عيد وتجديد.. نصر الدين حزام :رئيس جمعية الإصلاح والإرشاد
هكذا تساءل المتنبي فيما مضى وهكذا نتساءل اليوم، لكن بين الأمس واليوم، وجب علينا إيجاد الإجابات الصحيحة أو على الأقل القريبة للصواب لنجعل العيد بحق فرصة للتجديد، إن الأمور بمقاصدها فلو أدركنا حكمة الله من سنّ هذه الأيام في حياة الناس لفهمنا بأن الله أراد لنا أن نروّح عن أنفسنا من كافة أشكال العناء والتعب لتتجدد الروح والعزائم فينا حتى ننطلق مرة ثانية لخوض غمار حياة كتب على باب الولوج إليها " لقد خلقنا الإنسان في كبد". إن في العيد دعوة للتجديد، تجديد العزائم مما نالها من عناء الطريق، تجديد النيات بعد طول عمل وضغوطه، فيركز المسلمون قبل العيد وفي العشر الأوائل من ذي الحجة المباركة على كل عمل طيب يزيدهم أجرا ويجلب لهم القبول استعدادا لاستقبال يوم الأضحى كيوم للعبادة واللهو والذكر والصلة. إنه فرصة لتجديد الأجواء بالخروج من روتين الحياة المملّة والمشاهد المتكررة في الحياة والاشتغال بالشعيرة العظيمة، شعيرة مناسك الحج لمن خصهم الله في هذا العام بتأديته، فتتجه الأمة بوجدانها نحو معالمها ومشاعرها الدينية كعرفات ومنى ومزدلفة والجمرات والبيت العتيق. العيد بحق تجديد للحياة بخروج جموع المصلّين للمساجد والمصليات جماعات ووحدانا ذاكرين مسبحين مهللين مكبرين لإقامة صلاة العيد التي لا تؤدى خلال السنة إلا في هذا اليوم وفي وقت الضحى، فترسم الأمة صورة مشرقة باجتماعها روحا وفكرا على صعيد واحد بأداء صلاة العيد بنفس عدد الركعات والتكبيرات عند ارتفاع الشمس مقدار رمح في كل بقعة من بقاع الأرض. العيد تجديد للحياة بشعيرة النحر التي هي لله وحده " فصل لربك وانحر "، فلا حديث إلا عن الأضحية سواء كانت خاصة بالفرد وأسرته، أو عامة لخدمة المسلمين ممن لم يسعهم الأمر لتقديم أضحية ومشاطرة الجميع فرحتهم بهذا الهدي، تجديد بتضامن الأمة في شكل عرس كبير لتأدية واجب التكافل بطريقة مميزة تبعث على التفاؤل بأن الخير في هذه الأمة باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. إنه العيد لتجديد أشكال العادات والعبادات وتجديد الروح بالذكر والتلاوة والدعاء، فقبله أيام مباركات سنّ الله فيها أفضل الأعمال الصالحات وبعده أيام ذكر وشكر على ما تفضل الله وأنعم على عباده المؤمنين ورزقهم من بهيمة الأنعام ليأكل الناس في العيد باسمه حامدين النعمة، فرحين بعونه مطعمين للبائس والمعتر. في العيد يتجلى معنى التجديد بتواصل الناس بالزيارات والتهاني بعد البعد والانقطاع بسبب الرزق أو العلم أو البعد أو الخصومة، فيلتقى الأهل والخلان والجيران والأصحاب على غير العادة في جو بهيج قد فتحت فيه القلوب قبل الدور والقدور، والكل شغف للقاء بعد طول غياب. إنه العيد لتجديد العلاقات فيما بين العبد وربه وفيما بينه وبين إخوانه من المؤمنين فتتجلى أسمى معاني العيد بمغفرة الله لعباده في هذه الأيام، وتظهر معاني التسامح وغفران العبد لأخيه فينسى الناس ما كان بينهم من شقاق وتذوب الضغائن وتنمحي من الصدور طلبا لرحمة الله وغفرانه ورجاء في بناء مستقبل أساسه الأخوة والود على قواعد الإيمان. العيد تجديد لحلّة الأطفال بلبس الجديد وتزيين البيوت ترحابا بضيف الرحمان. العيد تجديد للعهد على رفع راية الخير والإحسان، تجديد للعهد مع رسالة الإسلام و الجزائر بحق وحقيقة. إنه العيد الذي حمل معه الخير العميم والبركات في جميع أشكال الحياة والعلاقات، فجعل الله أيامنا قبله وخلاله وبعده مليئة بالبشر والفضل والمسرات، هكذا إذن تكون يا عيد قد جئت بأمر فيه تجديد.