السلسة الأولى من رمضان برؤية جديدة رمضان برؤية جديدة (01).. رمضان والخطاب الجديد صفدت الشياطين فماذا أنت فاعل مع النفس؟ إعداد فاروق أبو سراج الذهب قال أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي، رحمه الله، في مقالة (شهرٌ للثورة) في كتابه من وحي القلم: "لم أقرأ لأحدٍ قولاً شافياً في فلسفة الصوم وحكمته، أما منفعته للجسم وأنه نوعٌ من الطب له، وبابٌ من السياسة في تدبيره، فقد فرغ الأطباء من تحقيق القول في ذلك، وكأن أيام هذا الشهر المبارك إن هي إلا ثلاثون حبة تؤخذ في كل سنة مرة لتقوية المعدة وتصفية الدم وحياطة أنسجة الجسم". مؤامرة النفس على النفس قديما قال الشاعر : إني ابتليت بأربع ما سلطوا…. علي إلا لغفلتي وكثرة عنائي الدنيا والنفس وإبليس والهوى….. كيف الخلاص وكلهم أعدائي كنت في يوم من الأيام على سفر في يوم الجمعة من شهر رمضان وحان وقت صلاة الجمعة، فتحدثت إلى صاحبي، لايسعنا الوقت لأداء الصلاة ونحن لنا رخصة السفر ويمكننا جمع الظهر مع العصر، وفي نفس الوقت تحركت في نفسي نخوة صلاة الجماعة فقلت لصاحبي ماذا سيتعطل لو أننا أنخنا "الناقة " السيارة إلى جانب الطريق ودخلنا إلى أقرب مسجد لصلاة الجمعة مع المصلين، هل سنخسر شيئا؟، وفعلا أنخنا السيارة وصلينا مع الجماعة في المسجد، وقذف الله في قلوبنا لذة عظيمة جدا، إنها بركة صلاة الجماعة مع المؤمنين، وقلت في نفسي سبحان الله، صفدت الشياطين ولكن النفس أمارة بالسوء، ثم واصلنا السير ونسيت الموضوع، وبعد أسبوع من هذه الحادثة، كنت في السيارة دائما متوجها إلى العمل، وإذا بخاطر يأتيني ويقول: بالرغم من أن الشياطين مصفدة إلا أننا لا نبذل الجهد لاغتنام شهر الرحمة المغفرة والعتق من النار، صلاتنا قليلة وقيامنا ضئيل، ودعاؤنا أضعف، وصدقتنا لا تذكر، وصلة الأرحام تشكو، أما عن ختم القرآن والتدبر فيه، فحدث ولا حرج ….. ففكرت مليا في الموضوع وقلت سبحان الله يوفر لنا دائما فرص طاعته ونغفل عن النفحات الربانية وكأننا ضمنا البقاء والعيش إلى رمضان القادم، إنها إستراتيجية، "سوف أفعل" التي تقود والعياذ بالله إلى النار لولا رحمة الله ولطفه بعباده المؤمنين … ثم قلت في نفسي، إن الله سبحانه وتعالى من خلال تصفيد الشياطين، يقول للإنسان المغرور الذي يرمي دائما باللائمة على وسوسة الشياطين وتزيينها للمعصية، إنك اليوم في شهر رمضان أمام نفسك فقط ، فماذا أنت فاعل؟، لقد أعنتك على الشيطان وصفدته وأغلقت أبواب النار وفتحت أبواب الجنة، فأرني من نفسك طاعة أيها العبد الولهان بالدنيا وزخرفها. وفعلا إنه العدل الإلاهي، فكثير من الناس يتذرعون بالشياطين ووسوستهم للإنسان وتضليله، وينسى هذا الإنسان "النفس" التي بين جنبيه، وكأني بالله سبحانه وتعالى يعطي لنا الفرصة لمعرفة حجم التضليل والتزيين الشيطاني للإنسان، وفي المقابل حجم عمل النفس الأمارة بالسوء في أفعال الإنسان بالرغم من أن الله سبحانه وتعالى قال للشيطان "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان"، ويقول الشيطان يوم القيامة للعباد:" لا تلوموني ولوموا أنفسكم …" فهل أدركت أخي المسؤولية الكبيرة التي على عاتقنا في التحكم في النفس ورمضان مقياس لمعرفة ذلك دون دخل لمكونات التضليل المعروفة من شيطان ودنيا وهوى.
