يتحدث رئيس جبهة العدالة والتنمية، الشيخ عبد الله جاب الله، في هذا اللقاء مع "الحوار" عن عديد الملفات المطروحة في الساحة السياسية، ويعتبر أن مشاركتهم في التشريعيات المقبلة ضمن تكتل النهضة والعادلة والبناء لم تتناقض مع أرضية مزفران، مشددا ان مقاعد البرلمان ليست مغلقة لصالح أصحاب الموالاة، بل فيه مجالات للأخذ والعطاء، مشيرا الى الأهداف التي جعلت حزبه يخوض هذه التجربة التي يرى أن له الحظ الأوفر في مقاعدها إذا كانت اللعبة الانتخابية نزيهة. جاب الله أكد أن التحالف لن يكون ظرفيا، كاشفا عن مؤتمر جامع سيعقد قبل نهاية سبتمبر المقبل، مردفا أن تحالفهم مفتوح وممدون للأحزاب الأخرى لإعادة بناء وتوحيد التيار الإسلامي، ليعود الى المقاطعين الذين انتقدوا مشاركتهم قائلا: "الذين ينتقدون مشاركتنا اليوم كانوا بالأمس في السلطة وشاركوا في رئاسيات مغلقة". وخاض جاب الله في الحكومة المقبلة، مبديا استعداد تشكيلته المشاركة فيها، لكن بشروط، ويكشف أنه لن يعتزل السياسة كونها تجري في عروقه –كما قال- منذ الصبى. * كيف تحضرون للانتخابات التشريعية، وهل ترون جدوى من مشاركتكم وأنتم الذين تحدثتم عن عدم توفر الضمانات الكافية؟ الاتحاد أسس لجنة مشتركة مديرة لعملية التحضير للانتخابات، وقد أكملت عملها، ونحن في انتظار الحملة الانتخابية، حيث أسست عملها على التوافق، إذ سارت الأمور في ظرف زمني معتبر. أما الشق الثاني من السؤال، فنحن نشارك في الانتخابات عملا بقوله تعالى "وإذ قالت أمة منهم لِمَ تعظون قوما الله مهلكهم ومعذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون"، فهذه الآية وصفت لنا حالة لقوم في مرحلة من مراحل التاريخ، حيث انقسم مجتمعهم إلى فئات ثلاث، فئة متسلطة، فئة فرحة في نفسها ولكن سكنها اليأس من احتمال إصلاح الفئة الأولى، والفئة الثالثة تتقاسم مع الثانية في تكييف طبيعة النظام القائم ولكنها اختلفت معها في الموقف حيث لم تبق حبيسة اليأس بل انطلقت في أداء واجب النصح والسعي في الإصلاح، وبررت ذلك بأمرين أساسيين هما، الأول هو "معذرة إلى ربكم"، والأمر الثاني هو "لعلهم يتقون"، فمن هذا المنطلق القرآني تأتي شرعية المشاركة في الانتخابات، رغم أننا نعلم أن الشروط القانونية والدستورية والسياسية والمادية التي تجعل الانتخابات حرة وتزيهة غير متوفرة، فكلامنا هذا منذ عقود من الزمن، ولكن السلطة شر لا بد منه، أنت تعيش في بلد هناك فئة تتحكم في مصير الناس، وتحدث التغيير داخل المجتمع، ونحن في تقدرينا كمعارضة نرى ما هو أسوأ، وفي تقدريهم وفي نظرهم هو الأصلح، فلا يمكن تجاهل هذه الحقيقة وأن تضع رأسك تحت الغطاء معرضا عن كل ما هو حولك، ثم المشاركة لها مقاصد كثيرة وليس مقصدا واحد، واليوم بعض الذين يدعون للمقاطعة رأيناهم بالأمس القريب يشاركون في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، إذ من حقهم الدعوة الى المقاطعة ولكن ليس من حقهم نقد الآخرين الذين شاركوا، وقد رأيناهم في الماضي قد شاركوا، ونحن قاطعنا يومها ودعونا إليها لكن لم ننتقد من شارك.
