تحدث الإعلامي الشاب، أنيس الهيشر، عن بداياته مع الإعلام وسرعة اندماجه في المحيط الذي اختاره منذ الصغر، وعن تجربته وكيف استطاع أن يصنع اسما من خلال مشاركته في إعداد روبورتاجات ووثائقيات لقيت طريقها للعرض على التلفزيون الجزائري، تجربة منحت الكثير لشاب إعلامي في بداية حياته المهنية، يؤكد أنيس بهذا أن الإصرار وحب العمل ثنائية توصل صاحبها إلى طريق النجاح، كما تحدث أنيس في هذا الحوار بلسان الإعلاميين الشاب عن مستقبل الصحافة في بلادنا، وكذا عن الصعوبات التي تعترض طريق المنتسبين الجدد لهذا المجال . *حدثنا عن مشوراك في المجال الإعلامي الذي اقتحمته مع شركة إنتاج للسمعي البصري؟ -شكرا لكم ولكل الأوفياء في جريدة "الحوار" نظير تشجيعاتكم المتواصلة للصحفيين خاصة الشباب منهم. أنيس الهيشر كصحفي بقناة الخبر "كاي بي سي" وفي بداياته الإعلامية من مواليد التاسع ماي 1988، كان مهتما بهذا المجال إلى درجة أن زملاءه من الطلبة بالمتوسط والثانوي كانوا ينادونه بالصحفي، رغم أن معالم ممارسته لهذه المهنة لم تكن قد اتضحت بعد. تمكنت من تحقيق جزء من حلمي عندما دخلت كلية العلوم السياسية والإعلام ببن عكنون بالعاصمة طالبا في تخصص الإعلام والاتصال. السنوات التي قضيتها بالكلية، كنت أحاول فيها صقل ميولي أو لنقل موهبتي في هذا المجال، من خلال الاحتكاك ببعض الأساتذة الأكفاء واستغلال فراغاتي للانضمام إلى بعض النوادي كجمعية "الكلمة" للثقافة والإعلام. ربطت سؤالكم حول مشواري الإعلامي بالجامعة لأني اعتبر الجامعة مخبرا لممارسة وتطبيق التخصص المرغوب فيه رغم نقص الفضاءات المخصصة فيها لذلك. المهم أعتقد أن نقطة التحول في اقتحامي للحقل الإعلامي، كانت باحتكاكي بصديق لي، وهو شاب طموح صاحب مؤسسة إنتاج في السمعي البصري، كنت احتك به في فترة العطل وأنا طالب في الجامعة، عرض علي مساعدته في إنتاج بعض الأعمال السمعية البصرية، فأعجبت بالفكرة وسرعان ما وجدت ضالتي معه، وقمت بمعيته بإنتاج بعض الروبورتاجات والوثائقيات التي تم توجيهها فيما بعد إلى التلفزيون الجزائري، وهكذا كنت أفتخر بميلاد أول الأعمال الخاصة بي، وهي تبث بالتلفزيون الوحيد في الجزائر وأنا لازلت طالبا. لهذا كانت مؤسسة الإنتاج تلك بمثابة المحفز والمرافق لي طيلة مشواري الجامعي، وقد لقيت التشجيع من بعض أساتذتي وأستاذاتي خاصة حينما كنت أقوم بجلب الأعمال التي أنجزها خارج الجامعة وأناقشها بالقسم. بعد تخرجي من الجامعة بشهادة الليسانس في 2012، تفرغت واستثمرت جهدي لإنتاج المزيد من الأعمال السمعية البصرية مع نفس المؤسسة، فكنا نتنقل بين ولايات الوطن، خاصة الجنوبية منها، كل مرة مع مواضيع جديدة وتغطيات مختلفة، فقمنا بإنتاج وثائقيات وروبورتاجات أخرى. كنت أجد الحرية التامة في عملي بالمؤسسة، لذلك كنت في تواصل مستمر مع بعض الصحفيين في المؤسسات الإعلامية، خاصة القنوات الخاصة التي عرفت النور في أواخر 2012 وبداية 2013، تعاونت مع بعض منهم وأنا بمسقط رأسي غرداية، وكانت المفاجأة بالنسبة لي حينها تلقيت عرضا من قبل مكتب قناة أجنبية بالجزائر للعمل معها كمراسل أو صحفي منتج، أقول إنها مفاجأة بحكم نقص تجربتي وقتها وكبر اسم القناة، فدرست العرض وتفاوضت مع صاحبه لتمنعني ظروف خاصة عن قبوله. مع نهاية 2013 وباندلاع إحدى أكبر الأحداث المؤلمة والمؤسفة في تاريخ البلاد، وهي أحداث غرداية وبحكم تواجدي بالمنطقة كنت في تواصل يومي وآني مع مختلف المؤسسات الوطنية كما الأجنبية، من أجل تقديم مستجدات الوضع هناك، وهو الجسر الذي منحني الرغبة ربما في تغيير الأجواء واقتحام حقل " النيوز " أو الأخبار.
