بقلم الأستاذ:حسين مغازي إطلالة على موضوعنا من خلال " الجندر"، وهو جدلية العلاقة بين الرجل والمرأة في ظل تحولات الأسرة الجزائرية، تعرف الدكتورة والكاتبة – منى العينه جي – أستاذة علم الاجتماع بجامعة المستنصرية ببغداد، مفهوم الجندر بقولها " على صعيد علم الاجتماع(آن أوكلي)عالمة الاجتماع في كتابها (الجنس والنوع والمجتمع)، الصادر عام 1972م، أدخلتِ مصطلح الجندر إلى عِلم الاجتماع، عندما أوضحت أنَّ كلمة الجنس، تشير إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، بينما يشير النوع Gender إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة اجتماعيا إلى الذكورة والأنوثة. وهي توضِّح الفروق بين الرجل والمرأة على صعيد الدور الاجتماعي، والمنظور الثقافي والوظيفة، تلك الفروق النابعة كنِتاج لعوامل دِينيَّة وثقافيَّة، وسياسية واجتماعية، أي أنها فروق صَنَعها البشر عبرَ تاريخهم الطويل، لتنتهي إلى خلاصة حول فلسفة الجندر: "إن فلسفة الجندرتسعى إلى تماثل كامل بين الذكر والأنثى، وترفض الاعتراف بوجود الفروقات، وترفض التقسيمات، حتى تلك التي يمكن أن تستند إلى أصل الخلق والفطرة." ولاريب أن هذا المفهوم قد تباينت فيه الآراء واحتدمت فيه النقاشات وخاصة في المجتمعات العربية الإسلامية ذات الخصوصية الثقافية والاجتماعية.ويرى أنصار مفهوم الجندر (النوع الاجتماعي)أنه يعبر عن آخر الحواجز عن طريق تحقيق العدالة بين الرجال والنساء، لأنه يشتمل التحول في المواقف والممارسات في كافة المجتمعات. أما معارضوه فيرون أن هذا الأخير يهمل ماهو متصل بدور المرأة في المجال الفيزيولوجي والإنجابي. وبين هذا الطرح المؤيدوذاك الرأي المعارض، جاء هذا المقال للتدليل على حتمية انخراط المراة في العمل الاجتماعي، وعلى الخصوص بقطاع التربية الذي يشكل المصدر الأول التي تحقق الأمة من خلاله كل طموحاتها. * ظاهرة الذكورية والقوالب الجاهزة ودون أن نبتعد عن هذه المفاهيم، فإن كثيرا من الظواهر الاجتماعية التي صنعتها الثقافات الشعبية على مرّ الأجيال بعيدة عن قيم الدين الإسلامي الصحيح مثل ظاهرة الذكورية، إذ تعرف الدكتورة – منى العينه جي – الثقافة الذكورية بالمجتمع العربي على الخصوص بقولها "الثقافة الذكورية إحدى مشاكلنا الهامة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هي الثقافة الذكورية التي أنتجت المجتمع الذكوري"، وهي تعني أن الرجل هو الذي يصنع الأحداث الظاهرة ويرسم تاريخ المجتمع، الأخطر هو استثمار المجتمعات لقيمها الاجتماعية وقناعاتها العميقة حول الفروقات البيولوجية بين الإناث والذكور إلى مجموعة من المفاهيم للتفرقة في النشاطات التي تعتبرملائمة لها. تضيف الدكتورة منى العينه جي: وربطت الفكرة هذه بأشكال التدين الرائجة في المجتمعات، فأصبحت المرأة كائن يمكن استباحته متى يشاء وكيفما يشاء تحت شعار التدين، والذي حصل هو أن التدين ظهر على المرأة فقط وطالبها بالانكفاء والتنازل عن حقوقها حتى الشرعية منها. النزعة الذكورية التي تعيشها المجتمعات العربية الإسلامية ترجع إلى تقاليد اجتماعية وثقافية تعود إلى عصر البداوة، لأن الروحية الإيجابية تجاه المرأة في القرآن الكريم والسنة المشرفة بدأت بالانحسار والتلاشي مع وفاة الرسول(ص) وانتهاء مرحلة الخلفاء الراشدين، ولأن التقاليد عند العرب أعمق وأقوى من أن تزيلها حتى تعاليم الدين. كل هذه المفاهيم تعبّر عن إسقاطات