* هؤلاء الذين انتقدوكم خاصة من الشق المعارض، اعتبروا خطابكم الذي سوقتموه في تنسيقية الانتقال الديمقراطي وهيئة التشاور والمتابعة متناقضا مع قراركم بالمشاركة؟ لا ليس متناقضا، فالخطاب هو نفسه، وهنا علينا ان نطرح السؤال "من هو المعارض"، سواء في القانون أو الشرع أو حتى في اللغة، اسألهم من هو المعارض، قد لا تجد عندهم جوابا علميا دقيقا واضحا، وأنا قدمت الجواب على هذا السؤال بداية الانفتاح السياسي فقلت "المعارض هو من يقف خارج السلطة ويتخذ منها موقف الضد والرفض"، والاتحاد يقف خارج السلطة ويتخذ منها موقف الضد والرفض، لسياساتها وقوانينها، فهل يوجد من النخبة الجزائرية من انتقد السلطة أكثر منا وبينا عيوبها، ووضع يده على جوهر أسباب الأزمات التي تعيشها البلاد فيما قلنا وكتبنا، لكن الذين يتخذون موقف المقاطعة هم ينظرون إلى المشاركة بغرض أن تشارك من اجل الفوز بالمقعد، وهو شارك بالأمس ولم يفز أيضا، فالمشاركة في الانتخابات التشريعية ليست منافسة حول مقعد واحد، فلماذا شارك الناس في الرئاسيات وهي منافسة على مقعد واحد، وما رأينا هذا الرفض والطعن والانتقاد رغم انه يومها الكل يدرك أن الانتخابات مغلقة والمقعد موجه لشخص معين ولكنهم شاركوا، فنحن يومها قلنا بأن الانتخابات مغلقة فلا داعي للمشاركة، لكن لم ننتقد نوايا الناس بل احترمنا رأيهم لكون المشاركة فعلا اجتهاديا من قبيل تقدير المصلحة ودفع المضرة والمفسدة، أما بخصوص الانتخابات التشريعية فهناك 464 مقعد، فهل كلها مغلقة، طبعا ليست كلها مغلقة لصالح أصحاب الموالاة، بل فيه مجالات للأخذ والعطاء. * هل يفهم من كلامك أن الاتحاد سيدخل من أجل تحقيق هذه المقاصد؟ لا، لا يجب أن يفهم من قولي هذا أن الاتحاد يدخل من اجل هذه الأهداف فقط، بل يدخل أيضا من اجل تحقيق هدف الفوز، وهو على يقين واطمئنان على انه ان كانت الانتخابات حرة ونزيهة فسيكون له النصيب الاوفر والأوفى في هذه الانتخابات، ووجب أن لا ننسى ان قانون الانتخابات الحالي يفرض على الاحزاب التي قاطعت من قبل ان تشارك،وإلا عليها أن تطوي هذا الملف وتذهب إلى بيوتها، وأنا شخصيا دعوت الأحزاب لما أصدروا قانون تعديل الانتخابات لنطوي هذا الملف وهو ملف الاعتمادات ونجتمع في مكان واحد ثم نمزق هذه الاعتمادات لكون القانون المتعلق بالانتخابات قد أغلق العملية السياسية لصالح أحزاب الموالاة، فلماذا لم يتجاوب معي أي حزب وسكتوا كلهم في هذه الخطوة التي كان من الممكن أن تكون فعالة ومؤثرة بما في ذلك الذين يدعون الى المقاطعة الآن واعتبروا هذا التصريح خطوة متقدمة في التعبير عن الرفض ضد هذا النظام.
* كم مقعدا يستهدف الاتحاد في تشريعيات ماي المقبل؟ نحن أصحاب مطلب أساس وهو ان تكون الانتخابات حرة ونزيهة، فإذا كانت كذلك واحترمت فيها إرادة الأمة، نحن على اطمئنان أن الاتحاد سيكون له الحظ الأوفر، وإذا كانت الانتخابات كذلك فأنا شخصيا على استعداد لكي أهنئ وأبارك لكل من نجح دون عقدة على الإطلاق، ولا أقول هذا الكلام الآن قولا فقط، بل كل مساري النضالي يشهد على الحقيقة، فلما كانت الانتخابات 1991 حرة ونزيهة، شاركنا يومها باسم حركة النهضة الإسلامية، وبعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، كنت أول المباركين لهم، ولما بدأ التيار العلماني يتحرك من اجل توقيف المسار الانتخابي دعوت إلى تشكيل تكتل وطني لحماية اختيار الشعب، وكنت أرى في ذلك المصلحة الأكبر للبلد، فاليوم من يتكلم عن المقاطعة كثير منهم آنذاك من كان في السلطة يستهزئون بنا، ومن لم يكن في السلطة نادى بالصمت وتوقيف المسار الانتخابي، وإذا كانوا يظنون أن الناس قد نسوا فهم واهمون في هذا الظن.
