نرحب بك ضيفا عبر صفحات جريدتنا شكرا جزيلا لكم على هذا الحوار الذي أتمنى أن يكون إضافة إيجابية لكل القرّاء خاصة الإعلاميين الشباب الطامحين إلى تقديم الأفضل في مهنة المتاعب، وببساطة أقدم نفسي تقديما موجزا قبل أن أغوص معك في ثنايا هذا الحوار لأقول بكل تواضع، أنا العبد الضعيف، عادل عازب الشيخ، إعلامي ومذيع، أقطن بوادي سوف، في أقصى الجنوب الشرقي بالحدود التونسية الجزائرية، لي حاليا 13 سنة من عمل في مهنة الصحافة تنوعت بين العمل في الميدان كمراسل لعدة صحف وطنية كبرى ورئيس تحرير لصحيفة "الجديد" الصادرة من الوادي، ومذيعا في إذاعة الوادي ومسؤولا لقسم البرمجة، ثم تفرغت لإعداد الحصص الإذاعية. حصلت مؤخرا، على الماجستير في الصحافة والإعلام وأطمح لكي أنال درجة الدكتوراه في غضون الخمس سنوات المقبلة. كيف جئت إلى مهنة الصحافة، ولماذا اخترت العمل الإذاعي ؟ الصحافة كانت حلمي منذ الطفولة، وأتذكر أنه وأنا في مرحلة المتوسط، سألت أحد أساتذتي عن الطريق الذي أسلكه من أجل الوصول إلى الصحافة، ومنذ ذلكم الحين وأنا عيني على الصحافة، كنت أتابع وأنا في مرحلة المتوسط الإذاعات الوطنية ومولع كثيرا بإذاعة "بي بي سي" البريطانية، كانت فيها برامج وأصوات رائعة تعجبني كثيرا، كما كنت أهوى مراسلة البرامج الإذاعية والتلفزية العالمية، وكنت أراسل عبر البريد إذاعة اليابان وإذاعة الصين وكانت تصلني منهم باستمرار هدايا منوعة عن برامجهم، وكنت أفرح كثيرا حينما يأتي ساعي البريد بطرد بريدي يتضمن كتب ومجلات من هذه الإذاعات أقضي أيام وليالي وأنا أحلم أن أكون صحفيا مثل الصحافيين الذين أراهم في صفحات المجلات التي ترسل لي. وفي المرحلة الثانوية زاد تعلقي بالصحافة مع بروز عدد من الفضائيات العربية الإخبارية الكبرى وظهور نخبة من الإعلاميين العرب عبر هذه الفضائيات، وممّا حفزني أكثر إطلالة صحافيين جزائريين في هذه القنوات ممن لهم كفاءات عالية، بحيث كنت أقول دوما بداخلي، لماذا لا أكون صحافيا مشهورا مثل هؤلاء الإعلاميين الجزائريين الذين صنعوا التحدي وتصدّروا المشهد الإعلامي العربي. وحينما وصلت مرحلة التسجيل في الجامعة وجدت نفسي مدفوعا داخليا نحو تخصص علوم الإعلام والاتصال، وأذكر ليلتها حينما سمع أبي بقراري، قال لأحد أصدقائي أن يحاول إقناعي بالعدول عن التسجيل في مهنة الصحافة، ليس حبا في الوظيف -مثلما نقل لي صديقي- لكن قال إنه خائف من أن يراني صحفيا في أحد ميادين الحروب، ولما سمعت بذلك توجه إلى والدي وقلت له إطمئن فلن أذهب لأي تغطية إعلامية في الحروب، حينها قال لي توكل على الله ولا تتراجع عن حلمك. هل أنت ابن الميكروفون، أم ترى بأن للقلم سحره الخاص في عالم الصحافة؟ سؤالك فعلا كان محيّرا لكل من كان يعرفني، وأذكر أن أحد الولاة كان دائما يمزح معي بقوله "..