اجتماعية لواقع جديد من التحديات الفكرية والاقتصادية والتكنولوجية تؤثر في النسيج العام للمجتمع، بدءا باستهواء الشباب والمراهقين بمفردات جديدة بعيدة عن قيم مجتمعاتنا يكون لها الأثر السلبي على مستقبل المعرفة والاقتصاد وكل نواحي الحياة الأخرى، لذا وجب استغلال رأس المال النوعي المتمثل في الجانب الاجتماعي ممثلا في الأسرة وعلى رأسها دور الأم في تعديل السلوكات العامة الناتجة عن هذه الظواهر الغريبة، بل ومحاربتها بمنهجية علمية من خلال تواجدها في الوسط المدرسي، إلى جانب ترسانة المناهج التعليمية من خلال إنشاء أطر نوعية وفاعلة مثل " مجلس الأمهات الذي سيكون له الأثر الفعلي في التصدي لكل الشوائب التي تعكر الجوّ العام للمدرسة. " إن الرأسمال النوعي إذن، هو تلك الطاقات والإمكانات والمؤهلات النوعية التي يمتلكها الأفراد ويعتمدون عليها في ممارساتهم الاجتماعية وصراعاتهم من أجل اكتساب السلطة النوعية للحقل. يقول بورديو « عندما أتحدث عن الراسمال النوعي، فإنني أريد القول بأن قيمة الرأسمال تتحدد انطلاقا من العلامة التي يقيمها مع حقل معين، وبالتالي حدود هذا الحقل». يقول الدكتور أحمد مصطفى، أستاذ الأنثروبولوجيا(جامعة الإسكندرية)"المهم هو الاعتراف بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية، وهي حقوق يعترف بها الإسلام بصرف النظر عن مكابرة الرجل وبعض أصحاب الفكر المتشدد الذي يتخفى وراء دعوى المحافظة على القيم، إذ ليس فى ضمان تلك الحقوق وإقرارها خروج على القيم العليا، وإن كان فيها رفض مشروع لكثير مما هو قائم". ولذا وجبت محاربة هذا الجنوح السلبي للذكورية التسلطية وتحرير العقل بما يجعله قادرا على تقبل فاعلية المرأة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومنه إلى تحقيق ما جاء به ميثاق الأممالمتحدة في عدة محطات نذكر منها: إشاعة صور إيجابية عن المرأة تبرز مواهبها، وخبراتها، وقدراتها، وإسهامها الفعلي بصفتها عاملاً من عوامل التغيير الاجتماعي. الإسهام في القضاء على القوالب الجامدة التي لا تزال تحدد أدوار وسلوك الرجال والنساء، وتبقي من ثم على أشكال التفاوت والتمييز التي تستند إلى الجنس. تمنح الدول الأطراف المرأة في الشؤون المدنية أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل، ونفس فرص ممارسة تلك الأهلية. تتحدث الكاتبة والإعلامية الجزائرية المعروفة:أحلام مستغانمي عن كسر تابو الرجل، فتقول: "لقد اعتاد القارئ العربي على أن الإبداع مقتصر على الرجل، أمّا المرأة فمكانها في الإبداع يتلخص في الإنجاب والطبخ والكنس وبتدبير شؤون البيت". تقول الكاتبة فاطمة المحسن في هذا المجال أيضا "مثل هذه النظرة الذكورية الاستعلائية قبل وبعد زمن الخنساء، استمرت في تهميش إبداع المرأة على مرّ العصور، حيث يرى الرجل المُبدع في إبداع المرأة محض تسليات لا تُؤخذ بالجدّ الكافي، حتى أنّ المرأة المبدعة نفسها كان يُلازمها الشعور بالوهن والخوف من تجربتها ومن عدم قدرتها على الصمود أمام تجارب الرجال، فتنكفئ على ذاتها وتنسحب من الساحة الأدبية". * قدرة المرأة على التواصل قياسا بالرجل: تنفرد المرأة عموما بميزة السهولة في التواصل مع العالم الخارجي لطبيعتها اللينة في مجابهة الصعاب عكس الرجل الذي يتشبث بالواقعية والموضوعية في عمليات الحسم، ما يجلب له الكثير من المتاعب مع صعوبة الوصول إلى الهدف. "تميل النساء إلى التواصل بشكل أكثر