*كيف كان التحاق أنيس الهيشر بقناة kbc ؟ التحقت ب"الكاي بي سي" أو قناة "الخبر"، ربيع 2014، وقبل التحاقي طالما كنت مهتما بما تقدمه مؤسسة "الخبر" خاصة الجريدة، التي كانت الأقرب إلى عقلي كقارئ، فقد كنت مولوعا بكتابات وطرح عديد الصحافيين فيها، وحتى مذكرة تخرجي أقحمت فيها جريدة "الخبر" كعينة أجريت عليها الدراسة، وأصدقكم القول بأن شهية ولوج القنوات الخاصة لم تكبر إلا بعد أن سمعت عن قرب افتتاح قناة خاصة بمؤسسة "الخبر"، هنا جذبني الأمر واهتممت بالموضوع، فقلت في نفسي لم لا أقوم بتجربة حظي وطلب التوظيف، وهو ما حدث فعلا عندما قدمت للمؤسسة وعرضت على المسؤولين حينها خدماتي. كانت الاستجابة طيبة، بمنحي فرصة إبراز قدراتي، وأنا فيها إلى غاية كتابة هذه الأسطر، أحاول دوما تقديم الأحسن والأفيد.
*بحكم تجربتك، كيف ترى واقع الإعلام الجزائري خاصة في ظل التعددية السمعية البصرية؟ -القول بأن هناك تعددية في مجال السمعي البصري هو تغليط للنفس كما للرأي العام، شخصيا وبتجربتي المتواضعة في المجال وباحتكاكي مع الجيل القديم، أعتقد أن الفترة الحالية هي الأسوأ بالنسبة للإعلام المحلي من كل الجوانب، وما بالك بالسمعي البصري الذي لا يزال مخنوقا. نعم أنا ومن معي من الزملاء في القنوات الخاصة محظوظون ربما في ولوج قطاع السمعي البصري في أولى مراحله، ومحظوظون في مواكبة مشهد الانفتاح هذا، لكنه لا يزال بعيدا عن مفهوم الانفتاح الحقيقي بحكم عوامل كثيرة، تمنيت مثلا لو تم توفير بعض الشروط ولو الصغيرة لمزاولة هذه المهنة، فبغض النظر عن الصعوبات والعراقيل التي يجدها الصحفي في تناول الكثير من المواضيع، لا تزال الظروف الخاصة لهذا الأخير تقتله كل يوم ببطئ، وخير مثال عدم توفر الصحفي على قانون خاص به إلى اليوم، و هنا أستحضر الجملة المعروفة " يدافع الصحفي يوميا عن الغلابى والمقهورين بينها هو الشخص الوحيد الذي لا يجد من يقف بجانبه حينما يتألم!".
*ألا ترى أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل "الفايسبوك" قد صارت تهدّد عمل القنوات التلفزيونية؟ -النمط الاتصالي الجديد يصب في اتجاه قوة وفعالية وسائل التواصل الاجتماعي، أي نعم أن هذه المواقع أضحت تنافس بشراسة مؤسسات إعلامية بأكملها، لكن إن لم تواكب هذه المؤسسات التطورات الحاصلة في هذا الشأن ستختفي وتزول فعلا، لذلك أعتقد أن رهان الصحافة الوطنية ككل وليس القنوات التلفزيونية فقط، في المستقبل القريب، هو الفعالية في الوسائط الإلكترونية، من خلال التواجد فيها كمّا وكيفا ودون انقطاع.