منظومة العبادات بخطاب جديد لذلك نحتاج اليوم لمعالجة هذه النفس إلى خطاب جديد للاستفادة من رمضان، ذلك أن إحياء فكرة التربية بالمنظومات العبادية لا بعبادة واحدة، وبث الوعي والفكرة بأن العبادة المستقلة عن غيرها من العبادات غير كافية برغم ما فيها من خير وأجر، ولكن في سبيل الهداية والتغيير لابد من برنامج عبادي متكامل، فرمضان عقد لمنظومة عبادات متكاملة الكيان متنوعة التأثير، فرمضان منظومة من الصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر والصدقة والصبر والإطعام والجود والاعتكاف والعمرة والدعاء إلى آخر ذلك. والحج منظومة عبادات من الإحرام والطواف والسعي والوقوف والرمي والدعاء والحلق والذبح والذكر إلى غير ذلك من العبادات، ومن أجمل اللفتات هنا أن الله لم يسمّ أحد هذين الموسمين باسم عبادة مستقلة وإنما قال: شهر رمضان، وقال: الحج لتتضح الحكمة من هذا ولكي يتوزع الاهتمام بين جميع العبادات. فالعبادات المنفردة تعطي جزءاً من التأثير، أما اجتماع العبادات في موسم واحد أوفي وقت واحد فتعطي تأثيراً أكبر ونتيجة أسرع؛ لأنها تتعامل مع جوانب النفس والبدن، والزمن والحياة. إننا في أمسِّ الحاجة كما قال الأستاذ طارق بن محمد الحسين في مقال له بموقع إسلام أولاين إلى الإكثار من ذكر غايات التشريع من هذه المناسبة، ولماذا كتب على الذين من قبلنا وكتب علينا كذلك؟، وماهي فائدة الدين من تجويع أبنائه وكبت شهواتهم وكسر نفوسهم؟ وبما أن المشركين والملحدين وأهل الكتاب يقومون برياضة الجوع على شكل آخر ويعتبرونه رياضة مهمة في حياتهم، فما هو الجديد في الإسلام من فرض هذه الرياضة والعبادة مع العبادات الأخرى بهذا الاعتدال وهذا اليسر العجيب؟ من المهم أن نتحدث عن أثر الجوع والعطش مع الصلاة والصدقة والدعاء على الروح والنفس وبناء ما يسمّى ب "السيكيولوجية"، من خلال الصيام والقيام والعبادات الأخرى في رمضان. ماذا نقول لمن يتهم رمضان بأنه سبب في قلة الإنتاج القومي؟ وكيف نقنع الاشتراكيين بأن اشتراكيتهم يظهر زيفها أمام عبادات الإسلام وبرامجه في تعليم المساواة في الحج ورمضان وغيرهما ووحدة الصف والطريق والهدف دون اعتساف لغني أو إفساد لفقير؟
خاطب عقلك تنقاد نفسك ذلك أن الاهتمام بالجانب العقلي والفكري بجوار الجوانب الوجدانية والتربوية يعد من الأولويات اليوم ، ويبدو واضحاً ضعف الجانب الفكري في خطابنا الدعوي في رمضان، فنغرق في الحديث عن الفضائل والأجر وآثار الصوم على النفس وتهذيبها وهذا كله غاية في الأهمية، ولكن المشكلة أننا ننسى الجانب الفكري الذي يضبط حركة العبادة ويقوم على توجيهها. ينبغي أن نطرح فكرة العدل والتوازن في رمضان، فهو إطار متكامل يحكي الاعتدال ويدفع الغلو من أي طرف جاء، فالجوع والأكل والعطش والشرب، والقيام والنوم، والعزلة والخلطة، والاعتكاف والانطلاق، والجماع وشد المئزر، وقتال العدو والإعراض عن سفه المسلم، كل ذلك معادلات رائعة وتوازن عجيب يظهر في رمضان كما