جاء في مقولة تُنسب إلى آينشتاين: "شيئان لا حدود لهما، غباء الإنسان والكون، ولو أني لست متأكدا من الأخير". تعتبر هذه المقولة من وجهة نظر الكاتب من أكثر مقولات آينشتاين وصفا لواقعنا. فمن ناحية أثبتت الأيام شكوكه حول محدودية الكون من عدمه، ولكن الأهم هو يقينه من لا محدودية غباء الإنسان. جدير بالإشارة أن الغباء الذي يتحدث عنه آينشتاين هنا ليس الغباء الفردي بمفهومه المتداول بل الغباء الجماعي للمجتمعات والشعوب والأمم. الناظر إلى التاريخ الحاضر والقريب منه والبعيد يلحظ كيف أن شعوبا عديدة وبسبب هذا الغباء غير المحدود استطاعت أن تهوي نحو حروب أهلية دامية تولدت نتيجة قناعات كانت تبدو للوهلة الأولى ممكنة التحقيق، ولكن سرعان ما تبين أنها لم تكن سوى مشروع انتحار جماعي. مع الأسف فالبشر لا يتفطنون لهذه الحقائق إلا بعد أن تكون إشارة الانطلاق قد أعطيت لعملية الانتحار الجماعي والتي لا تتوقف إلا بعد أن يكاد يهلك الجميع. وحينها ينتبه الجميع إلى صدى صوت العقلاء الذي ظل يتردد بين جدران ملحمة الانتحار الجماعي. من هذه الناحية فإن الحيوانات تعتبر أذكى جماعيا من بني البشر بحكم غريزة البقاء التي تدفعها إلى تلافي الانتحار الجماعي. في الجزائر هناك صراع هوياتي لا يكاد يتوقف بل يزداد حدة يوما بعد يوم وكل يوم يُصَبُّ فيه بنزينا جديدا. وهناك قناعات راسخة لدى هذا الطرف أو ذاك أن مشكلة الجزائر هي مشكلة هوية، فمنهم من يعتقد أن أمازيغية الجزائر والقطيعة مع المشرق العربي ستحولها إلى جنة الله على أرضه، ومنهم من يعتقد أن الجزائر عربية هي التي ستحولها إلى جنة. من الصعب أن يستمع من يتبنى هذا التفكير الذي يكاد يلخص أزمة الجزائر في مسألة الهوية إلى رأي مخالف. وعلى الرغم من تجاوز الأمم هذا النوع من الصراعات التي تبحث في الحمض النووي للبشر وشجرة العائلة وإدراكها أن الهوية الحقيقية هي هوية المصير المشترك. وهو الدرس الذي تعلمته أوروبا جيدا بعد الحرب العالمية الثانية. إلا أن هناك من بين ظهرانينا من يسعى بلا كلل ولا ملل لدفع وتغذية هذا الصراع بغباء لا محدود مهملين انصهارا غير عكوس أمتد لأربعة عشر قرن جعل مسألة ارتباط مصير الجزائر والمغرب عموما بالمشرق مسألة لا ينكرها إلا من تملكه الغباء الجماعي الذي لا حدود له. من تجليات هذا الغباء أنه وفي بدايات ما سُمي "الربيع العربي" كان يخرج علينا كل سبت أكثر دعاة فصل الجزائر عن بعدها العربي الإسلامي ليبشرنا بربيع عربي في الجزائر. ولكن لم يسأل هؤلاء أنفسهم : وما دخل الجزائر بالعرب وما يحدث في مصر وتونس وسوريا واليمن حتى نستنسخ ربيعهم؟ ضو جمال