بتوقيع رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، على مرسوم رئاسي ينهي وبشكل تام دائرة الاستعلامات والأمن المعروفة اختصارا باسم "الدياراس"، وتعويضها ب "مديرية المصالح الأمنية" التي ستوكل للواء بشير طرطاق، رئيس الجهاز بصيغته السابقة، وستضم مديريات فرعية هي: مديرية الأمن الداخلي، ومديرية الأمن الخارجي، والمديرية التقنية، تكون البلاد قد دخلت مرحلة جديدة فعلا، وربما مرحلة الدولة المدنية التي ينادي بها البعض. قرار رئيس الجمهورية الأخير بحل "الدياراس" كان متوقعا بعد الإطاحة برئيس الجهاز المعمر فيه لربع قرن من الزمن الفريق محمد مدين المدعو توفيق، وبعض معاونيه، وذلك في إطار ما قال عنها الرئيس عقب إقالة توفيق إنها ورشة إصلاحات تم فتحها منذ مدة، لتنتهي اليوم بحل الجهاز نهائيا وتغييره بجهاز آخر يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة تكون مهامه محصورة في تقديم المعلومة لصاحب القرار دون التدخل في كيفية تنفيذ القرار ومتى، وهو عكس ما كان عليه الجهاز الذي دأب لربع قرن على اتخاذ قرارات خارج الأطر القانونية دون رقيب او حسب، أفرز من خلالها دوائر ورجال مصالح سيكونون لا محالة من أكبر المتضررين من قرار الرئيس الأخير الذي انفردت "الحوار" بنشره. الكثير من السياسيين الذين عرف عنهم ارتباطهم بالمخابرات، وبالجنرال توفيق تحديدا، والذين عرفوا من خلال دفاعهم المستميت عن الرجل بعد تنحيته من على رأس الجهاز الأمني، سيتضررون لا محالة من التغيير الذي اقره رئيس الجمهورية مؤخرا، باعتبار أن مصالحهم ابتداء من توقيع المرسوم باتت غير مصانة، لأنها كانت تتم بعيدا عن القانون وتحت الطاولة مقابل أجندة كانوا ينفذونها على الساحة السياسية بأمر من الجنرال المعزول، وهو ما تكشفه تصريحاتهم وتراشقاتهم بين الحين والآخر، فقد سبق لرئيس العدالة والتنمية عبد الله جاب الله أن اتهم متمردي حزبيه السابقين "الإصلاح" و"النهضة" بالولاء للمخابرات، كما اتهم أيضا الأمين العام للأفلان عمار سعداني زعيمة حزب العمال لويزة حنون بالعمالة والعمل لصالح الجنرال توفيق، وأنها كانت جاسوسة لديه، وهو من أرسلها الى "سانت إيجيديو" لتقصي اخبار المجتمعين هناك نهاية 1994. المتضررون من القرار ليسوا سياسيين فقط، فكثير من رجال الأعمال الذين عرف عنهم ارتباطهم بالمخابرات ستتضرر مصالحهم بصفة مباشرة، ولعل ما حدث لرجل الأعمال يسعد ربراب وكشف بعض تجاوزاته بحسب وزارة الصناعة بعد إقالة الجنرال محمد مدين من منصبه كفيلا بنقل الرسالة إلى غيره ممن شكلوا ثروة في عهد "الدياراس". اما عن المستفيد من قرار حل مخابرات توفيق وحسان وغيرهم من الاشباح، فهو أكيد الشعب الجزائري الذي عانى الويلات من تجاوزات خفافيش الظلام إبان مرحلة الفلتان الأمني التي عاشتها البلاد خلال التسعينيات حيث كثرت حالات الاختفاء القسري لأفراد اتهم أهلهم "زوار الفجر" بالوقوف وراء ذلك. كما أن تحجيم دور المؤسسة الامنية يساهم في تمدين الممارسة السياسية وترسيخ العملية الديمقراطية في الجزائر عبر طبع عمل الأجهزة الأمنية بالشفافية والوضوح، والأهم من ذلك حضورها للمسائلة السياسية. مراد. ب \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\ خبراء أمنيون وضباط سابقون ل "الحوار": قرار الرئيس يكرس احترافية المؤسسة الأمنية أجمع الخبراء الامنيون والضباط السابقون ممن استطلعت "الحوار" رأيهم في القرار الأخير الذي اتخذه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة والقاضي بحل جهاز "الدياراس" وتغييره بجهاز آخر سمي "مديرية المصالح الأمنية" والذي يتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية، وتنحصر مهامه في جمع المعلومات وتقديمها لصاحب القرار، اجمعوا على أن القرار في محله وخطوة مهمة في طريق تمدين الحكم، شريطة أن لا تكون الخطوة تهدف لخدمة النظام السياسي القائم فقط. العقيد المتقاعد السابق في جهاز المخابرات الحاج طاهر عبد السلام ل "الحوار": "الدياراس" كان رمزا للدموية وحله قرار صائب ثمن العقيد المتقاعد السابق في جهاز المخابرات الحاج طاهر عبد السلام، في تصريح خص به "الحوار" قرار رئيس