فعالية من الرجال، مع التركيز على إيجاد حل يعمل لصالح المجموعة والتحدث بقضاياها والتعبير عنها من خلال المشاعر والعواطف، في حين أن الرجال يميلون إلى أن يكونوا أقل تعبيراً وكلاماً وأكثر عزلة". تواجد المرأة في هيئة قانونية مثل مجلس الأمهات الذي له الأثر الكبير على تطور العملية التربوية ضرورة ملحة في ظلّ الحاجيات النفسية والمعنوية للأطفال خصوصا في السنوات الأولى من التعليم. ومع تزايد الأخطار المصاحبة للتطور التكنولوجي والاقتصادي أصبح من الضرورة بمكان مساعدة المدرسة في أداء رسالتها النبيلة من خلال تفعيل دور الأسرة الذي بقي بعيدا عن هموم المدرسة وما تجابهه من صعاب بمفردها. تصاعد نسب التمدرس العالية للإناث وتصاعد أعلى نسبة من خريجات الجامعات ناهيك عن المساحة الأفقية الثقافية التي صارت تحتلها المرأة سواء في البيت أو العمل عامل آخر يضاف إلى ضرورة فسح المجال أمامها لإبراز قدراتها في التغيير نحو الأفضل وتمكينها من حقوقها بالتواجد في كل مؤسسات الدولة. * دور مجالس الأمهات بالمدرسة تقول منى الزعابي، رئيسة مجلس الأمهات، في إحدى المدارس في أبوظبي" إن مجلس الأمهات يهدف بشكل عام إلى دعم المبادرات والتشجيع على الإبداع والابتكار، والمساهمة في تحديد الظواهر السلبية والبحث عن علاجها، وندعم في الاتجاه الآخر الجوانب الإيجابية، بحيث نحاول أن نعمل على تحديد بعض الظواهر مثل العنف مثلا في المدارس، والبحث عن مسبباته وسبل علاجه، والمجلس له دور مهم جدا في الحديث عن كل القضايا التربوية، منها الخوف من الامتحان مثلا، والقيام بدورات من أجل رفع مستوى الوعي بين الطلبة، والقيام بعدد من الأنشطة والفعاليات والمشاركة في الأحداث التي تقيمها مدرسة من المدارس، والقيام ببعض الدورات منها، فن التعامل مع الآخرين، وفن التواصل، والتفكير الإبداعي، بحيث نحاول دعم العملية التطويرية ورفع أداء الطلبة". وتضيف" يجب محاصرة بعض الحوادث التي تحصل في المجتمع، من خلال دور مجلس الأمهات، فعندما يطفو الحديث مثلا عن العنف في المدارس، فالمفروض أن يكون هناك دور للمجلس في إبداء بعض الحلول، خاصة أن المدرسة لا يمكنها أن تحارب هذه الظاهرة بمفردها، والأمهات لهن دور كبير في الحديث عن هذه المشاكل في البيت أيضاً". * السياسات التربوية أهملت فاعلية الأسرة بالمؤسسات التربوية: لا تزال وزارة التربية تفتقر إلى استراتيجية فاعلة لإشراك الأسرة في المدرسة، فدور جمعيات أولياء التلاميذ بقي مجرد إطار يفتقر لآليات التواصل بينه وبين المدرسة ومكوناتها، إضافة لضبابية مواده التي سلبت منه هويته الحقيقية المتمثلة في مجالس الآباء والمهتمة بالجانب العلائقي للأبناء مع المدرسة وكيفية تطويره، فعنوان الهيئة المتمثل في كلمة "جمعية" هو أقرب إلى التموقع الحزبي والانطلاق من خلفياتها وتصفية حسابات سياسية ورهن مستقبل الأبناء بين مفردات الحزبية، فصار حال جمعية أولياء التلاميذ وعلاقتها بإدارة المدرسة مثل حال المثل الشعبي المعروف " بوسعدية خائف من الكلب، والكلب خائف من بوسعدية )، ويبقى الاستدلال في حدود المثل لا غير، وفي هذه الحدود تعكر صفو العمل بين الطرفين ولم نحقق النتيجة المرجوة والهدف المنشود، ولهذا فالوزارة مدعوة لإنتاج رؤية جديدة للواقع التربوي باقحام الأسرة عن طريق الأمهات والمساهمة في تطوير الفعل التربوي بصفة عامّة دون المساس بمجالس الآباء التي تبقى لها أدوارها المميزة. * مضار الإهمال التعليمي