بأي "كسكيطة " أنت هنا، الإذاعة أم الجريدة.." فأنا كنت أعمل عبر خط مزدوج، الصحافة والإذاعة معا خطان متوازيان لكنهما متكاملان يخدم بعضهما الآخر، أذكر أنه وعقب خروجي من الجامعة وحصولي على شهادة الليسانس في علوم الإعلام والاتصال من جامعة عنابة، وجدت أمامي طريقا صعبا للغاية، كانت الصحافة المكتوبة تعيش أزمة إشهار وكانت الإذاعات الجهوية في بدايتها ولم تكن بحاجة لصحافيين، عشت فترات صعبة للغاية عقب تخرّجي من الجامعة كانت مرحلة مظلمة للغاية، لم أجد أي عمل في الشهور الأولى لتخرجي، قال لي أحد الأساتذة الذين كان من المشجعين لي في مشواري العلمي :"..اه يا عادل لو أنك اخترت سلك التعليم ودرست في المدرسة العليا للأساتذة لكنت موظفا معنا الآن وتعيل أهلك ووالديك.." صدقوني هذا الكلام أذهب عني النوم ثلاث ليال كاملة وجعلني أوجه تحدي فرض الذات، إلى أن جاءت سنة 2007 أين استعان بي الزملاء في قسم الأخبار مذيعا للبرامج لتعويض الفراغ الذي أحدثه الزميل العيد عقاب الذي رقّي حينها إلى منصب مدير إذاعة تندوف، ومن سنتها وأنا أعمل في الإذاعة متعاقدا ثم موظفا. سحر الميكرفون خاص فعلا، فأنت تخاطب قلوب المستمعين مباشرة، لكن سحر الحروف في الجرائد أكثر بلاغة، فصيتك يخرج من المحلي للوطني وتأثيرها بكل صدق أكبر، لهذا فبكل صدق لكل وسيلة سحرها الخاص، فأنا أسحر بكليهما وأؤمن أن الإعلام رسالة أينما ذهب المرء يستغلها لتبليغ هذه الرسالة، فأثر الإعلامي الطيب سيصل طيبه لكل مكان إن كان صادقا ومخلصا لمهنته. ماذا يمثل المستمعون الأوفياء لعادل؟ المستمعون هم عربون وفاء لأي مذيع في الإذاعة، فنحن نحاول دوما أن نكون إلى جانبهم في أفراحهم وأتراحهم، نسعى دوما أثناء تقديمنا البرامج أو في التنشيط لتقديم الجديد لهم ونقل انشغالاتهم، شخصيا كانت تربطني علاقة احترام مع جميع المستمعين، كانوا في تواصل مستمر معي في العمل وخارج العمل، اتصالاتهم بي ورسائلهم لي لا تنقطع لليوم، وأفتح قوسا هنا لأحكي لكم عن جوانب رائعة أعيشها مع بعض المستمعين الأوفياء خارج نطاق العمل، إنهم المستمعون من كبار السن الذين بلغوا من العمر عتيّا، صدقوني يهاتفني الكثير من هؤلاء يقولون لي نحن نستمع للإذاعة ولك ونستفيد منكم، فالراديو دائما بجوار الوسادة وليس لنا ونيس في يومياتنا الروتينية إلاّ المذياع. الصحافة المكتوبة والمسموعة، ألا تفكر في خوض تجربة تلفزيونية؟ شكرا على السؤال الذي اعتبره نقطة ثالثة من حلمي الذي أطمح إليه، ولا أخفي عليك فقد تلقيت ثلاث عروض للعمل في الفضائيات منها عرض في فضائية وطنية واثنان في فضائيات عربية، بالنسبة للفضائية الوطنية لم أفكر فيها كثيرا لكوني أعلم أن القطاع الخاص في الجزائر لا زال هشّا ومضطربا، لهذا فضلت التريث حتى يظهر الخيط الأبيض من الأسود، لكن أحد العروض الخارجية أغراني كثيرا وكدت أذهب لولا المرض المفاجئ الذي حلّ بوالدتي والذي أثّر عليّ بشكل كبير، فوالدتي -حفظها الله – عانت الكثير خلال مساري التعليمي، فحياة الفقر أثرت عليها كثيرا، ولازال المرض يثقل كاهلها لفترة تزيد عن 7 سنوات كاملة إلى الآن، وحينما أفكر في الهجرة لا تحبذ والدتي ذلك، وهي الوحيدة في حياتي التي لا أستطيع أن أرفض لها طلبا أو ابتعد عنها كثيرا. هل تؤمن إذن بأن منطق الجغرافيا حرم العديد من الإعلاميين بالجزائر العميقة من البروز؟ سؤال جوهري ومهم، أحسنت فالجزائر العميقة تزخر بعشرات الإعلاميين المغمورين الذين دفنوا في ولاياتهم ولم تفتح لهم الفرصة للبروز وطنيا ودوليا، وإعلاميو الجنوب تحديدا مهمشون فهم مدفونون بين الرمال لا أحد يسأل عن حالهم، فهم يعملون نصف شهور السنة في جو صعب للغاية تحت درجات حرارة عالية تصل حدود 55 درجة مئوية أحيانا يتطلب فيها التنقل لعين المكان لنقل هموم وانشغالات المواطنين أو تغطيات المسؤولين المحليين، لكن هذه الصعوبات علمتهم معنى التحدي والصبر لإيصال صوتهم للمواطن. وماذا عن التحديات التي تواجه تجربة التعددية الإعلامية في مجال السمعي البصري؟ وكيف نرتقي بالعمل الصحفي برأيك وسط هذا الزخم الإعلامي الكمي؟ تجربة التعددية الإعلامية في الجزائر للسمعي البصري لازالت في بداياتها، ولا يمكن الحديث عن تقييم لها لأنها مكبلة بالكثير من التحديات، فالدولة متخوفة من الفتح الكامل للسمعي البصري خاصة مع ما تعيشه البلدان العربية من اضطرابات، وكلنا نعرف قوة الإعلام المرئي في التأثير عن الرأي العام، وملاك المؤسسات الإعلامية الخاصة يحاولون إخضاع وسائلهم الإعلامية لخطوط تحريرية تدعمهم سواء ماليا أو إداريا، لهذا ليس سهلا أن نجد وسائل إعلام مرئية بالمستوى العالمي الموجود. لكن رغم ذلك دائما أؤمن أن الإدارة القوية المسيطرة عن زمام القرار في الإعلام بإمكانها أن تفتك صدارة المشهد الإعلامي وتوجّه الرأي العام وفق ما تحب وتريد، فأنا أؤمن أن الدولة لديها من الإمكانيات والوسائل ما يجعلها مؤثرة وطنيا ودوليا، لكن هذا ليس بالكلام طبعا بل بإستراتيجية واضحة مدروسة، والأهم إرادة قوية من قبل صناع القرار. ماذا تقول للصحفيين الشباب الذين يريدون الصعود في وقت قصير، ماهي نصيحتك لهم؟ أقول لكل زملائي الشباب طريق الإعلام مليء بالمفاجآت، صحيح شاق ومتعب لكن قد يصنع منك نجما ساطعا مؤثرا بكلامك وصوتك وكتاباتك كل حسب الوسيلة التي يعمل فيها، وللمتعجلين في الوصول للقمة أقول لهم اصبروا فالصحافة سميت ولا زالت تسمى بمهنة المتاعب، فهي فعلا متعبة أحيانا مع بعض المشاكل تقول سوف أترك هذه المهنة لكن المحب للصحافة دائما تتغلب عليه إرادته وحبه للمهنة، وللصحافيين الشباب من البطالين أقول لهم كافحوا وثابروا فالعمل يفتك في الإعلام ولا يأتيك إلى باب دارك، فأذكر أنا إنني في بداياتي الأولى في الكتابة الصحفية اشتغلت لمدة عام كامل من دون راتب بحجة إنني لازلت مبتدأ، كنت اعلم يومها أنهم يستغلون جهدي وتعبي لأن كل الأخبار التي كنت أرسلها كانت تنشر بشكل يومي كماهي، لكني صبرت وصبرت حتى أنني كنت أخسر شهريا قرابة 5000 آلاف دينار من جيبي، فالناس يظنّون أنني موظف كمراسل في هذه الصحف لكن الحقيقة كانت عكس ذلك، لكن كما يقولون دوام الحال من المحال، فلا بد لعتمة هذا الليل المظلم أن تنجلي وتشرق بعده شمس مستقبل زاهر. في الأخير شكر خاص لك أنت زميلتي سامية على هذا الحوار الشيق، والشكر موصول للقائمين على جريدة "الحوار" وكل قرائها عبر ربوع الوطن. حاورته: سامية حميش