هو ظاهر في غيره من معالم الإسلام الحنيف. من هنا فلا بد من شحن الخطاب الرمضاني بالتفكير المثمر، والكشف عن أسراره وعن حكمه التي لا تزال أمام كل معتبر ذي نظر وبصيرة. لذلك وجب التراجع عن بعض المثاليات في الخطاب الرمضاني كي لا يسبح الناس في الخيالات بعيداً عن الواقع، أو نجعل بين الخير وبين الناس حجاباً مستوراً وحجراً محجوراً. ففي كل سنة نسمع الوعّاظ وبعض الفضلاء يتحدثون عن قيام رمضان وأنه لا بد من قيام أكثر الليل والبعد عن الجلوس مع الأهل والأقرباء والأصدقاء حتى وإن كانت هذه المجالس خالية من المخالفات الشرعية، ويبدؤون بتكرير تلك الأحاديث التي يفترق فيها السلف ولا يلتقون إلا في العيد، ونسمع من يدعو إلى ختم القرآن عدة مرّات في رمضان لا يفرق في دعوته بين عالم وجاهل، ولا بين كبير وصغير، ولا بين امرأة ورجل، ولا بين متفرّغ ومشغول. وتبدأ المثاليات بضرب الأمثال: كان الإمام الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرّة! وكان الإمام فلان يختم كل ليلة ختمة! وذلك يختم كذا وكذا! ونغيب في هذه الأماني البعيدة بدل أن ندعو الناس إلى قراءة القرآن في رمضان بتدبّر وترتيل ومدارسة لمعانيه ومفاهيمه دون هذّ وسرعة يغفل صاحبها عن هدايات القرآن ومعانيه. هؤلاء قوم ليسوا هم المعنيين بالخطاب الرمضاني لأن هؤلاء ندرة لا تكاد تعرف في هذا الخضم الهائل من الجماهير. وإن كان في قراءة القرآن وعدم تدبره مخالفة لا توافق أمر الله ورسوله. المعنيّون بالخطاب الدعوي هم جماهير الأمة الإسلامية بجميع طبقاتهم ومشاربهم ومستوياتهم، كيف نطالب كل هذه الجماهير بمثل هذه التكاليف في مثل هذا العصر الذي ضعفت فيه الهمم عن الصلاة المفروضة فضلاً عن المستحبّات ؟!. لابد في الختام من صياغة منظومة متكاملة للاستفادة من شهر رمضان، ذلك أنه لو علمنا ما فيه لتمنينا الدهر كله رمضان، وقد ورد في الحساب أن عدد أيام شهر رمضان ثم إتباعه بست من شوال، يبلغ 365 يوم، وهو عدد أيام السنة، فإذا صمت رمضان في حياتك فكأنما صمت الدهر، فاللهم بلغنا رمضان والحسنة بعشر أمثالها ( 30 يوم ضرب 10 تساوي 300 زائد 6 أيام لشوال ضرب 10 تساوي 300، فالمجموع 360 يوم، وهي عدد أيام السنة). وفي أول ليلة من لياليه ينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، وفي الجنة باب يقال له: الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، وهو فرصة سانحة للتوبة من العصيان، والعودة إلى الملك الديان، ومضاعفة الحسنات، وتكفير للسيئات، فالحذر الحذر من التعامي والتواني، والبدار البدار بالتوبة قبل فوات الأوان. يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان لقد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيانِ واتلُ القرآن وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن كم كنت تعرف ممن صام في سلف من بين أهل وجيران وإخوان أفناهُمُ الموت واستبقاك بعدهمو حياً فما أقرب القاصي من الداني