بخطوات ثابتة استطاعت الإعلامية جميلة شعير أن تمد أفقها إلى أبعد نقطة في عالم الإعلام وترتب أولوياتها على مبدأ التميز، وحركت حجر الموهبة للوصول إلى القمة. انطلقت رحلتها مبكرا عبر الإذاعة الوطنية لتنتقل بعدها إلى الصحافة المكتوبة عبر عدة منابر، أظهرت فيها تميزها وحضورها اللافت بموهبة فذة وقدرة كبيرة على الإبداع، لم تقاوم حبها للكاميرا والتقديم لتحط الرحال ببرنامج "موعد مع النساء " الذي يعرض على قناتي "بنة تي في" و"الشروق العامة"، تخاطب فيه جميلة شعير المرأة الجزائرية. *أمضيتِ 17 سنة في مجال الإعلام، متنقلة بين الإذاعة، الصحافة المكتوبة والتلفزيون، كيف تختصرين مشوارك؟
-هي سبعة عشر عاما قضيتها في مهنة أحببتها كثيرا، أعتقد بأني ولدت وأنا عاشقة لهذه المهنة النبيلة، صعودي إلى الجامعة وتخصصي في الإعلام والاتصال كان من أكبر المكتسبات التي حققتها في حياتي، ولأني كنت مفعمة برغبة العطاء في مهنة الصحافة، دخلت معتركها وأنا في السنة الثانية جامعي، فكنت أصغر مذيعة في الإذاعة الوطنية، اشتغلت بالإذاعة الثقافية إلى نهاية سنوات الجامعة، ثم بالقناة الإذاعية الأولى، اكتسبت خبرة في التقديم وتأطرت على أيدي أساتذة كبار في الإذاعة، كنت أغازل التلفزيون من حين إلى آخر عبر بوابة الإشهار. بعد خروجي من الإذاعة أو بالأحرى إخراجي، التحقت بجريدة "الخبر"، لم تكن بالنسبة لي فرصة كبيرة مع أن جريدة "الخبر" كانت ولا تزال حلما لعديد الصحفيين، كنت مسكونة بحب التقديم الإذاعي، وبعد أربع سنوات في "الخبر" انتقلت إلى "الشروق اليومي"، كما خضت تجربة في موقع " الشروق أون لاين"، لألتحق بعدها بقناة "الشروق" مباشرة بعد إطلاقها، وحاليا أعد وأقدم برنامج "موعد للنساء" الذي يعرض على قناتي "بنة تي في" و"الشروق العامة".
*ماهي قصة تحجُّب جميلة شعير، وما علاقة إقالتك من القناة الإذاعية الأولى بارتداء الحجاب؟
-كنت محظوظة بالعمل في الإذاعة قبل التخرج، ولكن تجربتي الأثيرية لم تستمر سوى خمس سنوات، ذات يوم من بدايات العام 2005 تلقيت اتصالا من القناة الأولى لضمي إلى القناة الأم التي كانت حلما بالنسبة لي، انطلقت في رحلة التقديم ضمن برنامج "صباح الخير يا جزائر"، كنا ثلاثة في التقديم، تقاسمت التجربة مع حكيم زموش الذي يعمل حاليا في قناة "فرانس 24" وبرفقتنا الشيخ فرحات، كانت التجربة رائعة، إلى أن قررت بعد تصالح مع نفسي وتحت تأثير الداعية عمرو خالد ارتداء الحجاب، عمرو خالد الذي جمعني به القدر وحدثته عن تجربتي مع الحجاب وأثنى على ما أقدمت عليه كثيرا. قرار الحجاب لم يأت على هوى مدير القناة آنذاك، حيث عارض بشدة طلتي الجديدة، فوجدته يهددني بالطرد، ولكني تمسكت بقراري لأني لم أر فيه عائقا لعملي في الإذاعة ومع طبيعة المهنة التي لا تتطلب الصورة بقدر جمال الصوت وسلامة اللغة، وفي الثامن من مارس 2005 تم منعي من دخول مبنى الإذاعة الوطنية.
*على ذكر الحجاب، هل توظيف الإعلاميات والصحفيات في الإذاعة والتلفزيون العموميين مرتبط بخلعه؟ -للأسف أنا كنت ضحية تصرف فردي من مدير القناة الأولى آنذاك الذي تفاجأ بحجابي، في الواقع كانت الإذاعة تعج بالمحجبات في مختلف المحطات، ولكن نظرة ذلك المدير إلى المحجبات كانت دونية، كنت أرى ذلك قبل حجابي، وسبق أن قام بطرد مخرجة محجبة لأنها كانت مثلي تعمل بالقطعة، المهم أني لم استسلم وتابعت مشواري ولكني وجدت نفسي أدخل غمار الصحافة المكتوبة هذه المرة، وكانت بوابتي جريدة "الخبر"، كنت في البداية كاتبة مؤقتة في مكتب المدير العام آنذاك علي جري، وبعدها تم استحداث قسم جديد في جريدة الخبر و هو "الو الخبر"، توليت إدارته، حيث كنت أعمل بالتنسيق مع الصحفيين والمراسلين، إلى أن انتقلت إلى القسم الفني فقسم المجتمع، ولكني كنت مثل كرة الثلج التي كانت تكبر كلما تدحرجت، اكتسبت الخبرة في مجال الكتابة عبر احتكاكي بأقلام مهمة مثل العربي زواق، سعد بوعقبة، الراحل شوقي مدني وغيرهم .. وبعد أربع سنوات في "الخبر" انتقلت إلى "الشروق اليومي" وأصبحت منذ ذلك الحين ابنة ل"الشروق" التي قضيت فيها ثماني سنوات، عثرت على حرية الكلمة وفضاء الإعلام الحقيقي، كتبت مقالات كثيرة كانت في أغلبها عناوين في الصفحة الأولى، تشرفت بالعمل مع الإعلامي الفذ محمد يعقوبي، الذي كان آنذاك رئيس تحرير للجريدة، كانت لي تجربة في موقع " الشروق أون لاين"، ومن هناك بدأت أول تجربة لقناة "الشروق"، وبعد إعلان إطلاق قناة "الشروق" كنت من أوائل الصحفيين الذين قادوا التجربة، عملنا ليلا ونهارا ونهضنا بالحلم ليصبح حقيقة في سماء الإعلام الجزائري والعربي، أشعر بالفخر لأني ما تركت شيئا في التلفزيون لم أقم به، قمت بريبورتاج وتميزت في القسم الدولي والوطني والتحقيقات عبر "الشروق"، أنا اليوم في تجربة من أجمل التجارب وأميزها، أشرف على إعداد وتقديم برنامج "موعد للنساء" الذي يعرض على قناتي "بنة تي في" و"الشروق العامة"، برنامج يخاطب قضايا المرأة ومشكلاتها.