*يعرفك الجميع بالتحقيقات التي تجريها، ماهي أهم الصعوبات التي تواجهك عند إجراء أي تحقيق؟ -الصحفي المحقق يجب أن يتصف بالجرأة في معالجة مواضيعه، وبالتالي عليه أن يتجاوز العقبات والصعوبات مهما كانت، أما عن تلك التي تواجهني عند إجراء أي تحقيق، فهي الضبابية في التواصل مع الصحفي من قبل مختلف الهيئات أو الأشخاص ما يقطع عليه جسور الوصول إلى المعلومة، وأتحدث هنا عن المعلومة البسيطة المكملة للتحقيق، أما الأخرى الدقيقة فاستقاؤها طبعا يستلزم المزيد من البحث والتحري.
*بالعودة إلى التحقيق الذي أجريته حول "أل أم دي"، كيف تقيم واقع التعليم العالي في الجزائر؟ -دخلت الجامعة الجزائرية بعد انقطاع غير طويل عنها، فوجدت فيها تغيرا جذريا من مختلف الجوانب، أما عن واقع التعليم العالي في الجزائر فصعب أن تعطي تقييما متزنا، لكن قراءتي المتواضعة لهذا الوضع أن الطلبة في الجامعة ضائعون في غياب تأطير أكاديمي وتطبيقي معقول، والمسؤولية هنا متقاسمة بين الطالب والمؤطر داخل الجامعة وخارجها. إن تحدثنا مثلا عن نظام "أل م دي" والمبدأ الذي أتى من أجله، وهو ربط الجامعة بالواقع الاقتصادي والاجتماعي، هذا المبدأ غائب بشكل كبير في واقعنا التعليمي العالي، نظرا لعدة اعتبارات، فالطالب لا زال مستهلكا للمعلومة التي يقدمها له الأستاذ بعيدا عن الواقع والميدان، والأستاذ من جهته يجد نفسه مضطرا إلى تقديم دروسه ومحاضراته بشكل كلاسيكي لا تجديد ولا تطبيق فيها، لذلك يجد المتخرج نفسه ضائعا وحائرا بعد التدرج في غياب رصيد يمكنه من اقتحام سوق الشغل.
*بماذا تنصح طلبة كليات علوم الإعلام المقبلين على العمل الصحفي مستقبلا؟ -نصيحتي الأساسية هي عدم الاكتفاء بما تقدمه الجامعة، ومحاولة الخروج من قوقعة الكلية والبيت، يجب على الصحفي الطالب أن يفتح العالم أمامه بالانخراط في النوادي والتنظيمات، والاحتكاك بالميدان والمؤسسات الإعلامية، ما سيجعله قريبا من الواقع ومحمّلا بزاد يؤهله لتناول ونقاش كل القضايا المطروحة في الساحة كإعلامي مثقف، كما أوصيه بضرورة ربطه لشبكة علاقات كبيرة مع الجميع مسؤولين بسطاء كانوا أم كبارا، فهذا رأس ماله الذي يمنحه قوة الوصول إلى المعلومة.
*ما رأيكم فيما تقدمه جريدة "الحوار" اليوم؟ جريدة "الحوار" استطاعت في فترة زمنية قصيرة أخذ مكان لها بين الجرائد والمؤسسات المميزة الناشطة في الساحة الإعلامية، أحترم جدا ما تقدمه "الحوار" خاصة باعتمادها على فريق عمل شاب وطموح. شخصيا أعجبت كذلك بالمنتديات التي تنظمها الجريدة بين الفينة والأخرى، أين تتم معالجة مختلف القضايا مع شخصيات عديدة ومحترمة، أتمنى التوفيق لكم ولجريدتكم، ومسرور بمروري هذا. حاوره : ف. ح