بقلم: عمر الردّاد على وقع الأزمة في سوريا والتفاهمات الدولية حولها بين أمريكاوروسيا، والتي بدأت ملامحها بوضع أسس الحل في سوريا في إطار صفقة، أبرز عناوينها بقاء الرئيس الأسد على رأس السلطة في المدى المنظورعلى الاقل، ولكن بسوريا جديدة تتراوح بين اللامركزية والفدرالية، ووفقا لترجيحات محللين ومراكز بحوث فان هذه الصفقة ستمتد لتشمل مناطق صراعات ونزاعات اخرى في الاقليم بالعراق وفلسطين واليمن ،تعيد القوى الفاعلة في المنطقة والاقليم (السعودية، تركيا ،ايران واسرائيل ومصر) اعادة تموضعها، وبناء استراتيجياتها ،تتكيف مع حجم التغيير الذي يتم بناؤه، بما يضمن لها البقاء في المشهد وحفظ مصالحها خاصة وان بعض القراءات تصل الى حد التوقع باعادة رسم خرائط المنطقة من جديد وفقا لتوصيات برنارد لويس. مرجعيات هذا التغيير تقوم على عاملين وهما: اعتراف امريكي بالدور الروسي الذي فرض نفسه بقيادة تحالف مع ايرانوسورياوالعراق وتفاهمات مع تركيا، اثبت منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا وقيادة الصراع هناك أن روسيا قوة دولية لها موقفها ورأيها الوازنين، بما اعاد القطبية الدولية سواء في ظل الادارة الامريكية الديمقراطية او الجمهورية بقيادة الرئيس ترامب، فيما العامل الثاني مرتبط بامريكا ذاتها التي أصبحت تدير صراعاتها وفق مقولة "أن التفاهم مع الخصوم أقل كلفة من مواصلة دعم الحلفاء" وهو ما يمكن ان يفسر مواقفها من تركيا واسرائيل وفي سورياوالعراق وقبلها مع ايران، حيث كانت صفقة الاتفاق النووري وما يمكن ان تؤول اليه مخرجات التصعيد الحالي مع كوريا الشمالية، حيث تتطلع امريكا من خلاله لمحاورة الصينوروسيا على ملفات سيكون ملف كوريا الشمالية من بينها. ومن الواضح ان عنوان التغيير الاستراتيجي في الاقليم تفاهمات بين القوتين الأبرز، وهما المملكة السعودية (وضامنتها امريكا) وايران (وضامنتها روسيا)، فيما تبحث القوى الاخرى: تركيا واسرائيل ومصر عن دور لها في هذا التغيير يؤمن مصالحها، اذ ان الصراعات التي يشهدها الاقليم تقودها عمليا السعودية وايران بشكل مباشر او من خلال وكلاء، فيما تمارس القوى الأخرى أدوارا في هذه الصراعات، مؤكد انها أقل من أدوار السعودية وايران متساوقة أو تابعة لهما، وهذا واضح في ساحات الصراع في سورياوالعراق واليمن وفلسطين. حيث شرعت السعودية بتغييرات صادمة داخليا وخارجيا من خلال انقلابات في مواقفها في سورياوالعراق واليمن وتجاه إسرائيل. أما بالنسبة لايران، فتدرك القيادة الايرانية عناصر قوتها في الاقليم، خارج إطار برامج الصواريخ البالستية والبرنامج النووي التي تعززت منذ الاحتلال الامريكي لافغانستان والعراق بصياغة الصراع في المنطقة على أسس مذهبية في سورياوالعراقولبنان واليمن ونفوذها في آسيا الوسطى ومناطق اخرى في افريقيا وشرق آسيا والبلقان، عززها نشوء القاعدة وداعش لاحقا في العراقوسوريا، لذا تبدو السيناريوهات التي تتحدث عن اخراج ايران من العراقوسورياولبنان غير واقعية لكونها غير مضمونة النتائج، ويبدو ان القيادة الايرانية وضعت الكثير من اوراقها في سلة القيادة الروسية خاصة بعد مرحلة تنمر ايراني ضد روسيا، بعد توقيع الاتفاق النووي مع امريكا، وتعود اليوم الى الحليف