل أن أسألهم عن السعر سألتهم عن مصدر هذا الكمأ لمعرفتي المسبقة بعدم توفرها هذه السنة في صحراء قطر نظرا لشح كبير في الأمطار يصيب المنطقة . أجابني البائع الآسياوي بعفوية العارف بالشيء، أن هذا " الفقع " وهو الإسم الذي يطلق على الكمأ في الخليج، من الجزائر ..تكرر اسم الجزائر لدى الباعة الآخرين وبصوت مرتفع ترويجا لهذا المنتوج لدى المواطنين القطريين الذي يقبلون على شرائه بكثرة. تناولت صندوقامن الترفاس وضممته لأشم رائحته ،عبق خاص تسلل إلى دماغي، تهادت إلى نفسي رائحة رمال صحرائنا المضمخة بقطرات الندى في صباحات الشتاء الباردة، شعرت بملمس الرمال العالقة في حباته.. وهِمْتُ فيه حبا فلقد عثرت أخيرا على ما يصدح باسم الجزائر في سوق لاينافسه فيها أحد. في غيابنا الطويل سرقت منا خلسة أشياء كثيرة، نُسبت دقلة نورفي الأسواق العالميةإلىدولةجارة، وارتبط الشاي في مقاهي الدنيا بدولة جارة أخرى، وحيك البرنوس بوَبَر تم جلبه من الصينهو أيضا، وفي الأثناء ضاعت أشياء جميلة صقلتها هوية ثقافية جزائرية على مدى قرون عديدة، وفرط فيها تهاون سلطة وتقاعس منظومة حكم و تكاسل أفراد شعب. ماذا يعرف المواطن العربي قبل مواطني الدول العالمية الأخرى عن الجزائر، الجواب يكاد أن يكون لاشيئ .. فالمواطن العربي البسيط يعتقد أن الجزائر مجرد برميل نفط وصحراء قاحلة، كما يردد على سامعيك دائما لازمة أنها " بلد المليون شهيد" ،هذه العبارة التي أصبحت بفعل تكرارها بمناسبة وبدون مناسبة تختزل بلد لايعرفه . سؤال يواجهني حيثما ارتحلت في أصقاع الدنيا، يسألني الأجانب من أي بلد أنت ؟ وحينما أجيب .. من الجزائر. أجد جدارا من الصمت يلف المكان، فالواقفون أمامي لايعرفون بلدي ويجهلون أين يقع؟ وكثيرا ما اضطررت إلى تقديم درس في الجغرافيا من المفترض أن تسبقني إليه سياحة الجزائر وانتاجها الزراعي وصناعتها .. وفي انتظار ذلككله، أكتفي بمواساة رقيقة ساقها إلي الترفاس في يوم شتوي معتدل .