وهو ما صار يطلق عليه باستقالة الأسرة من مهامها تجاه المدرسة. تتحدث الدكتورة(نعيمة الدويسان)عن مضار الإهمال التعليمي، مبرزة عدة نواتج سلبية للغاية تفتك بنفسية الأطفال. ومضار الإهمال التعليمي كثيرة، أهمها: – شعور الولد بعدم الاهتمام به من قبل الوالدين، وهذا له أثار ضارة نفسية واجتماعية، وربما يبحث عن مصادر أخرى غير موثوقة يجد منها الاهتمام. شعور الولد بعدم أهمية المدرسة، فهو عادة ما يفسر عدم اهتمام الوالدين بمتابعة دراسته بأنه عدم اهتمام منهما بالمدرسة أوبالدور الذي تؤديه في حياته، وهذا ينعكس سلباً على اتجاه الولد نحو المدرسة. تدني مستوى الأولاد الدراسي، إذ أنه من الثابت من خلال كثير من البحوث أن قوة علاقة ولي الأمر بالمدرسة له أثر إيجابي في تحفيز الطالب على التحصيل الدراسي. فقدان المدرسة لعامل المساعدة مهم لها في تحقيق أهدافها، وهو ولي الأمر ومشاركته أوتواصله الفاعلين. إن الاهمال التعليمي قد يكون سبباً لمشكلات أكبر قد يعاني منها المجتمع أو الطالب بقية حياته، فقد يكون من آثار الإهمال التعليمي تسرب الولد من المدرسة وتركه لها، أو الرسوب المتكرر، أو الانخراط في مجموعات منحرفة أو مشبوهة، وغير ذلك من الأمور التي يجتهد كل ولي أمر لأن يبعد ابنه أو ابنته عنها. * حتمية التواصل الايجابي بين الأسرة والمدرسة
ضعف التواصل بين الأسرة والمدرسة ظل العنون الأكبر منذ إنشائها، وحضور جمعيات أولياء التلاميذ غالبا ما يكون مناسباتيا بعيدا عن التأثير التربوي اليومي، لتبقى بعدها الاتهامات متبادلة بين الطرفين في تحمل أعباء النتائج السلبية للعملية التعليمية. * أين تكمن المشكلة بالضبط؟
تضيف الدكتورة(نعيمة الدويسان)منتقدة دور المدرسة الحقيقي في تواصلها مع الأسرة: * عدم إعطاء إدارات المدارس موضوع التواصل مع الأسر أولوية قصوى في برامجها وخططها، والتعلل دائما أن المبادرة يفترض أن تكون من الأسرة. إن وجد التواصل فهو تقليدي لدرجة العقم حيث لا جديد. لا يوجد ما يحفز أويشجع على ديمومة التواصل واقتناع إدارات المدارس بتواصل الأسرة المتواضع مع المدرسة. تغافل أو إغفال أهمية الدور الاجتماعي للمدرسة وماله من نتائج تحسب على التواصل، والاكتفاء بأداء الرسالة ضمن سور المدرسة فقط. * كلمة السرّ ونجاح المهمّة
التكامل العلائقي بين الأسرة والمدرسة هي كلمة السر في تحقيق كل مفردات النجاح التي نرنو إليها جميعا، العلاقة بين المدرسة والأسرة علاقة تكاملية تبادلية، فالبيت هو مورد اللبنات للمدرسة أي التلاميذ، والمدرسة هي التي تتناول هؤلاء التلاميذ بالتربية والتعليم بالشكل الذي يتلاءم مع قدراتهم ومهاراتهم وبالشكل الذي يتطلبه المجتمع، ولذا وجب إرساء معايير محددة قابلة للتنفيذ يضطلع بها أولياء التلاميذ لتحقيق أعلى سقف من نسب نجاح العملية التعليمية، ونذكر من بين هذه المعايير التالي: –التعاون التكاملي بين الأسرة والمدرسة لتحقيق أهداف التعليم. -دراسة نتائج تقويم الأداء المدرسي واقتراح الحلول وإقرارها. -دعوة أولياء الأمور لتقويم المناخ المدرسي وتقويم الاتصال معهم. – تقارير عن أداء التلاميذ وتحصيلهم. – لقاءات دورية لمناقشة القضايا التي تهم الأسرة. يقرر أولياء الأمور مدى أداء المدرسة للمهمة، ويبقى الحرص والصدق وحب الصالح العام هي أكبر المعايير التي تحكمنا جميعا لتحقيق آمال الأمة في الرقي والازدهار. وما التوفيق إلاّ من عند الله.