الروسي في ظل شكوك بسياسات الرئيس ترامب تجاهها. وربما كان في الحضور المكثف لرئيس الجمهورية الاسلامية(حسن روحاني) وتصدره للمشهد، على حساب قاسم سليماني قائد الحرس الثوري، والتلويح باعادة النظر بالاتفاق النووي خلال الأسابيع الماضية ما يعطي مؤشرا على التكيف الايراني الجديد، هذا بالإضافة لاستقبال ايران وفدا من حركة حماس رغم اعلان تحالفها مع القيادي الفتحاوي محمد دحلان ومواقفها المؤيدة للثورة السورية، فيما يرجح ان يتواصل الحج الايراني الى مكة هذا العام بسلام في اطار اشارات ايجابية متصاعدة بين الرياضوطهران ،واشارات امريكية بتخفيف العقوبات المفروضة على حزب الله، بعد ان اصبحت الحدود اللبنانية السورية ساحة صراعه مع الارهاب ،فيما تعيد ايران انتاج وجودها في سوريا بالالتزام بخطوط مناطق خفض التوتر، غير ان الصورة الاوضح يتم ترسيمها في اليمن، في اطار تحولات الرئيس عبدالله صالح تجاه الحوثيين ، والتقاطه رسالة التغيير القادم ، ومن العراق بخطوات متدرجة لاعادة المرجعية الشيعية من ايران الى العراق ،بانفتاح سعودي ملفت على المكون الشيعي. وربما يعكس الحراك الاسرائيلي، المدرك لحجم التغيير في الاقليم صورة اكثر وضوحا للتغييرات الاستراتيجية التي يتم تداولها،بدخول امريكاوروسيا بقواعد وتراسانات عسكرية الى المنطقة ، افقد اسرائيل مقولتها التاريخية بانها شرطي المنطقة وراعي مصالح الغرب، منذ حرب العراق الاولى عام 1990، وتعزز ذلك بعدم قدرتها على حسم معركتها مع حزب الله في لبنان عام 2006، في حروب العولمة الجديدة. ان ماتم طرحه خلال زيارة وفد عسكري امني سياسي اسرائيلي في واشنطن قبل ايام ،من احتجاجات ومخاوف اسرائيلية من مالات الحل المطروح في سوريا ببقاء ايران داخل سوريا وتهديدها لاسرائيل ومعها حزب الله والحديث عن صواريخ ايرانية واستمرار طريق الدعم من طهران الى بيروت عبر بغداد ودمشق، ثم طرح ذات القضية خلال لقاء رئيس الوزراء الاسرائيلي مع الرئيس بوتين ، وتاكيدات امريكاوروسيا لاسرائيل بان امنها مضمون ،كل ذلك يذكر بحجم التغيير، وكيف ان اسرائيل انتقلت من مرحلة التهديد بضرب ايران قبيل وبعد الاتفاق النووي قبل عامين، الى مرحلة طلب الحماية وضمانات بتامين حدودها مع الجولان وجنوب لبنان. ان المستقبل القريب ربما يحمل مفاجات كثيرة تحت عنوان تسويات وصفقات كبرى في الاقليم ، تقودها امريكاوروسيا،يظهر فيها الخصمان الرئيسيان(السعودية وايران) لا غالب ولا مغلوب فيها، برعاية واشراف وضمانة روسية امريكية ، ربما تضع حدا للصراع المذهبي، ومن هنا اندفع الرئيس التركي اردوغان لانجاز تفاهم مع ايران تحت عنوان محاربة الارهاب،لكن هدفه الحيلولة دون قيام دولة الاكراد، وانتهج التهدئة مع السعودية في نزاعها مع قطر(هناك شكوك عميقة لدى روسياوايران من جهة بكل من قطروتركيا من جهة اخرى في اطار هذا الحلف)،فيما جاءت الاندفاعة المصرية للحصول على دور في سوريا .ان تساؤلات حول مستقبل تحالف ايرانوتركيا مع قطر،وامكانية بقاء صيغة التحالف السني ضد ايران ، الذي شكل مدخلا لاسرائيل في تقاربها من الدول العربية السنية، تبدو وفقا لهذه المقاربات تساؤلات موضوعية تستحق التوقف عندها مليا، في ظل احتمالات التغييرالقادم في المنطقة.