* الكثير هنأكم وثمن ما قمتم به من مجهودات في التحالف الذي يعتبر خطوة كبيرة تجمع العائلة السياسية الإسلامية، لكن أبدى تخوفا من مستقبل التحالف بعد التشريعيات.. هل سنرى تحالفا اندماجيا أم سنرى تجسيد هذا التخوف ونشهد تشرذما جديدا؟ نحن هذا الذي اتفقنا عليه وصرحنا به وأكدناه باستمرار، فالاتفاق الحاصل بيننا هو أن التحالف ليس تحالفا انتخابيا، بل هو تحالف استراتيجي وحدوي، وسوف نعقد مؤتمرا جامعا قبل نهاية سبتمبر من السنة الجارية، وبدأنا من الآن نبرز عنوان الاتحاد كعنوان مشترك ونسكت عن عناويننا الأخرى، لكونها أضحت عناوين مؤقتة وهي إلى زوال، فأملي أن يفي الكل بهذا الاتفاق ويعمل على الالتزام به، أما من جهتنا فنحن أوفياء لهذا الاتفاق وعاملون على تجسيده، ولو قيل لي بأن هذا التحالف سيكون ظرفيا فقط لما وافقت، وقد حاولوا معي في مرات سابقة ورفضت، فأنا مع التحالف الاندماجي الوحدوي، وأسعى الى اقامته بما استطعت من اجل نجاحه، والمسعى للوحدة ليس جديدا بل يعود الى سنة 1976 وعرف تعطلا، لكن الآن توفرت ظروف تحقيقه.
* هل يمكن أن نرى تحالفا مع باقي الأحزاب الإسلامية بعد التشريعيات، وهل بإمكان حمس –التغيير الالتحاق بتحالفكم؟ طبعا هذا التحالف مفتوح، ولا يبقى مغلقا على هذه الأحزاب الثلاثة، بل يده ممدودة الى أحزاب أخرى تدعوها الى أن تضم جهدها إلى جهد الاتحاد من اجل التعاون على إعادة بناء التيار الإسلامي بناء قويا على أسس، ويهتدي بالتشريع ويعتبر بالتجارب والواقع، وإذا صحت العزائم والنوايا لماذا لا يطبق، علما أنه سيخضع لأشكال شتى من التآمر والعراقيل.
* –هناك بعض الأحزاب الإسلامية وأخرى تنتمي الى تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي التي كانت حليفتكم.. أبدت استعدادها للمشاركة في الحكومة المقبلة بعد التشريعيات، كيف تنظرون إلى هذا الأمر سواء في الاتحاد أو في حزبكم.. وهل يمكن أن نرى رجالا من حزبكم يشاركون في الحكومة المقبلة؟ في الحقيقة أن الأصل في تأسيس حزب ما انه يملك القناعة والاستعداد للمشاركة في الحكم، الفارق أن هناك من يرتمي في أحضان السلطة راغبا في المشاركة بلا قيد أو شرط، وهناك من يرغب في المشاركة فيها عزة وكرامة، ولذلك يضع بعض الشروط التي تخدم مبدئ المشاركة وتفيد في تحسين اداء المشاركين، ونحن في الاتحاد على قناعة بأن الديمقراطية المناسبة في الجزائر هي الديمقراطية التشاركية، لأنها الأفضل في تعزيز التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي على السلطة، وتوفير شروط حرية ونزاهة الانتخابات، وضمان حق الامة في المشاركة في صنع القرارات الوطنية، فإذا كان الأمر بهذه الصورة، فأظن أن الاتحاد سيدرس هذا الموضوع دراسة جدية، أما من ناحية تجسيد الأمر على أرض الواقع، فالأمر هنا يعود إلى المؤسسات الشوروية التي تتخذ مثل هذه القرارات.