الجمهورية الاخير بإعادة هيكلة جهاز الامن والاستعلام، والاستغناء عن تسميته القديمة لتحل محلها التسمية الجديدة "مديرية المصالح الأمنية" بقيادة اللواء بشير طرطاق برتبة وزير دولة يتبع رئاسة الجمهورية، وهو الخبر الذي انفردت به جريدة "الحوار" في عددها ليوم الاحد. وعاد بنا العقيد عبد السلام الى سنوات الانقلاب على الشرعية، كما يفضل أن يسميها ويقصد بذلك مرحلة الرئيس الشاذلي بن جديد، وما تبعها من أزمات ظلت تتخبط فيها البلاد الى غاية يومنا هذا، وحسب قوله لفهم التغييرات الحاصلة اليوم في الجهاز، ويقول ان منفذي الانقلاب هم من كان وراء بناء "الدي ار اس" الذي ظل رمزا للدموية نظرا للمراحل التي شهدت عنفا وعنفا مضادا منقطع النظير، اليوم وبعد 25 سنة -يضيف الضابط السابق- فإن الأمور بدأت تعود الى طبيعتها، وهذا ما كان متوقعا ومنتظرا منذ وقت بعيد لأنه لا يعقل ان تبقى الحالة ماضية في التعفن دون ان يحرك ساكنا. وختم عبد السلام بتفاؤله بما هو ات في المستقبل على الاقل من الناحية الامنية. الضابط السامي في المخابرات محمد خلفاوي ل "الحوار": "الدياراس" حلت فعليا يوم ألحقت مديرية أمن الجيش بهيئة الأركان يرى محمد خلفاوي، العقيد السابق في المخابرات، ان تفكيك الجهاز بدأ منذ مدة، يوم ألحقت مديرية امن الجيش بهيئة الأركان مثلها مثل باقي المديريات كالإعلام والاقتصاد. وهذا ما صح تسميته ترسيم التفكيك، أما من ناحية الشكل الجديد الذي جاء به فيميل الى الايجابي مقارنة بما كان عليه سابقا، بإشراف منسق، معناه ان التنظيم سيصير مفتوحا باستقلالية تجعله في استجابة هرمية الى الأعلى ستظهر ثماره في القريب العاجل. اما فيما يخص شخص المسؤول الاول عن الجهاز، يقول العقيد السابق انه يعتبر من بين الإطارات التي تتمتع بالكفاءة، وقد اثبتت ذلك في الميدان كذا مرة، يضيف، هذا ما يجعلني أبارك الخطوة في انتظار خطوات أخرى تعنى بالشق الاقتصادي الذي له أهمية بالغة هو الآخر في الحفاظ على استقرار البلاد. اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد ل "الحوار": هذه الخطوة تشبه ما قامت به الولاياتالمتحدة في 2001 يعتقد اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد ان خطوة الرئيس الاخيرة تستحق الإشادة، فعملية التطوير التي باشرها جاءت في محلها، نظرا للظروف المحلية، الإقليمية والدولية، العملية شبيهة الى حد ما بمثيلتها في الولاياتالمتحدةالامريكية في سنة 2001، التي تهدف الى اعادة التنظيم والتطوير، وهذا ما يؤدي الى ترقية تنسيق وتكامل في الجهاز الأكثر حساسية من بين الاجهزة الامنية الاخرى. ويرى اللواء ان هذه الخطوة التي يعتبرها ممتازة في نظره سبقتنا اليها الكثير من دول العالم، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على الأهمية التي صارت توليها الدول للمعلومة في جميع الميادين والمجالات من استقرار وتطور وأمن. من ناحية ناحية اخرى، ثمن عبد العزيز مجاهد اختيار الرئيس لشخص اللواء بشير طرطاق نظرا لما يتمتع به من كفاءة وخبرة فاقت 40 سنة في الميدان. الدكتور أحمد عظيمي ل "الحوار": حل "الدياراس" فكرة كانت تراود بوتفليقة منذ سنة 2000 يرى احمد عظيمي، الضابط السابق في الجيش، ان الخطوة مستحسنة، شريطة ان يكون الهدف منها هو خدمة الدولة الجزائرية، وهذا امر جميل، ويكون عكس ذلك اذا كان الهدف خدمة النظام السياسي القائم، اما العملية في حد ذاتها -ويقصد هنا اعادة هيكلة الجهاز- فليس وليدة اليوم، حيث انها تعود الى سنة 2000 حيث قرر الرئيس الحالي للبلاد عبد العزيز بوتفليقة بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة المضي بالمؤسسة العسكرية الى عالم الاحترافية، فانبثقت من اللجنة ثلاث لجان فرعية، تكفلت احداها بالشروع في بحث كيفية اعادة هيكلة جهاز "الدياراس"، التي جات بتوصيات، ابرزها إلحاق مديرية امن الجيش بقيادة الاركان والامن الداخلي والخارجي برئاسة الجمهورية، وهذا ما تم فعلا اليوم. ويبقى الجهاز في نظر احمد عظيمي من بين الاجهزة البارزة اقليميا، نظرا للخبرة والكفاءة التي يتمتع بها افراده، زيادة على الوسائل المتطورة والعصرية التي يمتلكها. عامر دراجي/ م.ب