*مع فتح قطاع السمعي البصري أمام الخواص، أصبح للمرأة الجزائرية حضورها الملحوظ في ميدان الصحافة والإعلام، كيف ترين وضع الإعلاميات الجزائريات؟ – فتح قطاع السمعي البصري في الجزائر، كان بمثابة الفرصة الكبيرة التي خدمت جموع الصحفيين المتخرجين وأصحاب المواهب الإعلامية، ولعل أكثر ما يثلج الصدر فيها بالنسبة للصحفيات هو السماح للمحجبات بالظهور والتميز والإبداع دون أن يكون الحجاب عائقا، ودون قيود أو شروط مثلما حدث معي، ولعل تجربة خديجة بن قنة والطفرة التي أحدثتها في سماء الإعلام عبر تحجبها، هي بمثابة الثورة التي حررت المرأة المحجبة وأخرجتها إلى نطاق أوسع.
*ماهو أكثر ما يستفزّك في الواقع الإعلامي الجزائري؟ -ما يستفزني في الواقع الإعلامي الجزائري، وجود المتسلقين ممن أعتبرهم فقاعات صابون لا يفقهون شيئا في الصحافة سوى أنها مهنة تحتاج إلى ماكياج مرتب ولباس آخر موضة وبضع كلمات ملونة رتيبة، الصحافة تخصص، الصحافة ميدان، الصحافة تحدي، الصحافة إبداع..تستفزني الأقلام الصفراء التي تتبع عثرات وعيوب الآخرين وشعارها خالف بالفضيحة تعرف، لكن المواطن ليس بالغباء الذي يبتلع فيها جميع المضامين الإعلامية، الجزائري يحسن التصنيف بين ما هو غث وسمين وبين ماهو مفيد وبنّاء.
*أين تجدين نفسك مرتاحة أكثر، في الإذاعة أم في الصحافة المكتوبة، أم على الشاشة؟ – في الواقع إن نشوتي تحققت عبر كل مناحي الصحافة، أحبها كلها، واختبرت ملكتي الإعلامية عبرها كلها، ولله الحمد عثرت على كياني في الإذاعة والتلفزيون والصحافة المكتوبة.
*بمن تأثرت جميلة شعير من الإعلاميين الجزائريين والعرب؟ – لن أكذب وأقول إنني تأثرت بحسنين هيكل أو بأي قامة إعلامية أخرى، عرابتي هي شقيقتي أمينة شعير المقيمة حاليا بدولة الإماراتالمتحدة، كانت مذيعة وصحفية ميدان قوية في الإذاعة الوطنية، كانت تحمل مسجلها وتدخل الأزقة الضيقة في عز الإرهاب، رحلت عن هذا الوطن في الفترة التي هاجر فيها إعلاميون كثيرون هربا من تهديدات المتطرفين، كان بيتنا مزارا لصحفيات قديرات أمثال صبرية دهيليس عندما كانت نجمة نشرة الثامنة وفيروز زياني قبل التحاقها بالجزيرة، لكن ظلت شقيقتي أمينة هي نموذجي وقدوتي في الإعلام.
*حدثينا عن مشاريعك وخططك المستقبلية في مجال الإعلام؟ -لا تعد تجربتي الإعلامية بالطويلة جدا، ولكن مع ذلك أشعر بحالة تشبع مهني بعد أن لامست مختلف مناحي الصحافة، أتمنى أن أكون برفقة زملاء محترمين وكفاءات في هذه المهنة، ونتضافر لإطلاق مدرسة خاصة بصناعة نجوم الإعلام ليس الهدف منها الربح المادي بقدر ما تحققه من غاية سامية للارتقاء بمستوى الإعلام في الجزائر. *ما رأيك في المحتوى الذي تقدمه يومية "الحوار" الجزائرية؟ – جريدة "الحوار" ومن دون مجاملة باتت منبرا إعلاميا مهما في الجزائر، مستوى راق، ونموذج مشرف للجرائد اليومية تنتهج أسلوب الكبار في التعامل مع الخبر لا تحوير ولا تزييف للحقائق، أتمنى لها من كل قلبي المزيد والمزيد من التألق مادامت على الصراط المستقيم.
*ماذا تقول الإعلامية جميلة شعير في ختام هذا الحوار، وماذا تتمنى للإعلام والإعلاميين في الجزائر؟ – أشكر لكم كرم منحي فضاء لأروي تجربتي المتواضعة، لعلها تحمل عبرة للأجيال القادمة، وكل ما أتمناه أن يتسع فضاء الكلمة في بلادنا ليقوم الإعلام بوظيفته المحورية والأساسية وهي خدمة المواطن الجزائري والعربي. حاورها: سمير تملولت