* كثير من المتتبعين يرون أن رهان الأحزاب والسلطة هو الدفع بالشعب الجزائري للتوجه إلى صناديق الاقتراع، هل ترون أن الطبقة السياسية الموجودة حاليا بإمكانها دفع المواطن للاقتراع؟ طبيعة الناس أنها لا تتحلى بالصبر وطول النفس، لكن هذا لا يعني أن كل الناس سيقاطعون، إذ يجب إقناع المواطن أن الذي يقاطع ويتخلى عن مسؤوليته في الاختيار هو عندئذ يكون شريكا في فتح الطريق أمام أحزاب الموالاة لكي يستمروا في الحكم لكونهم يمتلكون وعاء قارا، إذ لا يتضررون بالمقاطعة والنتائج ترتب لصالحها عن طريق التزوير بشكل مستمر، فالذين ينادون بالمقاطعة نجدهم من أحزاب المعارضة التي يراهن على أن تكون بديلا، وهي الأكثر وفاء للشعب، ولها من خطاباتها السابقة والحاضرة ما يقوي هذا الأمل، فإذا قاطعت الانتخابات فتكون قد ألحقت الضرر بهذه الفئة التي فيها الأمل في الإصلاح والتغيير.
* أحزاب الموالاة ربطت البرلمان المقبل برئاسيات 2019.. هل يفكر الشيخ جاب الله في الترشح مجددا للرئاسيات المقبلة؟ جاب الله ما فكر في الماضي ليترشح، ولا يفكر الآن ليترشح، وحتى ترشحي في الماضي هو رغبة من المؤسسات والإخوة، هي التي دفعتني لقبول الترشح، وأنا ما كانت لي رغبة في الترشح إطلاقا لا لمنصب رسمي ولا لمنصب حزبي.
* ولكنكم ترشحتم؟ ترشحت نزولا عند قرار المؤسسات، وتلبية لرغبة الإطارات والمناضلين.
* كيف ينظر الشيخ جاب الله لمستقبل البلاد في ظل المعطيات الموجودة في الساحة؟ إذا كنا سنشهد انتخابات حرة ونزيهة، ستسير البلاد نحو ما هو أفضل، أما اذا كانت مزورة، فالفساد سوف يبقى ويتطور أكثر، ويسوء الحال أكثر.
* تفرغتم للتأليف.. هل هي رسالة من الشيخ جاب الله على أنها طريق للتوجه نحو اعتزال السياسة؟ السياسة في نظري دين، وأقصد هنا السياسة الشريفة طبعا، والدين عندي كذلك سياسة، وجوهر الدين هو أنه منهج الله الذي ارتضاه لعباده لينظموا به حياتهم، وليرعوا به مصالحهم وليحققوا به لأنفسهم التطور، فوظيفة السياسة هي فن رعاية مصالح الناس وحفظ حقوقهم، ولذلك السياسة الشريفة دين، والدين الصحيح سياسة في هذا المعنى، فالمعنى السائد للناس عن السياسة خاطئ "إذ يعرفونها بفن الكذب و"التبلعيط" والغدر والخيانة والنهب، هذه ليست سياسة، بل هي ممارسات لاأخلاقية تجعل صاحبها يقع دائما تحت طائلة الذم والعقاب الرباني. * نفهم من كلامكم أنكم مستعدون للاستمرار في ممارسة السياسة الشريفة كما قلتم؟ السياسة هي حياتي منذ صباي، وأنا مستمر فيها، ولكن أعطي للجانب العلمي ما يستحق، وأولي جانب التأليف عناية لا بأس بها، ولست راض عن الوقت المخصص لها، لأن وقتي مقسم بين العمل الحزبي وأعطي الأولوية للنشاطات، وأتحرر من الكثير من النشاطات خاصة فيما يتعلق بالتواصل مع الإعلام ومؤسسات الدولة في هذه المرحلة. حاوره: نورالدين علواش تفريغ: فاروق.خ